بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين

بين أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية د. ليث نصراوين كيف يتم عزل رئيس مجلس النواب؟:-  

تواصل اللجنة القانونية في مجلس النواب مناقشاتها للتعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأضافت عليها الحكومة مجموعة من المقترحات. ومن أهم التوصيات التي تسود حولها حالة من الاختلاف في الرأي تلك المتعلقة بتعديل المادة (69) من الدستور، والتي تقرر حالات يفقد فيها رئيس مجلس النواب منصبه، أهمها الوفاة وتقديمه لاستقالته الخطية، وصدر القرار بذلك عن ثلثي أعضاء المجلس النيابي.

وتنبع أهمية هذا النص الدستوري المقترح من أنه يعالج حالات واقعية يمكن أن تحدث مع كل رئيس لمجلس النواب، تتمثل بالوفاة – لا قدر الله – والاستقالة من منصب الرئاسة. فإن كان رئيس مجلس النواب يملك الحق الدستوري بأن يستقيل من عضوية المجلس الذي جرى انتخابه إليه، فمن باب أولى أن يثبت له الحق في أن يترك رئاسة مجلس النواب طوعا واختيارا.

ولا يرد القول بأن هذه الحالات يجب إخضاعها للقواعد العامة المتمثلة بأن الوفاة والاستقالة يترتب عليهما حكما فقدان الرئاسة والعضوية، ذلك أن الدستور الأردني بحلته الحالية لا يتضمن أي نصوص تحكم وفاة رئيس مجلس النواب ومصير رئاسة المجلس إن رغب في تقديم استقالته، ذلك على خلاف حالة وفاة واستقالة العضو المنتخب التي جرى تنظيمها بنصوص دستورية واضحة. لذا، عمِدت اللجنة الملكية على اقتراح الأحكام الدستورية واجبة التطبيق في حال شغور مقعد رئيس مجلس النواب، بحيث يتولى نائب الرئيس رئاسة المجلس إلى حين انتخاب رئيس جديد خلال اسبوعين من تاريخ شغور المنصب، وذلك لاستكمال المدة المتبقية لرئاسة المجلس.

وتبقى الحالة الثالثة المقترحة لشغور مقعد رئيس مجلس النواب أن يصوت الأعضاء المنتخبين بأغلبية الثلثين على اعتباره فاقدا لمنصبه، حيث تشددت اللجنة الملكية في الأكثرية المطلوبة لعزل رئيس المجلس وذلك نظرا للتبعات السياسية المرتبطة بهذا القرار.

ولا يرد ما أثاره البعض بأن تقرير الحق لمجلس النواب في التصويت على عزل رئيسه يتنافى مع أركان النظام النيابي في الدستور الأردني. فالديمقراطية النيابية تقوم على أساس انتخاب ممثلين عن أفراد الشعب لفترة زمنية محددة يمارسون صلاحيات فعلية حقيقية. وهذا المقترح الذي يعزز من السلطات الدستورية لأعضاء مجلس النواب في مواجهة رئيسهم يتوافق مع النظام النيابي القائم على تثبت صلاحيات فاعلة للنواب المنتخبين في مجال التشريع والرقابة.
كما أن مجلس النواب الذي يملك الحق في الرقابة على أعمال الحكومة إلى الحد الذي يصل طرح الثقة بها وإجبارها على الاستقالة لا بد وأن يتقرر له سلطة الرقابة على أعمال رئيسه ومحاسبته في حال مخالفته أحكام الدستور أو النظام الداخلي لمجلس النواب.

وعلى صعيد الأنظمة الدستورية المقارنة، فإن غياب الأحكام القانونية ذات الصلة بعزل رئيس المجالس المنتخبة قد سبب أزمات دستورية وسياسية عميقة. ففي الكويت مثلا، قدمت المعارضة البرلمانية قبل أشهر طلبا لعزل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، فثارت تساؤلات حول دستورية هذا الطلب وكيفية التعامل معه في ظل غياب النصوص التشريعية ذات الصلة.

وفي الجزائر، تسبب غياب النصوص الدستورية الواضحة المتعلقة بعزل رئيس البرلمان إلى قيام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بإقالة رئيس مجلس الأمة بشير بومعزة في عام 2000. وفي ضوء تمسك الرئيس المعزول بمنصبه، أصدر المجلس الدستوري فتواه السياسية باعتبار بومعزة عاجزا عن القيام بأداء مهام عمله.

إن غياب النص الصريح الذي يعطي النواب حقا في عزل رئيسهم لا يعني عدم الاعتراف لهم بهذه السلطة وفق القواعد العامة في التمثيل الديمقراطي. بالتالي، فإن الحكمة الدستورية تقتضي التصدي لهذا الحق وتدوينه بنصوص تشريعية واضحة وقابلة للتطبيق.

• إقرأ أيضاً : ماذا قال لي الرئيس في منزله ذات مساء .. ؟
• إقرأ أيضاً : شبابنا والتدخين
• إقرأ أيضاً : فلسطين وما بعدها