15-02-2022 09:00 AM
سرايا - من كاميرات الهواتف الجوالة إلى الرقائق متناهية الصغر... تعتمد الحياة على الأرض بشكل كبير على تقنيات «وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)».
منذ حقبة «بعثة أبولو» نحو القمر، توسعت تغطية تقنيات «ناسا» لتشمل مزيداً من التطبيقات الأرضية؛ إلى حد دفع بالوكالة الفضائية إلى إطلاق برنامج «تكنولوجي ترانسفير بروغرام (تي2)» لتسهيل استخدام براءات اختراعها من قبل الجمهور. من المحتمل أن يكون اللاعبون الذين سيشاركون بمباراة «سوبر بول» الأميركية الشهر المقبل قد تلقوا تدريبهم على آلات مستوحاة في تصميمها من آلات المشي المصممة لتعمل في ظروف الجاذبية الدنيا لرواد الفضاء في المحطة الفضائية الدولية. ولعلكم تدينون بالشكر لأداة إخماد الاهتزاز في صاروخ نظام الإطلاق الفضائي المتجه للقمر والذي سيقلع في طيرانه التجريبي الأول في الربيع المقبل، لتخفيفها الاهتزاز في بعض ناطحات السحاب بمدينة مانهاتن.
تقنيات «ناسا»
يخترع مهندسو وعلماء «ناسا» ما بين 1600 و1800 جهاز ويطلقون نحو 5500 برنامج إلكتروني سنوياً، ولكنها لا تصل جميعها إلى مرحلة الإنتاج والتسويق التجاري. كشف دان لوكني، المسؤول التنفيذي في برنامج «تي2» منذ 20 عاماً، عن أن الوكالة منحت العام الماضي براءات اختراع لـ220 شركة فقط.
وينشر موقع برنامج «تي2» لوائح تظهر تفاصيل براءات الاختراع والبرامج الإلكترونية وأمثلة التطبيقات الصناعية، بالإضافة إلى تقرير «سبين أوف ريبورت» الذي يسلط الضوء على التحويلات الجديدة في كل عام. ويقول لوكني إن هذا التقرير «يستعرض أفضل اختراعات الوكالة وأخبار أهم نشاطاتها الجديدة».
يتحدث تقرير هذا العام الذي نُشر أخيراً على الموقع، عن 46 شركة استخدمت تقنيات «ناسا» بعد تعديلها هذا العام، وينشر المقالات التي تغطي تأثير الوكالة على مختلف الصناعات، مثل: كيف ساهم تأسيس أول مزرعة عمودية في إطلاق عجلة الزراعة الداخلية.
يذكر أن هذا التقرير يغطي مجموعة متنوعة من المناطق الجغرافية والقطاعات الصناعية والعروض.
صنعت «غرفة إنتاج الكتلة الحيوية» التابعة لـ«الوكالة» في «مركز كنيدي للفضاء»، في فلوريدا، نسخة مطابقة للبيئة الزراعية المقفلة التي سيستخدمها رواد الفضاء في الفضاء أو على كواكب أخرى. في المقابل، عملت شركة «بلينتي أنليميتد» ومقرها سان فرنسيسكو، على تعديل التقنية وأضافت روبوتات زراعية وبيانات مختلفة لتحسين شروط الزراعة في مشروعها.
ويتضمن التقرير أيضاً قصصاً منشورة سابقاً وأخرى حديثة كتلك التي تناولت الأشجار الملقحة بالبكتيريا القادرة على التخلص من التلوث، والقفاز الآلي «روبو غلوف» الذي يشبه قفاز الرجل الحديدي المطور بالتعاون مع شركة «جنرال موتورز» لمنح حركة اليدين مزيداً من الدعم والقوة وتحويلهما إلى ما يشبه النسخة اليدوية من الهياكل الخارجية الآلية المدعومة بالطاقة.
بدورها؛ عملت شركة «آوتلاست تكنولوجيز» في بولدر، بالتعاون مع شركة «واليرو» البريطانية على تحويل تقنية البدلة الفضائية إلى ملابس رياضية تعدل الحرارة تلقائياً مخصصة لسائقي سيارات السباق المحترفين.
مجسات وأقلام
وأيضاً؛ تعمل شركة «لونار آوتبوست» في دنفر الأميركية، على تعديل جهاز استشعار مصمم لرصد معدلات غبار القمر، لاستخدامه في قياس تلوث الهواء. وعمل آخرون على استخدام مادة عازلة مبردة مستخدمة في الفضاء في صناعة مستلزمات المساحات الخارجية للحفاظ على دفء الأشخاص والبطاريات.
وشهد «نظام (ناسا) للزراعة في الفضاء» بعض التعديلات وأصبح يُستخدم على الأرض لتحسين نوعية الهواء في الأماكن المقفلة وتقليل انتشار الفيروسات التي تنتقل في الهواء مثل فيروس «كورونا». وأيضاً، عُدلت التقنية المصممة لتسخير ثاني أكسيد الكربون على كوكب المريخ، لتُستخدم على كوكبنا في تنظيم الانبعاثات وكربنة الجعة.
يتحدث التقرير أيضاً عن سوء الفهم الذي أحاط بخرافة فشل «قلم (ناسا) الفضائي» الذي تجاوزه الروس باستخدام أقلام الرصاص. ففي الحقيقة؛ يستخدم رواد الفضاء قلم «فيشر سبيس بن» المضغوط للكتابة في الجاذبية الدنيا منذ الستينات، وعمدت «الوكالة» العام الماضي إلى عرضه في قاعة المشاهير الخاصة بالتقنيات الفضائية. وشرح لوكني أن «رواد الفضاء لا يستخدمون قلم الرصاص العادي؛ لأن رأسه قد ينكسر ويطوف في أنحاء المركبة».
تتصل «ناسا» بشركات عالمية وتتلقى عروضاً من كثير منها سعياً للاستفادة من اختراعات الوكالة، ولكن هذه الشركات مجبرة على خوض مسار معقد قبل قبول طلبها. في هذا السياق، يقول لوكني: «نحرص على عدم تعرض ملكيتنا الفكرية للضغط من بعض الفضوليين غير الجادين. فإذا كنا سنسمح لكم باستخدام إحدى براءات اختراعنا، فعليكم إظهار بعض الفطنة التجارية والتقنية، وامتلاك المصادر التي ستُدخل التقنية إلى السوق».
توفر وكالة «الناسا» برنامجها الإلكتروني مجاناً ودون الحاجة لتقديم طلب، ولكن متوسط رسوم الحصول على الترخيص لاستخدام أحد الأجهزة وبراءة اختراعها يتراوح بين 5 و10 آلاف دولار، تذهب بمعظمها للمخترع على سبيل التشجيع. هنا، يقول لوكني إن «الناس لا يصبحون أثرياء في العمل مع (الوكالة). هم يعملون في (ناسا) لأنهم يريدون العمل فيها».
يذكر أن الوكالة تعفي الشركات الناشئة وطلاب الجامعات من الرسوم «في محاولة منها لتشجيعهم على استخدام برنامجها للتطوير والبحث الداخلي حجرَ أساس في أعمالهم»، على حد تعبير لوكني.
تخفيف آثار الكوارث
يعد التسويق (أو إضفاء الطابع التجاري) واحداً من أشكال كثيرة لتكييف التقنيات. فقد سخرت «ناسا» هذه التقنيات للمساهمة في تعزيز جهود البحث والإنقاذ من خلال تطوير معدات مكافحة الحريق ووضع أهداف جديدة لتقنية الرادارات المستشعرة من بُعد لرصد الحركات الطفيفة للناجين تحت الأنقاض. وكشف لوكني عن أن الوكالة تتلقى بعد الكوارث الكبرى أحياناً اتصالات من وزارة الخارجية للسؤال عمّا يحدث وما إذا كان يمكنهم فعل أي شيء للمساعدة.
عام 2010، احتجز 33 من عمال المناجم في تشيلي تحت الأرض. في ذلك الوقت، لم تكتف «ناسا» بإرسال مهندسين ساعدوا في تصميم مزلاج للإنقاذ، بل أرسلت أيضاً أطباء نفسيين مختصين في حالات الاحتجاز والخروج للمساعدة في تخفيف ذعر العمال وتحضيرهم للخروج أمام حشدٍ من الكاميرات الصحافية.
والآن، وبعد فترة قصيرة من تسبب الوباء في إقفال العالم في 2020، صممت مجموعة من مهندسي «مختبر الدفع النفاث» جهاز تنفس بسيط غير مرتبط بسلسلة توريد القطع العالمية. وبعد الحصول على إذن «إدارة الغذاء والدواء»، منح المختبر رخصاً باستخدامه لأربعين شركة حول العالم.
يسلط قسم «سنيب أوف تومورو» في التقرير الضوء على 20 من تقنيات «ناسا» الجاهزة للطرح التجاري، وأبرزها نظام التحقق البيومتري (بالقياسات البيولوجية) من الهوية لفتح الهواتف وأجهزة الكومبيوتر باستخدام نبض القلب، وجهاز رقيق مصنوع من مادة نانوية يحول ثاني أكسيد الكربون إلى وقود، وألمنيوم ذاتي التصحيح لصيانة الشقوق والأضرار في هياكل الطائرات والخزانات وخطوط النفط.
وأشار لوكني إلى أن «ناسا» تملك أيضاً تقنيات أخرى لا تزال قيد التطوير، كزراعات الدم والأنسجة والخلايا في الجاذبية الدنيا لأغراض التجارب الدوائية. وانطلاقاً من طموح «الوكالة» إلى إرسال بعثات مأهولة طويلة الأمد إلى الفضاء، يتوقع لوكني تطورات مستقبلية في التقنيات الطبية والتطبيب من بُعد، بالإضافة إلى ابتكار مواد جديدة وتقنيات للصناعة في الجاذبية الصغرى، ووسائل تنظيف الهواء والمياه. وشرح لوكني أن «(الوكالة) ستحتاج إلى إعادة تدوير هذه التقنيات في الفضاء وهنا على الأرض».
ولكن الشيء الوحيد الذي يؤكد عليه المسؤول التنفيذي هو عنصر المفاجأة، قائلاً: «الجزء الممتع في الأمر هو أنني لا أعلم الخطوة التالية، أو المشكلة التي سنصطدم بها، ومن سيستخدم تقنياتنا أو كيف... وهذا هو الجزء الذي يذهلني حقاً».