14-02-2022 03:48 PM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
لعل الحقيقة الوحيدة التي نُجمع عليها بعد هذا النقاش المحتدِم حول شؤوننا المحلية هي أن واقعنا الراهن بحاجة إلى إصلاحات عميقة في جميع المجالات والقطاعات، وتلك الحقيقة هي الدافع القوي وراء مراجعة المنظومات السياسية والاقتصادية والإدارية؛ من أجل التحديث والإصلاح والتغيير، بغض النظر عن الخلافات القائمة حول الطريقة المُثلى التي يمكن أن تقودنا نحو الهدف.
المتابع للنقاش الدائر في البرلمان حول قانوني الأحزاب والانتخاب، أو موازنة الدولة، وموازنات الوحدات الحكومية، يمكن أن يستخلص الكثير من النقاط المشتركة في توصيف الواقع، وحجم التحديات التي نتعرض لها، ومدى الحاجة الأكيدة والعاجلة لرسم خارطة الطريق التي تخرجنا من كل تلك المآزق، كي ندخل إلى مرحلة جديدة، هي تلك التي وضعنا لها عنوانا تاريخيا بعد أن أتمّت الدولة مئة عام على تأسيها، وسميناها المئوية الثانية من عمر الدولة، التي تتزامن سنتها الأولى مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة، لا نعرف خيرها من شرّها!
النقاش والحوار الموضوعي، مهما اختلفت المواقف والآراء، من شأنه أن يضع حدًّا لجدل عقيم خُضنا فيه وقتا طويلا ضائعا، وكان العامل الأكثر تأثيرا في ذلك الجدل هو فقدان الثقة بالقدرات التي نملكها للتغيير، في غياب المعايير التي نستطيع من خلالها التمييز بين القدرات الفردية، والقدرات المؤسسية المتمثلة في مؤسسات الدولة العامة والخاصة؛ فقد تم الخلط الخاطئ بين كفاءة المسؤول، وكفاءة المؤسسة، وإن كان تأثير القيادات الإدارية العليا سلبا أو إيجابا في مستوى الأداء العام لا يمكن إنكاره.
إذا كان الأمر كذلك فهناك بعدان مهمّان يفرضان النظرية القائلة: إن سوء اختيار المسؤول هو في حد ذاته خطأ مؤسسي خطير؛ فالبعد الأول يتعلق بمسألة الاختيار، والثاني يتعلق بالسياقات التي تسمح بحدوث خطأ من هذا النوع، وعندما يتعلق الأمر بتحديات أو أزمات من النوع الذي نواجهه اليوم، فإن إصلاح الإدارة من الناحيتين النظرية والعملية، يشكل الأولوية الأولى في مجمل عملية الإصلاح والتغيير، من أجل التعافي والنهوض، والتقدم خطوات إلى الأمام!
في هذه المسألة بالذات يمكننا أن نفهم من الرسالة التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني للشعب، بمناسبة عيد ميلاده الستين، أنه لا مكان بيننا لمسؤول يهاب اتخاذ القرار، والتغيير الإيجابي، أو يتحصن وراء أسوار البيروقراطية خوفا من تحمل مسؤولية قراره، وأنه لا بد من حماية ودعم لكل مسؤول يتخذ القرار بمسؤولية واقتدار، وأن هذا الدعم في الحقيقة يُبنى أساسا على الإستراتيجيات الموضوعة والخطط المرسومة، والحاكمية الرشيدة بما فيها من تشاركية، وشفافية، ومساءلة.
إذا كان الهدف المرحلي هو التوصيف الدقيق للأمر الواقع الذي يسبق مرحلة التغيير، فإننا أقرب ما نكون لهذا الهدف، ولكن الجدل يجب أن يتوقف عند نقطة معينة، وفي رأيي أن تلك النقطة تتمثل في حوار وطني بين أصحاب الخبرة والاختصاص في الشأن الاقتصادي، يجري التحضير له طبقا للرسالة الملكية من أجل إطلاق الإمكانات لتحقيق النمو الشامل، وإيجاد فرص العمل أمام الشباب، وتحسين مستويات المعيشة، وضمان حياة أفضل للمواطنين جميعا، وكلها غايات لا يمكن تحقيقها إلا إذا أجمعنا على الهدف الذي يرتقي إلى مستوى المصير!