05-01-2022 05:16 PM
بقلم : محمود الدباس
كتب محمود الدباس:
قصص تشجيع الاستثمار في العقبة وفي الارن يطول الحديث عنها ، ويقصر حولها الفعل لمواجهة اثارها السلبية على المستثمر الاردني ، الذي لم يعد له موطئ قدم او واقع عملي وبيئة ملائمة ليواصل عمله ، ويحافظ على استثماره وعلى موظفيه والعاملين لديه طوال السنوات الماضية ، والتي يصل عمر بعض الشركات الى اكثر من خمسين عاما.
وفي التفاصيل فقد جاء وضع نظام تنظيم استثمارات غير الاردنيين وتعديلاته لتشجيع المستثمرين الاجانب على اقامة مشاريع تجارية وصناعية جديدة تسهم في دعم النمو الاقتصادي.
الا ان ذلك لم يكن في الغالب كما خطط له او كما هو مأمول ، ونورد مثال حي على كيفية قيام الدولة بظلم رعيتها بداعي تشجيع الاستثمار الاجنبي.
قطاع الملاحة الاردني الذي بناه عددا من المستثمرين الاردنيين ووضعوا فيه اموالا طائلة طوال السنوات الماضية واستثمروا في رأس المال البشري ودربوا الكوادر البشرية وحقق القطاع نجاحات لا توصف في جلب خطوط الملاحة الدولية للعقبة والمساهمة في التنمية الاقتصادية وجعل العقبة وجهة لكبريات شركات الملاحة العالمية.
واسهم ذلك في دعم الاقتصاد الاردني وتوفير خطوط ملاحية مباشرة وغير مباشرة نحو الاردن حملت على متنها مستوردات الاردن من مختلف السلع والمواد الاساسية والاولية وخدمت القطاع الصناعي والتجاري بشكل كبير وخففت من كلف الاستيراد والتصدير واسهمت في ازدهار موانئ العقبة.
واصبحت العقبة نقطة جذب عالمية وطريق ملاحي مهم ، ساهم في زيادة مستوردات الدول المحيطة في الاردن في ظل الاوضاع السياسية الملتهبة من حولنا ، والذي تسبب في الماضي في توقف موانئ بعض الدول المحيطة جراء النزاعات والحروب.
مما جعل ميناء العقبة رئة اقتصادية يتنفس منها الاشقاء لا سيما في العراق ودول الخليج، في جلب مستورداتهم عبر ميناء العقبة .
وادى ذلك الى انتعاش قطاعات اقتصادية عديدة مثل قطاع النقل البري وقطاع شركات التخليص وشركات الاستيراد والتصدير الاردنية.
وقد ازدهر قطاع وكلاء الملاحة الاردني ونما نمو ايجابيا انعكس على القطاعات الاقتصادية كافة ، الا ان تعديلات نظام استثمارات غير الاردنيين قد ادى الى ضرر بالغ على هذا القطاع.
من حيث السماح للمستثمر الاجنبي وهنا نعني شركات الملاحة العالمية بالدخول للسوق الاردني ومنافسة وكلاء الملاحة الاردنيين الذين كانوا يمثلون تلك الشركات ويقومون بعملها ، عبر هذا النظام والتسهيلات والحوافز غير المسبوقة وغير المتوازنة التي منحت لهم من خلال هذا النظام.
فقد سمح النظام للمستثمر الاجنبي بأن يقوم بتسجيل شركة برأسمال متواضع يكون شريك بنسبة تقل عن 50% من رأس المال ومقابله شريك اردني بالنسبة الباقية الاخرى.
وهذا ما اتاح لشركات الملاحة العالمية العمل بشكل مباشر في السوق الاردني ، والاستيلاء على عمل وكلاء الملاحة الاردنيين واخراجهم من السوق بجرة قلم.
حيث نصت المادة رقم 3 من النظام المعدل لنظام تنظيم استثمارات غير الاردنيين رقم 80 لسنة 2019 على:
يلغى نص المادة 4 من النظام الاصلي ويستعاض عنه بالنص التالي :
المادة 4 – للمستثمر غير الاردني ان يتملك نسبة تقل عن 50% من رأسمال اي مشروع في الانشطة الاقتصادية التالية:
وعددت الكثير من القطاعات المسموح للمستثمر الاجنبي ان يتملك فيها ومنها ما ورد في الفقرة ج :
خدمات النقل التالية :
1- النقل البحري والخدمات التابعة له وتشمل :
أ- نقل الركاب والبضائع بإستثناء النقل على السفن المملوكة لغير الاردنيين.
ب- المعاينة البحرية.
ج- تزويد السفن.
د- خدمات وسطاء الشحن البحري.
ه- خدمات وكلاء الملاحة.
اضافة الى ذلك فإن النظام سمح ومن خلال موافقة مجلس الوزراء على تملك الاجنبي لكامل حصص رأس المال في حالات معينة ، دون النظر الى مصالح المستثمر الاردني او الاكتراث بما سيحل به.
حيث نصت المادة 5 على الغاء نص المادة رقم 9 من النظام الاصلي واستعاضت عنه بالنص التالي :
المادة 9 : لمجلس الوزراء بناء على تنسيب من الرئيس السماح لاي مستثمر غير اردني بأن يتملك او يساهم في نسب اعلى مما هو محدد في المادة 4 من هذا النظام في اي من الحالات التالية :
أ- اذا كان يرغب في تملك اي نسبة في شركة اردنية قائمة.
ب- اذا كان المشروع الذي يرغب المستثمر غير الاردني في انشائه خارج محافظة العاصمة,
ج- اذا كان المشروع ذا اهمية اقتصادية خاصة وفق الشروط التي يتم تحديدها بمقتضى تعليمات تصدر لهذه الغاية على ان يتم نشر هذه التعليمات في الجريدة الرسمية.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فقد منع قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين وكلاء الملاحة الاردنيين من المطالبة بالتعويض من شركات الملاحة العالمية عن فترة تمثيلها وهذا شكل ضربة قاسمة للقطاع بمجملها وترك المستثمر الاردني عاري الظهر مكبل غير قادر على الحفاظ على استثماره ولا حتى ان يأخذ التعويض المالي المعقول عن فترة عمله وكيلا للخط الملاحي العالمي الذي بات يعمل في الاردن تحت عنوان شركة اردنية مملوكة للاجنبي.
ويتعارض ذلك كله مع ما نصت عليه المادة 2 من النظام المعدل لنظام تنظيم استثمارات غير الاردنيين : يلغى نص المادة 3 من النظام الاصلي ويستعاض عنه بالنص التالي :
المادة 3 :دون الاخلال باعتبارات الامن الوطني والنظام العام والاداب العامة والصحة العامة ، للمستثمر غير الاردني ان يتملك بأي نسبة كانت اي مشروع في اي نشاط اقتصادي بإستثناء الانشطة الاقتصادية المبينة في المادتين 4 و 5 من هذا النظام ، ما لم يرد نص في التشريعات ذات العلاقة يضع قيدا على ذلك التملك او تلك المساهمة.
وكذلك مع قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين الذي يشترط لمن يمارس هذه المهنة ان يكون اردني الجنسية حيث ان هذا الشرط ابرز التضارب في التشريعات القائمة ويوجب تصويبه بما يحفظ مصالح المستثمر الاردني والحفاظ على العاملين لديه.
حيث يتبين ان استثمار غير الاردني في قطاع النقل البحري غير قانوني بوجود مادة في قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين تشترط ان يكون ممارس مهنة وكلاء الملاحة يحمل الجنسية الاردنية.
حيث نصت المادة الثالثة من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين على :
المادة 3: يجب ان يكون الوكيل التجاري او الوسيط التجاري اردنيا اذا كان شخصا طبيعيا او شركة اردنية مسجلة وفق احكام هذا القانون.
وسيؤثر ذلك بشكل مباشر على رفع اجور الشحن بالنسبة لصادرات الاردن وهو ما سينعكس على تنافسية صادرات الاردن في الاسواق العالمية وارتفاع اسعارها في مقابل مثيلاتها المصنعة في دول اخرى.
وقد تسبب هذا الامر في ان تصبح بعض شركات وكلاء الملاحة الاردنية والتي تأسست بالتزامن مع انشاء ميناء العقبة عام 1953 لا تملك تمثيل اي خط ملاحي عالمي وشركاتهم تبخرت ولم يعد لها وجود مع دخول المستثمر الاجنبي على هذا العمل وتم الحاق الضرر ايضا في العاملين لديهم واضافتهم الى جيش العاطلين عن العمل.
حيث انه وفي حال تم ابرام شراكة بين المستثمر الاجنبي والشركة الاردنية يتم وضع شروط قاسية جدا منها انهاء خدمات الموظفين جميعا ودفع تعويضات كبيرة لهم ، ليكون للمستثمر الاجنبي الحق في اعادة تعيين بعض الموظفين حسب رغبة المستثمر الاجنبي مما يرتب مستحقات مالية هائلة قد تصل للموظف الواحد حوالي نصف مليون دينار بسبب سنوات الخدمة الطويلة في الشركة الاردنية وهو ما تسبب بازمات مالية للشركات الاردنية.
وفي هذا الاطار فإن الالتفاف على قانون العمل يجري على قدم وساق فيما يتعلق بإشتراط تعيين مدير عام يحمل الجنسية الاردنية للشركة ، حيث يكون في الغالب وجوده شكلي ، بينما يتم تعيين المستثمر الاجنبي بمنصب تحت مسمى “رئيس هيئة المديرين” ليكون هو صاحب القرار الفعلي في الشركة.
والمطلوب لمعالجة هذه الاثار وبالسرعة القصوى لا سيما مع حديث الحكومة عن قانون استثمار جديد ان يتم التنبه لمثل هذا الامر للحفاظ على المستثمر الاردني بالقدر الذي تولي الحكومة الاهتمام بمنح المستثمر الاجنبي حوافز تخطت ما يمنح حقوق المستثمر الاردني وجعلت منه الخاسر الاكبر في هذه المعادلة ، وبالضرورة ان يتم الالتفات الى نظام تنظيم استثمارات غير الاردنيين لمعالجة الثغرات الواردة فيه والتي سمحت بالاستيلاء على حقوق المستثمر الاردني.