04-01-2022 09:54 AM
بقلم :
أثار تفشي فيروس كورونا جدلاً كبيراً حول حقوق الإنسان، خاصة من طرف المُنظمات الحقوقية عبر العالم، والتي عبرت عن موقفها بأن هذا الوباء يؤثر بشكل سلبي على الحقوق الأساسية للإنسان.
ومن جهة أخرى يعتقد البعض أن شعار هذه المرحلة هو مواجهة فيروس كورونا، وأن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل هذه الظروف، يعتبر نوعا من الرفاهية وهذه رؤية قاصرة، فانتشار جائحة كورونا يُشكل تهديداً لحياة الإنسان ما يؤدي بالضرورة إلى حماية الحق في الصحة بإعتباره أحد الحقوق الأصلية للإنسان وإن الحق في الصحة مكفول بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية ،وحظر التمييز في تقديم الخدمات الطبية ؛ فهذا الفيروس يُعد حالة نموذجية من حالات الطوارئ واسعة النطاق ،مما يُشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة.
وفي نفس الإطار، نجد أن العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لسنة 1966 "أن لكل شخص الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية"، كما يلزم العهد الحكومات باتخاذ خطوات فعالة من أجل الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية وغيرها من الأمراض.
وأنه من الضروري إتخاذ إجراءات حكومية فعالة حيال هذا الفيروس، وحماية المُجتمعات وتوفير كل أسباب التخفيف من آثار المرض وتداعياته على الصحة العامة لمواطنيها، غير أن التاريخ علمنا أن حالات الطوارئ القصوى عادة ما تمثل فرصة مناسبة للسلطات التنفيذية للنزوع إلى تجاهل حقوق الإنسان والحريات العامة، كما تتشبث بعض الحكومات بالسلطات الممنوحة لها وتصر على الإحتفاظ بها حتى بعد إنفراج الأزمات.
لقد ادى تفشي فيروس كورونا إلى بروز تأثيرات إقتصادية كبيرة في مُعظم دول العالم، نتج عنها فقدان الوظائف وتزايد نسب البطالة، وهو ما يُثير على الحق في العمل والحصول على الإعانات إلى حدود الحصول على وظيفة، فهذه الطائفة من الحقوق الإنسانية تأثرت بشكل مُقلق.
هذا، وفرضت حالات الطوارئ حظر التجوال وعزل المدن الامر الذي إضطر الأفراد للدخول في حجر منزلي وبالتالي الحد من حرية الأشخاص في التنقل ما ساهم في توقف مظاهر الحياة العامة؛ كما أدى هذا الوضع الإستثنائي إلى تأجيل عقد الانتخابات في عدد من الدول، وهو ما ينطوي بطبيعة الحال على حزمة من التأثيرات السلبية على الصيرورة الديمقراطية، وأن الوباء وفر للحكومات الديكتاتورية والديمقراطية فرصة للتعسف وإساءة إستخدام القرار وتقليص الحريات المدنية، وإن الإجراءات الحالية قد تنجح في التخفيف من إنتشار الفيروس، لكن قد يواجه العالم خطراً من نوع آخر، إذ ستكون العديد من البلدان أقل ديمقراطية بكثيرمما يتطلع اليه الشعب السياسي.
وإن جميع سمات الديمقراطية حول العالم تُعاني من آثار جائحة كورونا، إذ تضعف الضوابط الحكومية ويغيب المشرعون عن البرلمانات وتتأجل الانتخابات ولا تتعامل المحاكم إلا مع القضايا العاجلة ويمنع التجمع وتقييد الحركة ويضطر الصحفيون للعمل من منازلهم؛ ومع تزايد عدد البلدان التي أعلنت حالة الطوارئ العامة تتزايد المخاوف بشأن انتهاك التدابير والحقوق الأساسية وسيادة القانون مع بقاء ما يُقارب من ثلث سكان العالم في العزلة الصحية.
ونظرا للإشكالات الكثيرة التي أنتجها انتشار فيروس كورونا، شهدت العديد من مناطق العالم ظهور خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز على أساس العرق أو الدين ضد المواطنين الآسيويين الصينين في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة؛ ففي الولايات المُتحدة مثلا تركز خطاب الكراهية على تسمية الفيروس الصيني بالتزامن مع تزايد التعصب ضد الآسيويين، نفس الشيء عرفته كل من فرنسا وألمانيا حيث تزايدت نبرة العداء للأجانب في بعض وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نقرأ كيف يُعاني الآسيويون منذ ظهور أزمة فيروس كورونا، وأيضا كيف يغير راجلون مسارهم في الشارع عندما يعترضهم شخص بملامح آسيوية.
وإنطلاقا من هذه الخلفية، فإن التأثيرات السلبية والخطيرة لخطاب الكراهية والتمييز خاصة على الفئات الضعيفة، وإن تزايد القومية والعرقية والشعبوية وصد حقوق الإنسان في بعض البلدان يمكن يؤدي لتوفير ذريعة لإعتماد تدابير قمعية لأغراض لا علاقة لها بالوباء.
وإن قضية الرقابة الرقمية لمُكافحة وباء كورونا عرفت جدلاً خاصا فيما يتصل بحقوق الإنسان حيث سمح إعلان حالة الطوارئ الصحية حجراً على الحق في الحصول على المعلومات والتي حالت دون إمكانية تطويق الفيروس بالشكل الذي قد يحد من انتشاره .
وهكذا، يحضر سؤال حقوق الإنسان بقوة في أوقات الأزمات الكبرى التي تعرفها الأمم، ما يستدعي الضرورة أو المصلحة العامة لتعليق بعض الحقوق في فترة معينة، فحتى في مثل هذه الحالات، فان المجتمعات الديمقراطية لا تخلو من مساحات للنقاش تسمح بطرح الأسئلة بشأن مشروعية قرارات السلطة، بالنظر للحاجة الملحة إلى احترام حقوق الإنسان في مثل هذه اللحظات الحرجة.
وبناء على ذلك فإن التداعيات السلبية للإجراءات الصحية تثير المخاوف، خاصة في فترة ما بعد كورونا، فالإستمرار في تطبيقها لفترة طويلة قد يُعطي الشرعية لنظام مُراقبة جديد، إذ يمكن لمراقبة تحركات أي شخص وحتى مراقبة آرائه السياسية وميولاته، وممارسة الضغوط والتأثرات عليه في مجالات لا علاقة لها بحالة الطوارئ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-01-2022 09:54 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |