حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 116510

القسوس : هكذا رافقت الحسين حتى اللحظات الأخيرة

القسوس : هكذا رافقت الحسين حتى اللحظات الأخيرة

القسوس : هكذا رافقت الحسين حتى اللحظات الأخيرة

07-02-2022 01:10 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - كان يطمح بأن يصبح طبيبا، لكنه لم يكن يتوقع ان يكون الطبيب الاقرب الى الحسين الباني طيب الله ثراه، شاءت الاقدار ان يكون ذاك الطفل الذي ابتهج وتهلل مع زملائه في مدرسة المطران بتتويج الملك الحسين بن طلال ملكا على الاردن في مطلع خمسينيات القرن الماضي، هو الطبيب الذي سيشهد لحظات الحسين الاخيرة.


الضيف هو الفريق الطبيب المتقاعد يوسف القسوس، ابن القوات المسلحة، والمدير العام الاسبق للخدمات الطبية الملكية، وهو الطبيب الذي عاش مع الحسين حتى اللحظات الاخيرة، تلك التي كانت الاصعب في حياة القسوس.
يحدثنا بوفاء عن الحسين طيب الله ثراه، وبولاء عن البيعة للملك عبد الله الثاني، يستذكر اجمل المواقف مع العائلة الهاشمية، فكانت المواقف الاكثر غبطة في عهد الحسين رحمه الله حين تم ترفيعه الى رتبة لواء بعد أن أمضى في رتبة عميد 9 سنوات ونصف السنة، واما في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني رعاه الله يستذكر د. القسوس فرحه حين امر جلالة الملك بترفيعه الى رتبة فريق وأكرمه بزيارة الى مكتبه في الخدمات الطبية لتكريمه بعد أن أحيل الى التقاعد، وأمر بتعيينه في مجلس الاعيان، وكرمه بوسام المئوية في 9 حزيران 2021، تقديرا لاسهاماته الكبيرة في القطاع الطبي الاردني خصوصا في علاج امراض القلب والشرايين في الخدمات الطبية الملكية.

**  كنت طفلا في الثانية عشرة من عمرك تقريبا حين نودي بالملك الحسين بن طلال ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية؟
ماذا تذكر عن ذاك اليوم.. وهل توقع الطفل يوسف حينها أن يكون بعد سنوات قريبا من قلب الحسين؟

- د. القسوس: خلال سنوات الدراسة في مدرسة المطران كان من حسن طالعنا نحن أبناء ذلك الجيل أن نواكب أحداث شهدها الوطن، وكان أهمها تتويج الملك الراحل المغفور له الحسين بن طلال ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية في الثاني من أيار لعام 1953.
وفي الذاكرة أن الافراح والاحتفالات عمت كل المملكة وقد سار موكب جلالته في منطقة وسط البلد بطريقة الى قصر رغدان وكانت فرحتنا كطلبة في المدرسة لا تصفها الكلمات، فالمغفور له قائد الوطن أحد طلبة المدرسة التي ندرس فيها، ويومها قد أصبح ملكا.
كنت اطمح منذ صغري ان اكون طبيبا، لكني لم اكن اتوقع ابدا ان أكون طبيب الحسين.

**  أتذكر تفاصيل لقاءك الأول بالملك الحسين؟ كيف؟ ومتى؟ وأين ؟؟
- د. القسوس: في ذروة حرب الخامس من حزيران من عام 1967، كانت بداية معرفتي بالحسين العظيم. حيث كنت أعمل في المستشفى الرئيسي في ماركا، وفي يوم الأحد الموافق 11 من حزيران صدرت الأوامر بان نتحرك لاستقبال الجرحى عند جسر الشيخ حسين، ولما وصلنا الى هناك، انتظرنا ولم يصل اي جريح فعدنا أدراجنا الى المستشفى الرئيسي، ولم تمض ثمان وأربعون ساعة، حتى وصل بعض الجرحى بالطائرة الى قاعدة الحسين الجوية في مدينة المفرق، وتم تصنيف حالاتهم وتوزيعهم على أطباء الاختصاص والأجنحة والأقسام في المستشفى الرئيسي، وكان ذلك يوم الثلاثاء 13 حزيران 1967.
المفاجأة كانت بوجود الملك الحسين بن طلال رحمه الله بيننا، يتقدم صفوفنا ويشرف على إخلاء الجرحى بنفسه، وكانت كلماته تستنهض الهمم كبلسم يداوي آلامهم ويعزز الروح المعنوية فيهم، وكان متأثرا بشكل بالغ للنتيجة التي آلت اليها الحرب، كيف لا وهو القائد الذي كانت القدس حبة فؤاده، والأقرب الى بياض عينيه من سوادهما.
تلك كانت المرة الأولى التي تتاح لي فيها مشاهدة الحسين وجها لوجه، وكم كان متواضعا وشجاعا ويبث فينا الأمل والعزيمة، ويريد لنا معشر الأردنيين أن نجتاز حواجز الحزن وننطلق نحو اعمار الوطن واعلاء بنيانه.
اما لقائي الشخصي الاول معه طيب الله ثراه كان في شهر تشرين الاول عام 1973 كنت عائدا للتو من انهاء تخصصي في الولايات المتحدة في أمراض القلب. ودُعيت للقصر، كان جلالة الملك الحسين رحمه الله يعاني من عدم انتظام في ضربات القلب، وبعد اجراء الفحوصات الطبية اللازمة والاطمئنان على صحة جلالته، دعاني لتناول طعام الغداء معه ومع جلالة الملكة علياء رحمها الله وكان هذا أول لقاء مباشر مع جلالة الملك الحسين.

** عملت لسنوات طوال مستشارا طبيا لجلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.. أكثر ما علق بذاكرتك من المواقف الجميلة مع العائلة الهاشمية.. وما أصعب المواقف؟
- د. القسوس : هي مواقف جمة، كان أول موقف لن أنساه طيلة حياتي عندما أمر جلالة الملك الحسين بترفيعي الى رتبة لواء بعد ما أمضيت في رتبة عميد 9 سنوات ونصف السنة وجلالة الملك عبدالله الثاني رعاه الله قد أمر بترفيعي الى رتبة فريق وقد كرمني بزيارة الى مكتبي في الخدمات الطبية لتكريمي بعدما أحلت الى التقاعد وأمر بتعييني في مجلس الاعيان وأنصفني بمنحي وسام المئوية في 9 حزيران 2021.
اما الموقف الصعب بل انه الموقف الاصعب هو اعلان وفاة جلالة الملك الحسين في 7 شباط 1999.

** إبان مرحلة مرض الملك الحسين الأخيرة وعودته في شباط 1999.. ماذا بقي في ذاكرتك عن تلك الايام قبيل وفاته.. وبعد 23 عاما؟
- د. القسوس: لن يغيب من الذاكرة شيء، فعندما عاد جلالة الملك الحسين رحمه الله من مايو كلينك في يوم الجمعة 5 شباط 1999 الساعة العاشرة صباحا وكان على جهاز التنفس الاصطناعي لم يكن يعلم ان شعبه الوفي ينتظره خارجا في حالة جوية شديدة البرودة حينها، ويوم السبت 6 شباط اتصل بي، دولة الدكتور فايز الطراونة – رحمه الله- رئيس الوزراء آنذاك يسألني اذا كان الملك يستطيع القيام بسلطاته الدستورية فأجبته كتابيا أنه لا يستطيع ودعي الأمير عبدالله حينها لحلف اليمين كنائب لجلالة الملك.
ومساء السبت 6 شباط حضر الى المقصورة الملكية في مركز الملكة علياء لأمراض وجراحة القلب دولة الدكتور فايز الطراونة ودولة زيد الرفاعي رئيس مجلس الأعيان ومعالي المهندس عبدالهادي المجالي رئيس مجلس النواب حينها.
وأبلغتهم بالحالة الحرجة لجلالة الملك وأفصحت لهم أن الامر بيد الله وبتقديراتي الطبية فالوضع لن يتعدى ظهر يوم غد الاحد، لإتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة بهذا الخصوص فالفقيد هو الحسين وغدا سوف يجتمع العالم كله في عمان لوداعه، فهذا اصعب موقف في حياتي.

** الدستور: كيف أخبرت الملك الحسين رحمه الله بمرضه.. كيف تقبل ذلك.. وماذا قال؟
- د. القسوس: بالنسبة لمرض الملك حسين الاول عندما أصيب بسرطان في الحالب الأيسر وكان ذلك في 15 آب من عام 1992، أدخل الى مركز الملكة علياء لأمراض وجراحة القلب الى المقصورة الملكية وفي نفس اليوم وبعد اجراء الفحوصات اللازمة، تأكد التشخيص «سرطان الحالب الأيسر»، وفي اليوم الثاني يوم الاحد 16 من آب، قمت بزيارة صباحية لجلالة الملك الحسين رحمه الله وسألني عن «الكوليسترول» ولم يسألني عن حالته الطبية، وفي 17 آب سافر جلالته الى مايو كلينك، وفي 20 آب أجريت له عملية استئصال الكلية اليسرى والحالب الأيسر.
كان الملك الحسين هو الاكثر صبرا على مواجهة التحديات فرفض أن يخرج التقرير الطبي عن حالته لشعبه بالقول بوجود خلايا نشطة بل انه أصر على اصداره بشكل واضح وشفاف ليصارح شعبه العظيم بحقيقة وضعه وهو القائد الذي كان يحمد الله على السراء والضراء، وأصر أن يكتب في التقرير انه خلايا سرطانية وجدت في الحالب الايسر وليس خلاية نشطة، وعندما عاد في 25 ايلول 1992 عمت الفرحة الاردن بشفائه وعودته سالما الى الوطن.
وفيما بعد سألت جلالته: «سيدي لم تسألني عن مرضك عندما كنت في المركز» فقال لي «بدي اسافر ع مايو كلينيك... شو بده يكون معي غير السرطان؟؟!».
اما المرض الثاني عاد جلالة الملك من القاهرة في 11 تموز 1998 جاء في اليوم التالي لمراجعتنا في مركز الملكة علياء وأعلمني انه شعر بتعب شديد أثناء عقد المؤتمر الصحفي مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وعقب اجراء الفحوصات وأخذ الصور الشعاعية أستشعرت ان هناك ما يستدعي سفره الى مايو كلينك فقلت: يا سيدي ان عليك العودة مباشرة الى مايو كلينك، وكان جلالته مريضا مطيعا صبورا وغادر جلالة الملك أرض الوطن يوم الثلاثاء 14 تموز ورافقته الى مايو كلينك، وفي اليوم الثاني أجريت له الفحوصات اللازمة وتأكد أصابته بـ «الليمفوما» وتم الاتفاق على طريقة العلاج الكيماوي في 22 تموز 1998، وأعلن جلالته ذلك في رسالة خطها بيده وجهها الى سمو الامير الحسن «ان الاعراض التي يعاني منها قد أكدت اصابته بـ»الليمفوما»...».
وفي 27 تموز تلقى الجرعة الاولى من العلاج الكيماوي وظهر في لقاء مع التلفزيون الاردني كشف فيه للشعب الاردني عن حقيقة مرضه.

** ختاما... كيف ودعت الحسين؟
- د. القسوس: عندما وصل جلالة الملك الحسين يوم الجمعة 5 شباط 1999 الى مركز الملكية علياء في المدينة الطبية كان ابناء الشعب الاردني من مختلف مناطق المملكة يفترشون ساحات مدينة الحسين الطبية راجين الله ان يمن على مليكهم بالشفاء، يصلون بحرارة في يوم شديد البرودة، لم يمنعهم المطر من البقاء بل واصلوا دعاءهم وشموعهم ودموعهم من اجل الحسين.
في تمام الساعة الحادية عشرة و43 دقيقة من يوم الاحد الموافق 7 شباط 1999 أسلم الحسين بن طلال روحه الزكية لبارئها وكنت فوق رأسه، والله ما مررت بلحظة اكثر مرارة تجرعت بها الأسى من تلك الدقيقة وبكيت عليه بحزن شديد، وكان ابناء الاردن الواقفين امام مركز الملكية علياء يبكون بمرارة حتى فاضت عيونهم كمطر السماء، عجائز ورجالا ونساء واطفالا، كانت لحظة صعبة عليهم جدا.
وفي حوالي الساعة الخامسة مساء كانت الجموع التي تنتظر خروج جثمان الحسين من مركز الملكة علياء اضعاف تلك التي سهرت ليلتين في ساحات المينة الطبية، جموع غفيرة تبكي وتكبر بصوت عال «الله اكبر.. الله اكبر»، وسار الجثمان الى القصور الملكية.
وفي يوم الاثنين الموافق 8 شباط يوم تشييع الجثمان، طافت عمان بالزعماء والقادة العرب ورؤساء ووفود الذين بلغ عددهم أكثر من ثمانين شخصية واربعين رئيس دولة، الى جانب الذين اتوا الى المملكة، من كل حدب وصوب للمشاركة في جنازة الراحل الكبير جنازة اطلق عليها جنازة العصر أو جنازة القرن العشرين.
كنت كالاردنيين جميعا... ادعو بالرحمة للملك الباني.. واقدم الولاء لشبل الحسين، وها أنا اليوم اجدد الوفاء والولاء والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه. الدستور








طباعة
  • المشاهدات: 116510

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم