08-01-2022 10:38 AM
بقلم : د. رياض خليف الشديفات
كلمة السياسة جاءت من المصدر ساس يسوس: بمعنى دبر ويدبر ، وهي تعني تدبير شؤون المجتمع وفق ما يحقق مصالحه ، ويحفظ أمنه واستقراره ، ويلبي تطالعاته وطموحاته بصورة يقبل بها أفراده ، ويقال عن السياسة: أنها فن الممكن ، والتعامل مع المتغيرات وفق معطياتها .
وتنطلق السياسة من منطلق المصالح ، لكن الإشكالية حين تصطدم مع المبادئ ، هل تقدم المبادئ على المصالح أم تقدم المصالح على المبادئ؟ وهذه إشكالية كبيرة في الواقع المعاصر ، فأصحاب المصالح والفلسفة النفعية " الميكيافلية " يقدمون المصالح على المبادئ على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة ، وغالب الأحزاب والنظم تسير حسب هذا الاتجاه ، ولهذا تجد العلاقات الإنسانية ، والمشاعر تغيب في الصراعات بين القوى عندما تتعارض مع مصالحهم ، وغالب العلاقات الدولية من هذا القبيل .
أما أصحاب العقائد فهم يتعاملون مع السياسة وفق المبادئ والقيم ، فإذا تعارضت السياسة مع القيم ، يقدمون المبادئ على المصالح ، وهنا تظهر المفارقة عند بعضهم حين يقدم المصلحة على المبدأ ، فيحدث التناقض ، وحقيقة الأمر في عالم السياسة في العالم المعاصر أنها تخضع لمعايير المصلحة على القيم ، وغالبا ما يكون السياسي أشبه ما ممثلاً بارعاً يحسن تمثيل الأدوار بصورة متقنة ، فتراه مرة مثال الإنسانية ، ومرة قد يظهر في صورة الذئب الذي لا يعرف الرحمة والإنسانية .
ونحن في عالمنا المعاصر نعيش بين هذين النموذجين من المواقف التي تدعو للحيرة ، لكن عالم السياسة بكل صراحة عالم مليء بالخداع ، وتقلب المواقف ، فما كان بالأمس حليفاً يمكن أن يعتمد عليه ،فسرعان ما تتغير حساباته وفق حسابات الربح والخسارة ، فلا عدو دائم في عالم المصالح ، ولا صديق دائم في حساباتها ، ولا مكان فيه لمنظومة القيم إلا بمقدار ما تجلب له هذه القيم من منافع ، وهذا ما نراه من سياسات تطبق في مختلف ميادين الحياة ، فالمساعدات الإنسانية لها دوافع ، وما يسمى بالمنح ، أو الهبات إنما تكون مشروطة مقابل تنازلات أو مقابل مواقف حتى لو تعارضت مع القيم وفلسفة المجتمع ، وهذا ما يفسر السياسة النفعية في العلاقات بين الدول والأفراد في هذا الزمن .
وهذا المنطق يفسر فشل الكثير من الأحزاب في الخروج بسياسات ناجحة قادرة على الجمع بين المصالح والمبادئ ، لأن الجمع بينهما يوقع تلك الأحزاب بالتناقض والحرج ، وكيف يجمع بين الشيء ونقيضه ؟ وهل تستطيع هذه الأحزاب إدارة الحياة بطريقة مدنية مع وجود كل هذه المتناقضات ؟ إن الجمع بين المتناقضات في عالم شديد التعقيد في تشابك المصالح ، وفي تعدد المرجعيات ، وكثرة الاتفاقيات يبعث على القول إن عالم السياسة يصعب الجمع بينه وبين عالم القيم والمبادئ