حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,22 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 515

«تنوين .. ظلال أبي»

«تنوين .. ظلال أبي»

«تنوين ..  ظلال أبي»

06-02-2022 08:39 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - مجموعة قصصية لهديل الرحامنة تنحاز للمفردات الأنيقة والتشكيلات اللغوية الساحرة

تنوين، الجزء الأول من الثلاثية القصصية «تنوين» التي سينتظرها القارئ بفارغ الصبر في جزيئها الثاني والثالث، أبدعتها كاتبةٌ عايشت النصَّ وركبت موجة المتدافِع من غير أن تفقد مجدافًا أو أن تُلقي مرساتها في غير ميناء على أديمِ النصِّ، أو تتكئ على حجرٍ ملقىً على عتبةِ رصيفٍ لا يضجُّ بتفاصيل الحياة.
«تنوين» هو عنوان خارج على سكونِ السطح الذي يحسبه القارئ صامتًا مستسلمًا وأليفًا، حتى إذا ما لامسته يداه عضَّ على شفتيهِ حين يكتشف أنه مأخوذٌ بالمفردات الأنيقة والدلالات الفلسفية غير المعلنة والتشكيلات اللغوية الساحرة ومنقاد بتلقائية إلى حيث لا مناص له من الولوج إلى الزاوية القصوى للحالةِ الإنسانية، تعالجها المبدعة بحكمةٍ واقتدارٍ ينمّانِ عن تجربةٍ حياتية ثرية بمركبات الحضور الإنساني ومكتظة بتساؤلات الكائن البشري المتوقد شوقًا لبلوغِ المعاني الكبرى لهذا الوجود.

وهذا الإبحار المُمِضُّ في العالم القصصي الذي أبدعته كاتبتنا يتطلب (من بين ما يتطلب) قارئًا متيقظ الحواس، حاضرَ الذهن، قادرًا على التفاعل والاستنباط، ليدرك كم أنفقت الكاتبةُ من دمٍ وأحلامٍ كي تتيحَ له فرصةَ الغوص عميقًا في بنيةِ النصِّ ونبش أحشائه بحثًا عن كل ما هو نفيس وجوهري.
ليس غريبًا أن تكون المجموعة في جزئها الأول تحت ظِلال الأب الحاني الذي غادر الحياة مسرعًا بعد أن كان يعيشها كأنها الأبد، ذلك الأب الرقيق الذي كان لي شرف التعرف عليه منذ عقود خلت، وقد غادرنا على حينِ غفلةٍ من زمنٍ غالبًا ما يخون أهله من الأنقياء الذين يأمَنون مكرهَ وسطوتَه، الأب الذي أفرغ بغيابه المكان، كلَّ مكان، من زركشاته وورده وحَلواه، ليكونَ الحزنُ كبيرًا بحجمِ فاجعة. وعميقًا بعمق الحقيقة التي تطل علينا من نوافذ الموت العمياء، لندرك أن الموت ليس في الموتى، إنه فينا نحن الأحياء الباقين على قيد الفيزيولوجيا المتهاوية، والجغرافيا المستبَدّ بها، المتخمين بالبحث عمّا هو أكثر إيلامًا من الموتِ كي ينسينا الموتَ ولو للحظة واحدة، لنظلَ صغارًا كما نتمنى!
أخذتُ وقتًا مستقطعًا بين حزنين، حزن على غيابِ الصديق والد الكاتبة، وحزن بسببِ الغيابِ الطازجِ لوالدتي منذ بضعة أيام، وكان بودّي لو تيسّر لي من الوقت ما يتسع للوقوف على اشراقات هذه المجموعة، والتدقيق في تفاصيل الفسيفساء المستلقية على مخدّات النصوص، ليس استرخاء رتيبًا، بل لوكزِ القارئ حين يميل للاسترخاء « فالحب يبدو غريبًا جدًا حين يدقق أحد في التفاصيل، السجانُ مجرمٌ حتى وان كان ينتهك جسد الشيطان، والعناق تعبير عن فراقٍ صامت وارتحال نحو المجهول وبحث دائم عن السرِّ الذي لا ينكشف، والجوعُ كافرٌ يستجدي، والعطشُ أحمق يظنُّ أن الجسد ابن الماء وانا ابن ابي، وهذا السطر المبلل يشي بدمع خفي، لقد اشتقتك يا أبي!! الشجاعةُ رفاهيةٌ من نوعٍ مختلف وأنا لست مستعدًا لها الآن».
خاتمة كل قصةٍ تحُدث انفجارًا هائلًا على غير توقع وانتظار، وتخلفُ جمرًا ووميضًا، يكاد يستحيل تَتَبُّعُهُ في أرجاء غير مرئية عند القارئ المستوفي شروط القراءة المتيقظة، وهو يتنقل بنظراتٍ وئيدةٍ فوق نتوءات النصّ وتضاريسه، باحثًا عن المعنى المستتر خلف كثبان مكتظة بالتأويل، لكن ليس ثمة باب أكثر اتساعًا من ذلك البابِ الذي يبقيه الوطن مفتوحًا ليسرقه اللصوص المتخفّون بأرديةِ الفضيلة الرعناء.
ومن أراد من القرّاء والنقّاد أن يقبض شيئًا من وميض الفلسفة التي تخبؤها النصوص، وأن يأتي بقبسٍ يطارد فلولَ العتمةِ في دواخلنا المنغلقةِ على حكمةِ الصمت، فليذهب إلى قصتها «الجوع» فمن لا يشبع عليه فقط أن لا يأكل مما يحب، وقصتها «السياسة» حيث الزوجة لم تخن والصديق لم يكذب والزوج لم يخطئ، إذًا أين تكمن الخطيئة!؟ وأين هم الخطّاؤون!؟
تلك هي الفلسفةُ التي تثيرُ التساؤلاتِ وتُدخلُ العقلَ في دائرةِ الشكِّ كي يصلَ إلى يقينه البعيد.











طباعة
  • المشاهدات: 515

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم