حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,22 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3121

الرجل في رواية «الحب في زمن العولمة»

الرجل في رواية «الحب في زمن العولمة»

الرجل في رواية «الحب في زمن العولمة»

20-01-2022 10:59 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - ترتكز الدراسات الأدبية والنقدية والفكرية والاجتماعية في الحديث عن المرأة على وجه الخصوص، من جوانب ومنطلقات عدة؛ داخلية تتعلق بسيكولوجية المرأة وماهية وجودها، واجتماعية تتعلق بعلاقاتها مع الآخرين، أو حتى مع ذاتها، وما تتعرض لها من تعاملات سلبية أو إيجابية. إلا أننا في هذه الدراسة، سنسلط الضوء على صورة الرجل في الثقافة العربية، وخاصة في رواية صبحي فحماوي: «الحب في زمن العولمة» فيما يتعلق بجوانبَ مختلفة سيتم التركيز عليها. لقد طوّرت لنا هذه الرواية شخصيات مختلفة متباينة في مبادئها، أو خاسرة لهذه المبادئ، مقابل تحقيق مصلحة كل شخص من شخوص الرواية. حيث يصور لنا فحماوي «سائد الشواوي» الشخصية المحورية في الرواية، الذي يمثل رأس المال المتوحش الساعي إلى القفز من الفقر إلى الثراء بأية وسيلة ممكنة، وبكافة الطرق غير المشروعة التي مارسها في حياته؛ لكسب المزيد من الثروة، فلقد ضحى بكل المبادئ وقيم المجتمع، وصار مثل وحش يأكل الأخضر واليابس، وينغمس في الملذات، حتى وجد نفسه ضحية هذا الزمن الذي صار هو نفسه كان رمزاً له،فأُصيب بمرض الإيدز،الذي كان نهاية متوقعة لهذه الشخصية التي كانت تفكر بسذاجة، وتخلف في بعض الأحيان بعيداً عن الأعمال، فكان تأثير رأس المال معاكساً،ليس فقط أخلاقياً بل نجده يجنحُ إلى الهلوسة، وهو يقول: «وأحياناً أشاهد تمثالاً واحداً لا يلبث أن ينفصل ويتشظى إلى عدة نسخ، كل نسخة تتعامل معي بطريقة مختلفة، وتناقشني بوجهة نظر مختلفة، فأرى في هذا التمثال، كل شخصيات المدينة».
ونتيجة لهذه الغطرسة والفساد انتهى به الأمر ليقع ضحية مرض الإيدز الذي انقض عليه وتركه صريع مرض نقص المناعة المكتسبة، ليحوله إلى جثة هامدة يفقد السيطرة عليها، بعدما كان سائد يصول ويجول ويتجاوز القوانين ويجيرها لمصلحته. لم تنقذه مدينة العولمة رغم كل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، بل على العكس تماماً، تحول إلى مرض وكدر وخوف.

قدم الروائي فحماوي سائد الشواوي كنموذج في مدينة العولمة، لم تحمِه هذه المدينة من مرض اجتاح جسده، فتحول الموضوع إلى سخرية حقيقية، إذ كيف لا ينقذه المال والطب المتطور والأجهزة الحديثة والخبرات الطبية، وهذا السؤال يحيلنا إلى سؤال أكبر:كيف تنهض المدن وتكبر؟ هل يكفي المال وحده، أم يجب أن يكون التطور على مستوى العلم والثقافة وترسيخ المبادئ الوجهة الأولى لهذه العملية؟
وإذا كان سائد الشواوي رمزا للجشع والطمع،فقد ظهرت مقابلها شخصية «مهران»الشخصية التي تتمتعُ بقيم ومبادئ وسلوكيات سوية وإنسانية، حيثُ ظهرت شخصية مهران من خلال مهنته كمدرس لابنة الشواوي ثريا، التي كانت بدورها تتماشى مع أفكار مهران وشخصيته العصامية والإنسانية الطيبة والحكيمة، فكان عند مهران وجهات نظر مختلفة عن العالم الرأسمالي الذي يُنهك الأفراد ويجعلهم عبيداً له.
إن شخصية مهران لم تتوقف عند حد التدريس فقط، بل كان يملك ثقافةً واسعة وفكراً نيرًا، وهو يمثل في الرواية الجانب المضيء والإنساني، في خضم هذا المجتمع الذي يسحق كل من عاكس اتجاهه، إلا الذي يتسلح بالمبادئ والأخلاق والمعرفة والثقافة.. ولكن مهران نوع مختلف من الرجال،إنه يفكر بعقله لمصلحة الوطن، بينما هو لا يملك أكثر من مصروف جيبه».
الحاج أبو سائد الشواوي الذي لم يستسلم لعجزه الجنسي، فكان يريد أن يستمتع لآخر نفس من حياته بالجنس وبأية طريقة كانت، فهذا الرجل تحكمه الغريزة والشهوة والنساء، فقد قدّم له ضابط شرطة التحقيق خدمة مذهلة بأن أعطاه مهمة التحقيق مع النساء اللواتي يواجهن مشاكل جنسية مع السفلة من الرجال، إذ تأتي المرأة إلى مركز الشرطة، فيتم تحويلها إلى الحاج أبو سائد الشواوي، الذي يبدأ التحقيق الاجتماعي معها، فيتحسس جسدها ويسألها أسئلة جنسية بحتة:
«هل كنت تحتضنيه وتطوقين عنقه وهو ي...؟»
«هل كانت شفاهك ساخنة بين شفتيه!»
وبهذا كان الحاج أبو سائد يفرغ شحناته الجنسية وغريزته بطريقته البغيضة المشروعة بنظره ونظر أبو سعفان، مدير دائرة الشرطة، الذي يكرم الحاج أبو سائد كلما تضايق مادياً، تجده يفرد له غرفة فوق مبنى الشرطة ليخلو بالنساء المشتكيات من تهمة تحرش أو اعتداء جنسي.
هذه المصالح المتبادلة ، كانت ضحيتها هذه النساء، فكان شعار الحاج أبو سائد الشواوي: «المرأة التي تعرف ثمنها، اشتريها.»
بهذه الشعارات المبتذلة وتعالق المصالح المادية والجنسية بين الساقطين من الرجال، تقع الضحايا من بعض النساء المتعثرات اجتماعياً تحت سطوتهم فينتج مجتمع رأسمالي غير سوي يقوده أشخاص غير أسوياء.
وانتقالاً إلى شخصية «محمود التكفاوي» الرجل النزيه الذي استلم رئاسة البلدية، بعدما نجح بدل الرئيس السابق «أبوريان «فقرر محمود التكفاوي أن يكون نقياً ومختلفاً عن سابقه، إذ قال:
«نريد أن نفتح كل الشبابيك للشمس، ليدخل هواء جديد للبلدية».. نجده قد اكتشف فيما اكتشف، أن سائد الشواوي كان يلعب بالبلدية يميناً ويساراً، وكان يقبض رُشىً من أصحاب الأراضي، وممارسات كثيرة انتهت به إلى قرار عزله من الوظيفة بقرار أعضاء المجلس.. «هيك، خلعنا السن، وخلعنا وجعه!» ولكن هذا السن كان له جذر شرير نبت في مكان آخر.
لقد رفض محمود التكفاوي الشروط التي فرضتها عليهم منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي،منها معالجة المديونية التي ترزح البلاد تحتها، وهم يهدفون للقضاء التام على كل الضرائب الجمركية، التي تحد من التجارة بين الدول، وهم مطالبون أيضاً ببيع مصادر المياه والكهرباء والخطوط الجوية والنقل العام إلى شركات أجنبية «وتمويها أسموها (شريك استراتيجي) على اعتبار أنهم إذا كتبوا كلمة (استراتيجي) فإن الجميع سيسكت، لأنهم لا يتدخلون في القضايا الإستراتيجية التي تفرضها سياسة الدولة». وقد قدم محمود التكفاوي استقالته بناءً على رفضه آخر قرار في المجلس لتغيير اسم المدينة من مدينة البطين إلى مدينة العولمة.
بهذا نرى أن النموذج النزيه في شخصية محمود التكفاوي وقد رفض الكثير من الإجراءات التي انهالت عليهم بحكم وقوع المدينة تحت سيطرة العولمة ففضل الاستقالة على أن يخوض في قرارات تؤذي مدينته وأهلها. وهذا على عكس الرئيس الذي استلم فيما بعد «حسان جعفر» الذي قال بأنه يؤيد العولمة:
«يا جماعة، لو وافقنا أو عارضنا،فالظروف مهيأة للرضوخ لتعليمات البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية فعلينا أن نوافق لنعيش أفضل من أن نعارض،فتغلق الأبواب العالمية في وجوهنا».
نموذجٌ نزيهٌ آخر يتمثل بـ»زاهد أرملة» الذي أعلن عن رفضه عندما قدم المستشار الخطة الاقتصادية،فاعترض عليها أرملة بكل روح وطنية عالية،لأنه لا يريد أن تتضرر بلاده بمخلفات المصانع الأجنبية.بينما يقف مستشار الشواوي؛ رالف وود في الاجتماع ويقول:»إن التلوث البيئي قد خلق صناعة وتجارة رابحة، ونحن لا نستطيع أن نخلق الكون، وأنا غير مسؤول عن البيئة، فإذا كانت غرامة دفن نفايات نووية أجنبية في بلدي مليون دولار، وكان ربحها عشرة ملايين دولار، فأنا لا أتردد في دفع الغرامة، والحصول على فائض ربحي كبير..أدفعها وأنا مرتاح...».
وهنا تدخل المحامي زاهد أرملة قائلاً:
«لو سمحت يا سيد رالف! أنا أرفض هذا المنهج، وأنا لو ربحت مليار دولار،فلن أسمح لدولة أجنبية برمي نفاياتها النووية في أرض وطني».
يعترض سائد الشواوي على زاهد أرملة بقوله: «ما هذه الخطبة العصماء يا أرملة،لو كنت غير أرملة، فماذا ستفعل؟على أية حال أسلوبك هذا لا يعجبني».
يعترض أرملة على كلام رئيسه، إذ أن مبادئه وأخلاقه لا تسمح له بقبول كلام رالف وود قائلاً: «أسلوب هذا الوود لن يمر»!.
وأنا أُسجل للمحامي زاهد أرملة موقفه في هذه الرواية كشخصية نزيهة لاتقبل المساومة على الوطن، حتى لو كلفه هذا خسارة وظيفته..
وقليل من هم كذلك. ولا يخلو الأمر طبعاً من تورط بعض المسؤولين في عملية بيع اللحوم المجمدة على أنها طازجة، وهذه مخالفة قانونية يُعاقب عليها القانون، لكن حين وصل الأمر إلى الحاج توفيق الرفاوي الذي بادره سائد الشواوي قائلا: «لا أريد أن أسمع القانون! أريد حلاً للمشكلة! وأنت تعرف يا معالي الوزير، متراخياً،وباسماً ابتسامة رمادية قائلاً:»أنت على عيني، وعلى رأسي يا (أبوسفيان) الحل...! لا بد أن يكون هناك حل،دعني أفكر».
ورغم هذه التجاوزات التي حُلّت بها مشكلة اللحوم المجمدة،يظهر المحاسب منذر شلبح، ويعترض على هذا التصرغير القانوني للنجار، فيقول له النجار:
«نريد أن نعيش يا محاسب! فاعترض المحاسب منذر قائلاً:
ولكنك تعيش، وتقدم الموت للناس.» فرد النجار:
المهم أننا نعيش وخلاص.فكر بنفسك أولاً يا محاسب..حاسب يا محاسب.!».
وقد حُلَّت مشكلة منذر من قبل الحاج توفيق عندما وصل إليه اعتراضه فقال لمساعده: «دبر الموضوع بطريقتك،..لاطف هذا المنذر زفت..عده بترقية، وإذا رفض،فسنكون له بالمرصاد»ص188.
وبهذا تقع الضحايا ليس فقط ببضاعة مستوردة ولا ببضائع فاسدة، بل بأشخاص نزيهين يقعون ضحية المسؤول الفاسد، والمصالح المادية غير النظيفة.
نأتي إلى شخصية «سفيان» ابن سائد الشواوي المشغول بشراء سيارة سباق الرالي الفارهة، رغم مرض أبيه الذي يُعاني على فراش الموت..»كان سفيان يقول للميكانيكي (أبو مطلق): إذا ركّبنا للسيارة عوادم دخان إضافية، ذات فتحات واسعة يا أبو مطلق، فهل تزيد سرعتها؟ أريد برميلاً خاصاً لعادم السيارة، يحقن البنزين، فتنطلق السيارة بسرعة أكبر».
«وأمام فندق النجوم المتلألئة، تجمّع حشد من الشباب والشابات حول سفيان وسيارته الصفراء، صغيرة الحجم، قوية العزم، وهم يتضاحكون مع صويحباتهم، هذا يحمسه، وذاك يشجعه، وتلك تحتضنه من وسطه، وتضم وجهه إلى وجهها، وتلك تضربه على مؤخرته!».
سفيان الشاب المستهتر الذي لا يهمه سوى سباقات الرالي وأصحابه وصويحباتهم، ينعدم فيه حس المسؤولية الإنسانية تجاه أبيه المريض في انتظار الموت ،مما يُحيلنا إلى طريقة التربية التي نشأ عليها بحيث أن مرض أبيه لا يستدر تعاطفه،إلى درجة البلادة وعدم الإحساس، بعكس أخته ثريا التي كانت حريصة ومتفاعلة ومتأثرة بمرض والدها،فالوالد يبقى والد، رغم طريقة حياته المتورطة بالفساد.
لقد قدم الروائي صبحي فحماوي في روايته «الحب في زمن العولمة» نماذجه كمعادل موضوعي للعالم الذي نعيشه بكل تناقضاته وتوحشه وتغوله، وكان الرجل هو الأبرز في مدينة العولمة، فمنهم من ثبت على مبادئه وخسر مقابلها شيئاً مادياً، ومنهم من فضّل أن يعيش ويقتات..لا عين رأت، ولا أذن سمعت.. وبهذا فقد شكّلت الرواية نقطةً فارقة في محور الرؤيا تجاه الرجل.











طباعة
  • المشاهدات: 3121

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم