حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,22 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4616

كانونيات

كانونيات

كانونيات

22-12-2021 11:35 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فداء المرايات

إنه شهر كانون ؛ وديسمبر الأحلام كما يلقبه البعض ، الشهر الذي يحمل امتدادا ليليا منقطع النظير عن باقي أشهر العام ، فمن منا يستطيع انكار أن ليالي كانون الطويلة ، ليست كذلك ؟! ؛ ومن منا يمكنه النجاة من أرق الليل الطويل لهذا الشهر ؟!

كانون ، والذي بحضرته تعتري روحك رياح الشمال الباردة قبل جسدك ، وتجرك الليالي غير آسفة عليك إلى حنين مليء باللهفة والارتياب في آن ٍ واحد ، وأظنه الشهر الوحيد الذي يتسلل برده إلى حجرات قلبك قبل ارتعاشة يديك من أحد المنخفضات ، ويحاكي صقيعه انجماد عواطفك قبل أن يضرب ذات الصقيع بتلك المرتفعات ..

في ليل كانون ؛ أجلس أمام الموقد كعادتي في فصل الشتاء ، وابدأ تقليب بعض الكتب ، وأرقب الساعة ، ما بين سكون الليل في الداخل ، وجنون الرياح في الخارج ، وأظل بخطوات مترددة أجوب ما بين الصفحة وشقيقتها ، فلا اندفع للقراءة كثيرا في ليالي كانون بذات القدر المعتادة عليه ، بل تحل علي رغبة الكتابة أكثر ؛ ففي هذا الشتاء الحزين ، يُفتح باب الجراح العنيدة على مصراعيه ، حيث نجد شيئا من الاجترار للذكريات والأيام والفصول البعيدة .

وفي مسرح الحياة وديناميكية الأيام نمضي بلا توقف أو استكانة فلا متسع من الوقت للوقوف على تلك الذكريات ، وليس هنالك حيز للتذكر بفضل زخم الساعات بالمسؤولية واكتناز الأيام بالتفاصيل ، حتى يأتي كانون وتلعب لياليه تارة دور المحقق الذي يستحث الزمن للاعتراف ويبرع في ربط خيوط المسألة ويقلبها مرات عديدة بلا ملل وكلل ويبرهن في كل مرة كم عانى الانسان وكم واجه ظلما عتيا ، ودور المعالج النفسي تارة أخرى والذي يستدعي حضور القلب والعقل معا في حضرة الروح طوعيا في ساعات السكون للاعتراف العقلي والبوح الروحي والثرثرة القلبية وسرد ما بالوجدان دون إبداء حلول أو تقديم خطط وبعد تغييب الأنا واخفائها ومنعها من تعكير صفو هذه الساعات من الصفا ، حيث يجلس الثلاثة ( القلب والعقل والروح ) في حضرة الليل يتسامرون على الذكريات ..

إن الانسان حصيلة نفسه ، من كل محصلات الأيام التي عاشها والظروف التي واجهها ، والتحديات التي وجد نفسه مرغما على خوضها ، والشخوص التي تفاعل معها في بوتقة المجتمع ، وما يعتريه من مشاعر الاغتراب ليس إلا اعترافا ضمنيا من الواقع على مدى صعوبة خلق التماثل ، فكل واحد منا هو حالة خاصة فردية مليئة بالأحداث والانفعالات لا يمكن أن تتطابق مع حالة أخرى في دورق الوجود ، لكن الفجوة تزداد ويخرج الفرد من عباءة القطيع ، منتزعا نفسه من هراء الجهل وهواجس الحمقى ، حالما يلجأ الانسان إلى مسكنات ذهنية لا تروق للأغلبية كالكتب والتأمل والكتابة والصمت والموسيقا الهادئة وغيرها من الهوايات الفردية وطقوس الوحدة التي تشحذ إرادة الانسان وتصقله بالشكل الذي يجعله يزداد اختلافا عن البقية ، فكل تلك الأشياء تلقي به على سفوح المنطق ، ولا يرجع منها إلا بغربة جديدة ، أسميها غربة العاقل .

في هذه الغربة الطاغية ترفع وسمو عن المعايير المزيفة التي يتميع من أجلها العالم البشري المعاصر ؛ وفي تقاسيم الوحدة المكفهرة المختزلة بكل من الصمت والتدوين والتأمل وعدم الهلع من الواقع ومراقبة ما يحدث ، استمكان وسطوة على كل مساحات القلق المحفورة على جدران العقل الباطن ..

وفي الختام أظنني أجد بهذا الليل الطويل والأهم تزامنه مع نهاية العام تفسيرا منطقيا ، يتأتى من حاجتنا لاستحضار حصيلة العام بلهوها ومرارتها ولأن كانون عميق جدا فلا يكتفي برصيد الأحد عشر أخا بل يذهب بنا بعيدا إلى سنوات مضت لتعيدنا بعد أن يغفو الليل وتهرع أنامل الفجر طارقة أبوابنا في محاولة منه لايقاف هذا العزف على أوتار الذاكرة ، وذلك النزف على جراح الحنين .













طباعة
  • المشاهدات: 4616
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-12-2021 11:35 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم