01-01-2022 03:41 PM
بقلم : آيات زريقات
ضجّت منصاتنا الإعلامية وتنافست فيما بينها لمحاولة إظهار الزوايا الأوضح والأطول مدة لمقاطع الديمقراطية المبرحة -مع سبق الإصرار والترصد-ضمن حلبات مجلس النواب الأردني على القناة "الرياضية" الأردنية مؤخرا ...
فبالرغم من أن المشهد بحذ ذاته عكس انفلاتا فوضويا لموقف "لحظي بريء" اعتبره البعض عفويا ومثالا للديمقراطية الأم مستذرعا بالبرلمانات العالمية التي سبق وأن رعت مثل هذه الأحداث، الا أن البعض ذهب بعيدا نحو الإشارة الى أن المجلس بصفته الحالية لا يمثل الأردنيين أصلا وأن ما جرى انعكاسات شخصية لكل نائب على حدا، ولم ألحظ قيام أي من المحللين أو المتابعين بمحاولة تفسير او ترجمة المشهد بأبعاده الحقيقية وهذا كان سبب تأخري في التعليق عما حدث وتفكيك واستقراء ما وراء الحدث ...
ما جرى في مجلس النواب مؤخرا يحمل انعكاسات عميقة وتوثيقا لمبدأ "الضرب مقابل الاختلاف"..
المتابع لأسلوب النواب مع بعضهم البعض منذ بداية الجلسات لا بل في كل جلسة ولأسلوب الحوار الديمقراطي، يلمس الاصرار على التقليل من شأن البعض لا بل التنمر على البعض الاخر في مواقع أخرى، وبنهاية الأمر أسلوب المشاجرة بحد ذاته من حيث تكرار الضرب بقصد الايذاء الجسدي للنواب تجاه بعضهم البعض، لن يصل إلى تحليل عميق بعيد عن كل ما تم الإشارة له بالإعلام الا كما يلي:
الأردنيون عامة ومجلس النواب خاصة هم فئة مشحونة بالظلم والغضب ويتعرضون يوميا لضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية واخرها سياسية، قد تدفعهم الى ضرورة تعليق لوحة على أجسادهم تحمل عبارة "خطر سريع الإشتعال"، والتي عادة ما نراها على صهاريج المحروقات، وأقرب الأدلة ما حدث يوم أمس في بوليفارد العبدلي من تهافت غير مسبوق للاحتفال بالعام الجديد دون أدنى معايير السلامة وكأنهم في غليان على صفيح ساخن ينتظر فقط فرصة للهروب من الواقع المقيت إلى جنبات الطرق العامة حتى انفجروا غير آبهين تحت ردع قوات الأمن ، أيعقل أن غياب العدالة -بشتى صورها– تدفع الفرد للشعور بأن حقه مهضوم من قبل الآخر، وأن الآخر قد اكتنز قرصا أكبر منه ولا بد من تحصيل حقوقه ولو بالقوة، في ظل أن مفهوم "صبره" لن يحصّل له حقوقه الاقتصادية أو الاجتماعية، أو حتى السياسية؟
لذلك نرى أن الشارع الأردني بأطيافه المتعددة يترجم معاناته على برلمانه وبالنهاية على حكومته ودولته، وسيبقى دائما كذلك مشحونا كماء بدرجة حرارة 99 مئوية وفي انتظار الغليان الذي قد يأتي بأي لحظة ولأتفه الأسباب لإظهار نفس المشاهد ...
مؤخرا تابعت العديد من مشاهد المشاجرات المصورة لعدد من المواطنين الأردنيين ، ولاحظت أن الخلافات لا تتم كمشاجرات تقليدية تتمثل بخلاف معين يهدف من خلاله أحد الأطراف إلى استخدام الضرب الجسدي لإثبات وجهة نظره وبالنهاية ووفقا لآداب المعارك ومجرد سقوط الشخص على الأرض أو عدم قدرته على المقاومة أثناء الشجار أو ابداء أي معالم الضعف يتم تركه وشانه كون الفكرة قد أثبتت ولو بالقوة، لا بل لاحظت أن الأردنيين أصبحوا دائما مستعدين وكأن القصد الجرمي دائما موجود لارتكاب جرائم قتل وايذاء بأي لحظة، حيث هزني خلاف بين مواطنين أردنيين حول طريقة الانتقال المخالف لمسارب المركبات بين بعضهما البعض، والذي دفع أحدهم بالنزول مباشرة من المركبة دون أي نقاش لطعن الآخر عشرات الطعنات برقبته مودياً بحياته، دون الشعور بأدنى درجات الندم أو التردد أو الحزن أو الانسحاب أو حتى الإسعاف ... وبطريقة تشعرك وكأن القاتل مترصد للمقتول منذ عشرات السنين على قضية ثأر تاريخي ...
أعلم أن كلماتي لن تذيب الجليد والبرود الذي وصلنا اليه وأرى أن ما جرى في مجلس النواب مؤخرا يعد مؤشرا حساسا ينذر بوباء أكبر من كورونا بين أبناء الشعب.
فقمة الانعكاس الديمقراطي لأي بلد يترجم من خلال برلمانه، وبرلماننا مشحون مغبون يغلبه "الضرب مقابل الرأي"، وأعتقد أن وزارة الصحة الأردنية معنية بإستقبال العام الجديد 2022 بخطط مدروسة لاجراء فحوصات مخبرية من خلال لجان الأوبئة المنتشرة بالمملكة لضمان التأكد من مستويات فيروس "الغبن" لدى أطياف المواطنين، والا فإننا بحاجة الى اغلاقات وحظر جديد نتيجة هذا الفيروس الذي قد يدفعنا أن نكون "زومبيات الوطن"!