حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2007

المشرق العربي وعيشه المشترك

المشرق العربي وعيشه المشترك

المشرق العربي وعيشه المشترك

24-01-2022 11:07 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمد يونس العبادي
لطالما مثلّ المشرق العربي، وأقطاره، ومجتمعه، وإنسانه، أنموذجاً للعيش المشترك، وقبل أن يأتي الزمان الأخير، ويحاول أن ينهش بتركيبته، وخلاصات مجتمعه التاريخية، والتي نحتت على مدار ألوف السنين، إذ كانت منظقتنا مهداً للأديان السماوية، وحملت إلى العالم رسالة الدين، كمنظومةٍ وقيمٍ ووحدانيةٍ.
وكثيرة هي النماذج، والفترات التاريخية، التي تشرح هذه المظاهر، حتى أن تأمل التاريخ في منطقتنا، ومشرقنا العربي، بمفهومه الجغرفي، يُظهر بأن العبث بهذا العيش وبين طوائفه أو أديانه كان مرحلة شاذة، لم يستسغها حتى المؤرخين ووصفوها باللحظات المضطربة، لتناقضها مع مفاهيم وثقافة المشرق العربي.
وبين هذه النماذج، لربما ما تكشفه نظرة سريعة على الوثائق العثمانية، إذ تشير إلى أن المشرق العربي حظي بأزمانٍ من ثقافة عيش مشترك وقبل أن تتسلل إلى النمطقة يد الغرب أو بعض مؤسساته العابثة، بالإضافة إلى الأفكار التي سعت لتمزيقه.
فالفسيفساء التي تحاول بعض الدوائر الغربية تسويقها عن المنطقة، والشروحات على الوثائق والتغييرات على النصوص التي تحاول خلق انطباع يوحي أن المشرق العربي مقسمٌ إلى طوائف وأديان تسقط أمام تواجد أصحاب الأديان الثلاثة بالمشرق، الذي هو بالأصل منبعها.
وبعض المستشرقين أسسوا مدرسة حاولت تصوير "المشرق" على أنه بعض من "فسيفساء" وكانتوناتٍ لم تتعايش وتتآلف يوماً مع بعضها، مما أسهم بتغذية عوامل ما زالت لليوم فاعلة بتمزيق مجتمعات العيش المشترك.
والحواضر العربية سواء في بغداد أم دمشق أم القاهرة، علاوة على مسيحييها الأصلاء احتضنت حاراتٍ لليهود، أي أن نماذج العيش قدمتها مدن المشرق قبل أن تأتي اليوم الطروحات من الغرب لتقص على مسامعنا شيئاً من أدبياتها.
ومثالاً على ذلك مدينة القدس، التي يحاول "اليمين الأمريكي" سلبها هويتها كمدينةٍ جامعةٍ ألفت عبر مئات السنين المسلم والمسيحي واليهودي.
فوثيقة واحدة، فضلاً عن عشرات الحجج العثمانية، تظهر بجلاٍ كيف تعايش أصحاب الديانات الثلاث في الحاضرة لسنين.
إذ تشير وثيقة كشف عنها المرحوم كامل العسلي، وتعود لعام 1606 أن عدد غير المسلمين في المدينة من غير المسلمين وصل إلى 154 شخصاً (وهم من دافعي الجزية).
وهذا العدد كبير في حال أدركنا أن عدد سكان المدينة لم يتجاوز الـ 8 الاف ، بينما لم يحتسب في هذه الوثيقة سوى من دفع الجزية غير أطفالهم ونسائهم.
وتقول الوثيقة أن عدد أن عدد دافعي الجزية من المسيحيين حوالي ٩٤شخصاً مقسمين حسب الطوائف ٦٨روم ارتوذكس و١٤سريان و١٢قبط، وعدد اليهود ٦٠شخصاً.
هذه واحدة من وثائق تروي الوجود الذي يحاول اليوم اليمين الأمريكي والإسرائيلي تبديله بمشاريع تفريغٍ للمدينة تقدم أنموذجاً مغايراً لما ساد المشرق وحواضره من مئات السنين.
إن العيش المشترك الذي قدمه المشرق وحوضره وإنسانه إرثٍ غنيٍ له أدبياته، وعلينا أن نحاجج هذا التيار اليميني ونشرح للعالم كيف قدمت المجتمعات العربية، التي على معاناتها إلا أن ذاكرتها قوية، قدمت أسلوب الحياة في وقتٍ كانت مناطق عدة بالعالم تشهد حملات تطهير عرقي وديني واثني .
الحكمة بالشرق تستنزف وخطاب العيش المشترك المنتمي لهذه المنطقة أقدر على بناء نقيض طروحات تتسلل في ظرفٍ دقيقٍ من تاريخنا بالمشرق العربي، ويمكن اعتبار الدور الأردني، بما يمثله من مشروعٍ ومشروعية هاشمية راسخةٍ بأنه دور استطاع أن يعبر عن وجه العيش المشترك بدعواته، وجهوده إلى صون إحدى أعرق مدننا المقدسة هنا، وهي القدس..








طباعة
  • المشاهدات: 2007
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-01-2022 11:07 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم