22-01-2022 09:49 AM
سرايا - صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، كتاب بعنوان “غزة أرض القصيدة أنطولوجيا شعرية”، وقام على اختيار هذه القصائد الشاعر والروائي الغزي محمد تيسير.
ويحتوي الكتاب على قصائد لشاعرات وشعراء من غزة وهم: “أمل أبو قمر، منى المصدر، أدهم العقاد، مروة عطية، هاشم شلولة، محمد تيسير، فاطمة أحمد، هبة صبري، روان حسين، محمد شقفة، أحمد السوق، يسرى السحار، إيلينا أحمد، ضحى الكحلوت، بسمان الديراوي ومحمد عوض”.
يصف مقدم الكتاب الشاعر محمد تيسير بحوار يدور بين أستاذ اللغة العربية في إحدى مدارس غزة، وطالب داخل الصف حول الشعر والأغاني ودورهما في رفع معنويات الشعب الفلسطيني في محاربة الاحتلال. يقول “في يوم من أيام حزيران في إحدى المدارس بدأت الشمس بالدخول للصغير في غرفة الفصل متعبة غارقة في عرقها كفلاحة في ظهيرة حصاد، وحين ضربت الأستاذ على رأسه بعصا دقيقة؛ كان قد أخبر الطلاب أنه قد اقتطعها من شجرة ليمون في بيته، اختبأت الشمس تاركة الصغير وحده في مجابهة العصا والسؤال: وأنت أيها الشارد في ملكوت الرحمن، ما قولك فيما نقول؟ علينا أن نتعلم كيف نغني، وكيف يكتب الشعر يا أستاذ.
لقد كان الحديث في الفصل دائرا حول ضرورة النجاح في الدراسة حتى لا يموت الإنسان بجوعه، وكي نستطيع العودة إلى فلسطين، حين جاءت إجابة الصغير واثقة خفيفة: علينا يا أستاذ أن نتعلم الغناء والشعر.
وقف الأستاذ أمام الصف يشتاظ غضبا وقد صبغ الحنق وجهه بلون أحمر داكن، وقد شعر بإهانة هائلة من ذلك المسخ الصغير، لوى عصاه بين يديه ولعق شفته العلوية الجافة، ثم جاءت الفكرة، أن يحول الصغير إلى نكتة:
إذن، أيها الغبي. أنت تقول أن نأكل الشعر ونحارب بالأغنية.
اهتاج الصف ضاحكا، وقد استغل طلاب المقاعد الخلفية ذلك الهياج بأن بدأوا برمي أقلامهم مكسورة الرأس على الصغير دون أن يعرفوا القصة، وقال أحد الطلاب المهندمين من سكان السطر الأول:
اليوم ستعد لنا أمي بعض الأرز على مرقدة قصائد، ثم سنذهب إلى الحدود لنغني للجنود: بلادي بلادي بلادي. لك حبي وفؤادي، أقصد وشعري.
لم يكن الكثير من الطلاب في الفصل يعرفون ما هي المرقة فلم يضحك أحدا.
وقف الصغير، وكان صوت احتكاك ركبتيه، ببعضهما بعضا من خلال بنطال الجنيز المرقع يكاد يكون مسموعا للعالم أجمع، نظر حوله، ثم ثبت عينيه المرتجفتين بالدمع في عين الأستاذ الجاحظة:
أنا لم أقل نحارب الأغاني، قلت نحارب ونحن نغني، أما الشعر، فلا أعلم كيف تدرسنا اللغة العربية يا أستاذ ولم يمر عليك أن القصيدة الجيدة تسد رمق الفلسطينيين.
لم يشعر الأستاذ بنفسه كيف تصاغر إلى هذه الدرجة على يد هذا المسخ الضئيل، ودفعه صمت الطلاب وترقبهم للقادم إلى أن ينهال على الصغير بعصاه دون أن ينظر إلى ضرباته أين تقع، ثم جذبه من قميصه البالي ورماه خارج الفصل، كل ذلك حدث ولم ينزل الصغير عينيه الصغيرتين عن عين الأستاذ، ويقال إن ذلك المدرس لم يجرؤ بعد تلك الحادثة قط أن ينظر في عيني ذلك الصغير”.
يتابع تيسير حديثه عن الطفل الذي كتب أول قصيدة له يصفها بأنه كتبها بـ”الدم والبكاء” وبعد أن اهتدى إلى شجرة سرو عملاقة في ساحة المدرسة، لم يستطع أن يسند ظهره المهشم إلى جذعها الملتهب تحت سماء الصيف العارية، أخرج من جيبه دفترا رقيقا له قلم وردي صغير ومفتاح أيضا، كان ذلك الدفتر لأخته التي أعطته إياه بعد أن فقد مفتاحه، وفيه كتب: “لو كانت عظامي أكثر وهنا، لما استطعت أن أصل إلى أي مكان، ولما استطعت أن أمسك قلما، لكنت بقيت متفرجا صامتا شاهدا على أخطاء الخلق وسوء تكوين الاحتمالات، ولكنت ظللت في عناق الريح الأزلي، ذلك الدليل الحقيقي من الطرق”.
يواصل تيسير حديثه عن ذلك الطفل الذي يقرر أن يصبح شاعرا “لقد عرفت اليوم لمن سأهب روحي في حياتي هذه سأكون شاعرا فلسطينيا، يا لها من نعمة أن تكون فلسطينيا شاعرا، وعلى حياة أخرى تكفي لأستريح في جسد هندي أحمر، أو فلاح كردي فوق جبال زاغروس. لقد كتبت اليوم قصيدتي الأولى، أو لأكون أكثر صدقا، أمليتها على الأستاذ عمر فكتبها على جلدي بعصاه، تفوح من جلدي رائحة ليمون غريبة، ولكني أشعر بانتشاء غامض”.
ويشير الى أن “القصيدة الجيدة لا تحتاج الى موهبة، بل إلى الكثير من الألم والفلسفة، حينما أعود إلى بيت لن أخبر أحدا بشأن القصيدة على جلدي، ولن أتكوم في زاوية البيت، لقد كتبت اليوم أولى قصائدي وصرت شاعرا حقيقيا، إذن فعلي الآن أن أذهب الى الشارع مع أبناء المخيم وبناته، وسنركض، وسنذهب في رحلات اصطياد النحل، وسنعبئ النمل في زجاجات بعد أن نفرغ بقاياها في بطوننا المتصلبة، ولن أحزن على القطط التي يربطها أولاد المخيم في إطارات الدراجات الهوائية، بل سأبحث معهم عن قطة إطار لم يقطع ذيلها بعد. بكل ما في المخيم هو للمخيم فقط”.
ويخلص الطفل الى القول “كما أن القصيدة التي تكتب في الدفء مشكوك في أمرها، وإن على شعراء فلسطين مقاساة جميع أنواع البرد والجوع والقسوة، ليعرفوا كيف أن القصيدة الجيدة تدفئ وتشبع وترقق القلب المهجر، ثم سنغني معا أغاني جورج قرمز، ونضحك”.
الناقد صبحي حديدي كتب كلمة على غلاف بعنوان “قصيدة غزة الطروادية”، يقول فيها إن رحيل محمود درويش ترك في نفسه أكثر من غصة، شخصية ذاتية وعامة جمعية، قيض لي حسن الطالع أن أقف على بعضها، اللافت جداً والغريب بعض الشيء والفاتن غالباً. إحداها كانت توقه العارم إلى قراءة قصائد شعراء طروادة تحت الحصار، التي لم يحفظها لنا التاريخ للأسف، ولم يجد هوميروس الكثير من الباعث كي يجترحها بنفسه.
هذه نصوص تفلح، ببراعة مدهشة وأنفة منتظرة واقتدار فني أكثر إدهاشاً، في تفادي التعبير عن الحصار بطرائق مباشرة أو تقريرية أو تقليدية؛ وليس هذا الخيار يسيراً في ضوء ما نعلم عن شرط الحياة اليومية في القطاع الفريد، داخله وخارجه، على أصعدة شتى لا تغيب عنها سلسلة الرقابات والقيود والمعوقات. ولهذا فإن ما تعكسه القصائد من مؤشرات الجسارة، وهي مؤشرات وجود بشري حيوي ومقاومة تعددية مستدامة في آن، لا تبدأ من غلبة قصيدة النثر على شكل الكتابة، أو انكباب المواضيع على تصعيد تفاصيل هامشية وذاتية و”قطاعية” بامتياز إذا جاز القول، تقارب الملحمي على نحو إعجازي رغم أنها لا تتقصد البطولي؛ ولا تنتهي عند ذلك التناغم الجدلي المفاجئ، وربما المباغت، بين أصوات ذوات شاعرة مؤنثة ونظائرها لدى ذوات شاعرة مذكرة.
“ولو كان درويش بيننا اليوم، فلست البتة أتردد في القول إنه سيرحب، بالاغتباط الأدفأ، بهذه المجموعة من القصائد؛ ليس على سبيل التعويض الطروادي، بل على الأرجح من باب المباهاة الجمالية والوطنية بشعر يكسر الحصار الهمجي عن طريق الارتقاء بتعبيراته إلى مصاف كونية!”.
أما بطاقة التعريف بالشعراء والشاعرات المشاركين في هذا الكتاب فهم؛ محمد تيسير شاعر وروائي وناقد من غزة يعمل في مجال نشر الأبحاث العلمية، أمل أبو قمر حاصلة على بكالوريوس لغة العربية، معلمة في مجال التربية الخاصة، منى المصدر كاتبة وشاعرة حاصلة على شهادة بكالوريوس في أدب اللغة الإنجليزية من جامعة الأقصى في غزة، وتعمل مترجمة وتكتب المقالات باللغتين العربية والإنجليزية، وأصدرت مجموعتين شعريتين هما “أعد خطاي”، “لأنني اخشى الذاكرة” ومجموعة نصوص “توقيت”، أدهم العقاد شاعر من خان يونس، يقيم في رام الله مساعد قانوني، يكتب القصة القصيرة، مروة عطية، شاعرة من مخيم النصرات، حاصلة على بكالوريوس في الكيمياء الحيوية من الجامعة الإسلامية في غزة وتواصل الدراسات العليا في بودابست، هاشم شلولة، حاصل على بكالوريوس لغة غربية، يكتب قصيدة النثر، وصدر له مجموعات، هبة صبري، شاعرة من دير البلح، حاصلة على بكالوريوس في التحاليل الطبية من جامعة الأقصى غزة، روان حسين، خريجة آداب اللغة الإنجليزية، من رفح، محمد شقفة، يعرف نفسه “جئت باحثا عن حقي في الحياة في العام 1992 يقول في وطن الجميع وطن القضية التي لا تموت فلسطين، يحيط بي سلام مغلف بالحرب وحب يغلفه نسيان، أكتب لكي أشاهد نفسي أمشي على ورقي بين غابات غربتي في المهجر أكتب لأحيا”.
أحمد السوق، الذي ولد في غزة يقول إنه كان شاعرا ثم أدمن التحليق، له العديد من القصائد والنصوص النثرية والتدوينات على المواقع الإلكترونية وهو يؤمن بأن للقصائد أجنحة كما للعصافير وتتجلى رغبته في الكتابة حتى لا ينسى، يسرى السحار، هي شاعرة من مخيم جباليا حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية من جامعة الأزهر، وتقول عن نفسها “أنثى بعمر المجاز، تمشط أحلامها داخل درج مخبأ به جواز سفر، مزاجها لئيم في احتساء نصوصها الملهمة، وثمة حلم يرفرف في روحها دوما، وانتظار قيامة تحييها”.
أما إيلينا أحمد، فتعرف نفسها بـ”كائن فوضوي يعيد ترتيب نفسه رغم الفراغات الكثيرة بدأ من الخيبة واتخذه له من الشعر عجبا فصار شاعرا”، ضحى الكحلوت، من قرية نعليا المحتلة، خريجة لغة العربية وحاصلة على دبلوم التأهيل التربوي، معلمة لغة عربية صدر لها مجموعة شعرية بعنوان (أشباه)، بسمان الديراوي كاتب وشاعر من غزة يكتب الشعر باللغتين العربية والإنجليزية، ويقول عن نفسه إنه لا يعرف بالتحديد لم الكتابة لكنها تشعره بشيء من الحرية والراحة، محمد عوض يعرف نفسه بأنه من فلسطين المنفى، ووسام الطويل كاتبة تعيش في مخيم يبنا جنوب قطاع غزة.