حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,26 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 5940

تركيا: معركة المصير واستئناف الحياة الإسلامية

تركيا: معركة المصير واستئناف الحياة الإسلامية

تركيا: معركة المصير واستئناف الحياة الإسلامية

06-01-2022 12:35 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : داود عمر داود

قبل ربع قرن، وتحديداً عام 1995، أعلن الزعيم التركي، نجم الدين أربكان، قبيل عام من توليه منصب رئيس الوزراء، عن خطة لنهوض العالم الإسلامي في كافة المجالات.
كانت خطة أستاذ الرئيس رجب طيب أردوغان ثورية وطموحة لدرجة لا تُصدق، تضمنت أهدافاً ولا في الأحلام، ولهذا ربما لم يؤخذ كلامه آنذاك على محمل الجد.

خطة النهضة

تضمنت خطة أربكان مثلا (تأسيس إتحاد إسلامي) يضم كافة الدول الإسلامية، وتأسيس منظمة أمم متحدة خاصة بالمسلمين، ثم إنشاء حلف عسكري إسلامي مثل حلف (الناتو)، وفي هذا المجال دعا إلى أن يصنع المسلمون أسلحتهم بأنفسهم (فطالما كنا مضطرين لشراء الأسلحة من الغرب لا يمكننا أن نصبح مستقلين. سنصنعها للدفاع والحماية وإعلاء كلمة الحق أيضاً).
وفي المجال الاقتصادي، دعا أربكان إلى إصدار (الدينار الإسلامي لنمنع الغرب من أن ينهبنا)، وإنشاء سوق اقتصادية مشتركة، وإلغاء (الجمارك والجوازات والتأشيرات بين الدول الإسلامية) التي قال إن أمريكا تفرضها على الدول المسلمة، وقال (لن نتحمل أكثر، نحن لسنا عبيداً لأمريكا هذه).
وفي المجال العلمي والثقافي دعا أربكان إلى تأسيس منظمة (يونيسكو) إسلامية وإلى أن تقوم (جامعاتنا بأبحاثها العلمية، بما يتوافق ونظام الحق والعدالة، وليس بما يتوافق ونظام الصهيونية، أو الظلم والربا والرأسمالية).

تأثير فكر النبهاني على أربكان

يقال إن نجم الدين أربكان درس في بداية مسيرته السياسية، مطلع الستينيات، كتب الشيخ تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير الإسلامي، الذي ترك ثروة فكرية ضخمة وضعت أسس استئناف الحياة الإسلامية، منها كتاب (النظام الاقتصادي في الإسلام) الذي بلور واقع نظام الاقتصاد في الإسلام في هذا العصر بلورة واضحة جلية، وكان له فضل كبير في أن يدرك المسلمون أنه لو وُضعت أحكامه موضع التطبيق لكانت النتيجة نظاماً اقتصادياً مماثلاً لما تسعى إليه تركيا اليوم.
كان تأثير الشيخ تقي الدين النبهاني على أربكان كبيراً، إلى حد أنه أراد تطبيق نظام الحكم الإسلامي دفعة واحدة، على طريقة الشيخ النبهاني، الذي لم يكن يؤمن بمبدأ التدرج في التطبيق. وربما كانت هذه نقطة الخلاف الجوهرية بين أربكان وأردوغان، الذي أظهر وجهه الإسلامي بالتدريج، إلى أن أصبح بمقدروه أن يقف اليوم يقول في العلن (أنا مسلم)، ولم يقل أنا تركي، أو أنا رئيس تركيا.
وعموماً فإن حكومة أربكان لم تُعّمر أكثر من 13 شهراً، وأجبره الجيش التركي على الاستقالة. ولم تمض سوى أعوام قليلة، حتى وصل تلامذة أربكان في حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، عام 2002، بزعامة أردوغان، واضعين نصب أعينهم تحقيق أحلام معلمهم، الذي أرسى القواعد لعودة تركيا إلى جذورها الإسلامية.
وهكذا بدأت مسيرة جديدة في تاريخ تركيا المعاصر، خاضت خلالها حكومة أردوغان معارك طاحنة، على كافة الجبهات، خرجت منها منتصرة، كان أبرزها تخليص البلاد من هيمنة العسكر على الحياة السياسية، والتصدي للانقلاب الفاشل عام 2016. وقد تدرج تلامذة أربكان في تنفيذ خطته إلى أن وصلوا إلى هذه المعركة الأخيرة في التحول إلى الاقتصاد الإسلامي. واستطاعوا، خلال قرابة عشرين عاماً، تحقيق جوانب مهمة من خطة أربكان، وأوصلوا البلاد إلى مصاف الكبار على الساحة الدولية. وأصبحت تركيا تقف نداً للدول العظمى، وتتجرأ أن تقول لها (لا) بالفم المليان، وعلى الملأ.
سارت تركيا حسب خطة أربكان وحققت كثيراً من أحلامه، منها تأسيس (منظمة الدول الناطقة بالتركية)، وهي خطوة أثارت غضب القاصي والداني، ثم اتجهت نحو التصنيع العسكري وأصبحت مكتفية ذاتياً، بنسبة 80 في المئة في أسلحتها البرية والجوية والبحرية، مما جعلها قوة عسكرية مهمة. وقامت بنهضة صناعية كبيرة قادتها لأن تصبح رقم 16 بين أكبر 20 قوة اقتصادية في العالم. وها هي الآن تخوض فيما يبدو آخر معاركها قبل أن تتحرر بالكامل من الدوران في فلك الغرب. معركة المصير اليوم هي معركة تحويل اقتصادها، قبل حلول عام 2023، إلى (اقتصاد إسلامي) خالٍ من (الظلم والربا والرأسمالية)، كما حلم به نجم الدين أربكان قبل 25 عاماً.
ما تريده تركيا بكل بساطة هو التخلص من الأغلال الاقتصادية التي كبلتها خلال المائة عام الماضية، بعد معاهدة لوزان. وترى أنه بتحررها اقتصادياً تكون قد استكملت تخلصها من الأغلال السياسية، والعسكرية، والأمنية، والصناعية، والتكنولوجية، ولسان حالها يقول: (انتهى زمن الخضوع وزمن التبعية للغرب). ويرى الأتراك أن هذه حرب استقلال ستفتح لهم آفاقاً جديدة، تجعل من بلادهم قوة عالمية.
كل هذه الأسباب، وغيرها، هي التي جعلت (لوبيات الأموال الضخمة في الداخل والخارج) تشن حربها الشعواء في المضاربة على الليرة مستهدفة منع تحرر تركيا اقتصادياً، والحيلولة دون تحولها إلى الاقتصاد الإسلامي. فالخصوم يريدون أن يظل الاقتصاد التركي مرهوناً بالغرب وقائماً على الربا، بينما تركيا تريد لاقتصادها أن يكون مبنياً على (الاستثمار، والتوظيف، والانتاج).

هجوم معاكس قلب الموازين

لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي أمام هذه الحرب الشرسة على عملتها الوطنية، فقامت بهجوم معاكس سريع وذكي وخاطف، على عدة محاور، أذهل أعداء الليرة، داخلياً وخارجياً. فقد اتخذت الحكومة عدة قرارات أعادت ثقة الأتراك في عملتهم، منها تعويض المواطنين عن فرق سعر الصرف في حال إبقاء مدخراتهم في البنوك بالليرة. وأدى ذلك، في الحال، إلى انتعاش سعر الصرف أمام الدولار. كما اتخذت الحكومة إجراءات اخرى متعددة لتعويض مواطنيها عن ارتفاع أسعار السلع، ورفعت الحد الأدنى للأجور، وخفضت الضرائب على أصحاب العمل، إضافة إلى برامج الدعم الموجودة أصلاً، بسبب كورونا.
ولقد استجاب المواطنون على الفور للخطة الحكومية لضبط أسعار الصرف، التي أعادت لهم الثقة في الليرة. وفي صبيحة اليوم التالي للإعلان اصطف الأتراك في طوابير أمام محلات الصرافة لبيع ما يملكون من دولارات وشراء الليرة. وبلغ حجم ما باعوه من دولارات، في غضون ساعات، المليار دولار. ويقول المسؤولون الأتراك إن الأمور قد عادت إلى نصابها الطبيعي بعد أشهر من بدء الحرب المفتوحة على الليرة.
رغم شراسة كل المعارك التي تم شنها ضد تركيا، إلا أن رئيسها رجب طيب أردوغان يهون من شدة المعركة الاقتصادية، ويقول بلغة الواثق المطمئن أن اقتصاد بلاده (يمر ببعض الصعوبات)، وهو يسير بخطى ثابتة وواثقة نحو 2023.
فهل يتم في ذلك العام الإعلان عن إستئناف الحياة الإسلامية في تركيا، بعد 100 عامٍ على إلغاء الخلافة العثمانية؟











طباعة
  • المشاهدات: 5940
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-01-2022 12:35 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم