حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,22 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2122

سعد الدين شاهين يعتقد بالماء خلف السد

سعد الدين شاهين يعتقد بالماء خلف السد

سعد الدين شاهين يعتقد بالماء خلف السد

08-01-2022 09:23 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - في ديوانه الخامس عشر بعنوان «أعتقد بالماء خلف السد» الصادر2021 عن دار خطوط وظلال، نجد أن الشاعر سعد الدين شاهين يعتقد بوجود الماء خلف السد.. والسد حسبما فهمته، والذي لم يصرح به الشاعر في شعره المتميز بالجمالية، والموسيقى، والفكر الملتزم بالوطن، والحضور الإعلامي، والشعبية العامة، هو الحاجز أو الجدار الطويل الذي وضعه الاحتلال الإسرائيلي على المناطق المحتلة عام 1948، وما بعدها، وذلك ليحجز أمامه خيرات فلسطين من مياه ونباتات ويحمي عالماً من المحتلين الغرباء، الذين يعيشون كالأسماك المفترسة في تلك البحار العذبة المحتجزة أمام السد.. ولكن الشاعر يرى بشفافيته المعروفة أن الماء الموجود أمام السد، هو موجود أيضاً بشكل مختلف خلف السد، وذلك يتجسد بالمقاومة الفلسطينية المستمرة لهدم الممكن منه، وتعويم المياه وتعميم الخضرة وخيرات فلسطين على جميع المواطنين بالتساوي.. إنها المقاومة التي تتواجد خلف السد، فتشق السد، وتجعل المياه حسب قوله تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» تتدفق، والحياة تُستعاد رغم السد الطويل المقام هناك، مثلما انهار سد برلين وغيره من سدود «الفصل العنصري» البغيض.

وتوضيحاً لمقدمة ديوانه، نقرأ إهداءً في الصفحة الخامسة يقول:

«إلى من آمن بي عربياً مقدسيّ المولد، وإن مات أو نُفي أو اغترب أو سُجن أو اعتُقل، أو شُرِّدَ، فسيعود إلى فلسطينه التاريخية من البحر إلى النهر وعاصمتها القدس. وهو بهذا يوضح حقيقة أنه شخصياً من مواليد القدس، وأنه متأثر بالمسيح الكنعاني عليه السلام الذي قال: «من آمن بي وحتى لو مات فسيحيا.» وهكذا هي فلسطين، فمن آمن بها وحتى لو مات فسيحيا.. وسيخلده التاريخ، مثل الكثير الكثير من المناضلين الذين استشهدوا على ثرى الوطن وهم يقاومون.

وفي ديوانه الخامس عشر هذا نقرأ قصيدة بعنوان «برج الثور ص 7 « يقول فيها:

«لي في الحروب رسالة وسديد رأي حين تنسكب الدماء ترى يديّ»

وهو يؤكد أن العربي الفلسطيني الوطني له في كل حركة مقاومة جرح يجعل الدماء تسيل على يديه، وهو بهذا يشترك مع المقاومة بأية وسيلة، حتى لو بالكلمة وهي أضعف الإيمان.. ويضيف في صفحة 8 :

«لي في السلام قصيدة أغتالها في كل داجية على أرضي بحادث سير.»

وبعكس مقولة السلام الإسرائيلي التي تعني أن السلام بمفهومهم يتحقق عندما تستسلم المقاومة في كل الأرض العربية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وقلبها فلسطين لتحقيق طموحات الحلم الصهيوني الكبير، فإن شاهين يرى أن هذا السلام المزعوم يغتاله ولو حادث سير، ومُدبِّر الحادث هنا ربما يكون إسرائيلياً محتلاً يصدم عامداً متعمداً بسيارته فلسطينياً سائراً على قدميه، كمشاركة في العدوان المستمر على الشعب العربي الفلسطيني.وقد يكون فلسطينياً ثائراً يقاوم توحش الاحتلال في شوارع المجتمع الفلسطيني.ثم يقول في نهاية القصيدة:

«فإن برجي هادئ في طبعه بين البروج أميل أحياناً إليَّ وأَكثرُ الأحيان مرتهناً ببرج الثور.»

وهو هنا يوضح أنه من برج الثور، والثور معروف بقدرته الفائقة على المصارعة، ولكنه كثيراً ما يقع تحت سنابك المصارعين الجبناء الذين يسلحهم عرابوهم بأحدث الأسلحة المذهلة، بينما لا يعطون ثور المصارعة فرصة التسلح بأية أسلحة لمواجهة عدوانهم الجبان.. يقع صاحب برج الثور فيأتي بعده ثيران مصارعة كثيرة.. إلى أن يحس العالم المُخدَّر بأمواله المتوحشة، فيدرك أن صرع الثيران بهذه الطريقة التعذيبية البشعة هو سلوك يدين الإنسانية التي تقف جلّها متفرجة على الثيران الجميلة وهي تُغتال جهاراً نهاراً في حلبات المصارعة، وهي تدعم المحتل المعتدي على الفلسطيني المسالم.

وفي قصيدته «طفلة صغرى»ص11 ، يقول:

«ويجعل من حروف الجرِّ كل جحافل الحرب التي صنع الطغاة..وأثخنوا في الناس قهراً»

نفهم هنا أن الطغاة المتوحشين اقتحموا كل وسائل الدمار، حتى أنهم جعلوا من حروف الجر وسيلة لجرّ الفلسطينين المسالمين في أرضهم ووطنهم، وأثخنوهم بالجراح والقهر، وما يتبعه من القتل المباشر.

ويُعتبر سعد الدين أوضح من وصف حنظلة - ناجي العلي، في قصيدة فريدة من نوعها، والكل يتساءل «لماذا يقف هذا الصغير ويداه خلف ظهره، وقلبه مرٌّ مرارة الحنظلة؟» فيجيبنا الشاعر الذي يعرف معاناة الفلسطيني القابض على الجمر، فيقول بعنوان؛ «حنظلة» ص13، وهو يقول:

«من أنت؟ قال:أنا الوحيد ابن الوحيد..عشيرتي تمتد من تطوان حتى الزلزلة

وتحيطني الجدران والأسوار من كل الجهات وكل من في البيت يطلب مقتله»

وهذه السطور تعطي تفسيراً لمفهوم شخصية حنظلة التي أبدعها ناجي العلي، عندما يقول الشاعر»أنا الوحيد ابن الوحيد» أي إنه يقف أمام جلاده وقاتله وحيداً بلا معين، ورغم أنّ عشيرته تمتد من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق العربي، فإن الجدران والأسوار تحيطه شخصياً من كل الجهات، وبدل أن يساعده كل من في البيت،تجد كلاً منهم يطلب مقتله.. لا شك أنه وصف مُروِّع لحالة الفلسطيني المحاصر داخل وطه من غزة وحتى رأس الناقورة، وذلك التائه خارج فلسطين، وهو يكابد مضغ رمال الصحراء ليبقى مجرد بقاء، ويتفاعل سواء كان مقاوماً أو مسالماً على حد سواء.. ويستمر شاهين في وصف شخصية حنظلة إذ يراه هو وكل فلسطيني منتمٍ إلى وطنه، وهم يسيرون في وطنهم الكبير من المحيط إلى الخليج، فيواجهون أشباحاً مهيمنة في الظلام، نصفها من القتلة.

ولقد أبدع الشاعر شاهين في هذه القصيدة ، وهو يحدد موقع حنظلة؛ إذ يقول:

«وأُحرك الفرجار نحو الجار والأبناء أُقصي بعضهم

والآخرون كما يريد الغاصبون أعدُّهم في خانة السفلة

أشكو المرارة في مذاق طعامهم وشرابهم زقوم يا ليلى.. فكيف أكون غير الحنظلة»؟

إنه يقف في مركز الفرجار ويدور من جار إلى جار، بينما الآخرون حوله يتصرفون كما يريد الغاصبون، ليكونوا في خانة السفلة، وعندما يأكل فإنه يشكو المرارة في مذاق طعامهم وشرابهم كأنه الزقوم..وهذا ما جعله حبة حنظل شديدة المرار ، لشدة مرار طعم المأكولات التي يطعمه إياها قومه الأعراب.. هذا هو حنظلة الفلسطيني بين أمته العربية التي بعضها يصمت حوله وبعضها يعذبه موظفاًنفسه لخدمة العدو واقعاً في خانة السفلة.

ويؤكد حنظلة شخصيته أنه في النهاية مركز الفرجار، وهو الذي يعطي للدوائر شكلها وأنه لا ينحني كالمنقلة. وفي هذا قمة المقاومة إذ تجد الشخصية الفلسطينية المقاومة المعذّبة هذه تشبه مركز الفرجار وهي التي تعطي للساحة شكلها ولا تنحني كالمنقلة بعكس كثير من السفلة الذين ذكرهم حنظلة. وفي نهاية القصيدة يصل الشاعر إلى قرار، متفهماً كونه رغم نذالة المتخاذلين والخونة والعملاء، لا يقف على الهامش، بل هو مركز الفرجار..هو القائد وهو المقاتل والشهيد، الذي لا ينحني، إذ يقول:

«أنا في النهاية مركز الفرجار أعطي للدوائر شكلها لا أنحني كالمنقلة»وشاهين هنا يضع حنظلة مكان نيوتن الذي قال: «أعطوني مكاناً خارج العالم وأنا أحرك لكم العالم.»

ويضيف الشاعر في هذه القصيدة المذهلة:

«والبعض قال: هو التماع السيف في يد جعفر الطيار..فلتقطع يداه..

لينتهي زمن البطولة والفدا والمرجلة

والبعض قال: إذا نجا ناجٍ ستحكي ريشة الفنان عن وطن مضاع

فأوهبوه إلى الرصاصة أو لحبل المقصلة»

وهنا نشاهد أنه يُراد للمقاوم الفلسطيني حفيد جعفر الطيار الذي كان قد أبدع في معركة مؤتة، أن تُقطع يداه ليرتاح الأنذال وينتهون من الوقوف في زمن البطولة والفدا والمرجلة.

وعندما يقول «إذا نجا ناج» فربما نفهم منها أنه إذا نجا ناجي العلي -صاحب حنظلة- من الموت، فأوهبوه رصاصة أو قودوه إلى حبل المقصلة.. هكذا أوهبوا ناجي العلي رصاصة الاستشهاد، مُدبرين للمقاومة أن تنتهي، ليسود بعدهم الجبناء والأنذال والسفلة، خدم الاحتلال، ولكن هيهات لهم أن يفرحوا بنهاية كهذه إذ إن ناجي العلي وحنظلة أيضاً لم يموتا، بل بقيا يقاومان حتى تتحرر فلسطين.ويصف شاهين في قصيدته شخصية حنظلة:

«ليّ المنازل كلها.. أمشي وقيدي من كلام ناعم ويداي خلفي إنما أنا في الحقيقة حنظلة

أنا لم أسر في النوم نحو الحرب

لكني ولدت على دوي قذيفة وصراخ أطفال وبعض الولولة»

هنا نتعرف على شخصية حنظلة ونحن نشاهده يمشي مقيداً بقيود من كلام جارحٍ ويداه خلفه، وهو يقول إنه لم يسر في حلمه نحو الحرب، أي أنه إنسان مسالم، لم يسع إلى حرب، ولكنه ولد على دوي قذيفة وصراخ أطفال وبعض الولولة، فكيف يبقى مسالماً غير مهتم بما يجري حوله بينما القذائف والصراخ والولولة تحيط به من كل جانب؟

وبهذه القصيدة الفريدة من نوعها والمتميزة في حروفها التي وصفت حنظلة بأدق وصف نتعرف على هذه الشخصية العربية الفلسطينية المقاومة من حيث ظروفها ومعاناتها والمحاصرة والارباك الذي تعيشه...وفي قصيدته «كرسي ومنصب»ص19، يقول الشاعر:

«هو الآن يعطي لسيده نزوة الامتلاك على أيكة من آراك

ستنخره أرَضَةٌ ذات عمرٍ، وتودي به للهلاك..

فاستعذ بالذي أوهبك المجد.. إذا ما بهذا المقعد الوارف أضفى وابتلاك»

هو يرى أن الحاكم المتجبر بشعبه، سيواجه أرَضَةً تنخر جسده وكرسي حكمه، وتودي به للهلاك، فالأفضل له أن يستعيذ بالذي أوهبه المجد، لأنه لم يشأ له النعيم بهذا المقعد الوارف الذي ابتلاه.

وفي قصيدة لشاهين بعنوان؛ «لا أمنيات لهذا الصباح» ص28 يوضح تأثر الفلسطيني بوعود المتزعمين الكبار لقضيته وأدعية الدراويش المرتجفة قلوبهم غشاً وخديعة، فيقول:

«براميل أحلامنا امتلأت بوعود الكبار وأدعية الراجفين..وأكداس أحلامنا النازفة

لم أنم حين نام الجميع.. كأني الموكل فيما يرى النائمون

لأن القتيل إذا نام أيقظ كل جراحاتنا النازفة» هو يرى أن الحالمين ينامون بينما هو لا ينام وكأنه هو الموكّل بما يرى النائمون..هو ساهر..يشعر بعذابات المعذَبين.هو شاعر صادق يشعر بشعورهم.

وفي قصيدته بعنوان»سبعون شباكاً لبيتي» ص30 يقول:

«إذا سقط الشهيد على مداخل بلداتنا القديمة.. تحنت بالتراب ولونته خضابا» والآن فقط فهمت لماذا هو تراب فلسطين أحمر اللون قانياً، ذلك لأنه مخضب بدماء أرض الرباط.

«رفعوا جداراً عازلاً لم يسألوا برلين كيف غدا جدار واهم فيها ترابا.» وما يؤكد أن الماء ينقع خلف السد هو انهيار سور برلين..الذي سيكون أمثولة لانهيار الجدار الإسرائيلي الملفوف حول عنق فلسطين...ووجدوا أن وعد بلفور لم يحقق حلمهم بجعل الشعب ينحني إذ أنهم على كثبان غزة حققوا الاعجابا. لقوله:

«يا صاحب الوعد الذي صفع الوجوه بوعده.. إن حلمك بانحناء الشعب خابا.»

قصائد كثيرة في هذا الديوان تؤكد شدة انتماء سعد الدين شاهين لوطنه فلسطين كل فلسطين، من البحر إلى النهر، فيصور الأعداء وخدمهم من الأنذال المستعربين وهم يريدوننا مطايا ويؤدون للمحتل عطايا ويزيلون عن أجسادهم المتعفنة خطايا..وإذا ما راودوا شمساً أرادوها خطيفة، وإذا ما جاء سيدهم كضيف مدّ رجليه في بيتنا وأهدانا من بيتنا حجراً على الرصيف..تباً للرصيف..نريد بيتنا كله كاملاً مكملاً مع تعويضات عن مآسينا التي لا يستطيعون تعويضها. ديوان سعد الدين هذا يعتبر عنواناً للمقاومة وشرحا للسيرة الذاتية الفلسطينية. فتحية للشاعر المجيد.











طباعة
  • المشاهدات: 2122

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم