02-02-2022 08:29 AM
بقلم : سلامة الدرعاوي
لا توجد دولة في العالم مهما كان اقتصادها قويّاً تعيش مكتفية ذاتياً، ولا تستورد شيئاً من الخارج، فهذا ضربٌ من الخيال إن وجد أساسا.
ولا يوجد دولة في العالم أيضا تستطيع أن تستغني بصادراتها عن وارداتها مهما كان إنتاجها قويا، فجميع الدول بلا استثناء تلبي الكثير من احتياجاتها ولوازم إنتاجها ونموها باستيرادها من الخارج، وهذا لا يعيب اقتصاديات تلك الدول التي مهما علا شأنها لا يمكن أن تعيش بمعزل عن الآخرين.
لكن جميع الدول في العالم تسعى بشتى الوسائل لزيادة صادراتها الوطنيّة إلى مختلف أسواق العالم، وتعطي أفضلية لصادراتها على وارداتها من نفس السلع، أي أن السلع التي تنتج وطنياً لا يفضل استيرادها بالظروف العادية، فالصادرات رمز لقوة اقتصاد الدولة وحيويته ونشاطها الاقتصاديّ المتنامي.
بالنسبة لدينا في الأردن، فالصادرات الوطنيّة في نموّ متزايد وملحوظ من شهر لآخر، فآخر الإحصاءات تشير إلى نموّ الصادرات الوطنيّة بنسبة تزيد على الـ20 % حتى شهر تشرين الثاني الماضي، وهذه نسب أعلى مما كانت الحكومة قد قدرته في فرضيات موازنة 2021.
لكن بالمقابل زادت المستوردات خلال نفس الفترة بما يناهز الـ24.2 %، في حين أن قيمتها المطلقة تزيد على الـ13.82 مليار دينار مقابل 5.447 مليار دينار للصادرات، وبهذا يكون العجز التجاري ارتفع إلى أكثر من 7.82 مليار دينار، بزيادة نسبتها 29.2 %.
المؤشر السابق الخاص بالعجز التجاري له دلالات وقراءات مهمة حول طبيعة السياسات الاقتصاديّة التي انتهجتها الحكومات تجاه القطاع الخاص، وهذا الأمر يستوجب العمل على الدوام لمراجعة هذه السياسات والخطط لتكون أكثر انسجاما لزيادة الصادرات الوطنيّة للقيمة المضافة العالية التي يولدها نشاط الصادرات.
فنموّ الصادرات يعني ببساطة مزيدا من العملات الصعبة يضاف لاحتياطات البنك المركزي من العملات الأجنبية، ولا نبالغ إن قلنا إن أكثر من نصف هيكل العملات الأجنبية في المركزي هي ناتجة من الصادرات التي تشكّل السلع الصادرة منها أكثر من 85 %.
ونموّ الصادرات الوطنيّة يعني توفير فرص أكثر، لأن المنشآت القادرة على التصدير لها قدرة أكبر على التوظيف، فكل مليار دولار استثماري موجه للتصدير، يوفر ما يقارب 80 ألف فرصة عمل، ولا يوجد قطاع له قدرة تشغيلية بهذا الحجم، إلا قطاع التصدير والإنتاج، فأقل شركة دواجن على سبيل المثال لا الحصر توظف لديها ما لا يقل عن 15 ألف شخص ما بين مصانع الدواجن والبيض والأعلاف والنقل والتوزيع، بينما يستطيع وكيل تجاري واحد ومن خلال مكتب فيه ثلاثة أشخاص أن يستورد معظم احتياجات البلد من الدواجن وهو في مكتب لا تتجاوز مساحته الـ60 مترا .
الحكومات خلال السنوات الماضية انخرطت في برامج متفرقة لدعم الصادرات وإن كان منها بأهمية هذا القطاع ودوره الإستراتيجي للنهوض الاقتصادي، وهذه البرامج والإجراءات تنوعت ما بين الاستمرار في إعفاء أرباح الصادرات أو تخفيض كلف الإنتاج أو غيرها من البرامج التي ممكن أن تعزز الصادرات الوطنيّة.
لكن الأمر يحتاج إلى نظرة شاملة أكبر من إجراءات منفردة هنا وهناك.
زيادة الصادرات وإحلالها محل الواردات، يكون بتبني إستراتيجية تكاملية بين القطاعات التجارية والصناعية ذاتها، فالسلع التي لا تنتج داخليا تشجع الدولة على استيرادها وتوفر كل الإمكانات لتأمينها للأسواق، أما السلع المستوردة التي لها مثيل محلي، فالحكومات عليها خلق الأطر التحفيزية لشراكات تكاملية بين القطاع الصناعيّ المنتج والقطاع التجاري المستورد، ويكون بتشجيع التاجر على تصريف المنتج المحلي ضمن شروط واضحة مدعومة ببعض الحوافز التشجيعية له.
تبقى عملية تشجيع الصادرات بشكل مؤسسي وواضح من خلال تبني إجراءات ضمن منظومة تقدم الحوافز والتسهيلات، وتزيل كل العقبات أمام المصدرين الأردنيين للوصول إلى أسواق جديدة، فالصادرات الأردنيّة أثبتت جدارتها وعلو جودتها في العديد من الأسواق العالمية، وهي جديرة بالدعم الحكوميّ لتكون ضمن أولويات عملها الاقتصاديّ حتى لو اضطرت الحكومات إلى مراجعة بعض الاتفاقيات والإجراءات المتبعة في الدولة التي تستقبل صادراتنا ومن ثم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-02-2022 08:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |