22-02-2022 11:19 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
يا لِتلك السهام التي رَمَتك
ايها الشريف الرضي
سَهمٌ أَصابَ وَراميهِ بِذي سَلَمٍ
مَن بِالعِراقِ لَقَد أَبعَدتِ مَرماكِ .
" ذِي سَلَم " مكان في ارض الحجاز ،
في سماء ٍّ تملأها سهامٌ اصابت اكباد العرب إن لم يكن كلهم فَجُلُّهُم ، ومن لم يصبه منها سهمٌ فقد اصابه ألم الضمير ، فامة العرب كما يقال ، لا حَدٌ يباعدها ولا دِين يُفَرِّقها .
في ظل هذه الأجواء الملبدة بكل المنغِّصات ، ليس اطرب للنفس من تَذَكُّرِ تلك الأيام التي لِشدَّةِ الوئام والامن والأمان وصفاء النفوس كما صفاء تلك السماء التي جعلت ذلك السهم الذي انطلق من ارض الحجاز يصيب ذلك المُحِب العفيف الذي يناجي محبوبته العفيفة من موطنه ارض العراق موطن دجلة والفرات ارض الخلافة والعزة والحضارة والكرامة والإباء .
وهروباً من الواقع العربي المكشوف جداً وعزوفاً عن القُرب والبُعد عن الحقيقة او الوهم او الخيال فيما يدور وفيما يحصل ويقال ،
سأُغرد بعيداً جدا عن السرب ، بحديثٍ يُطرِبُ ليسَ المَقُولُ له فقط ، بل يُشجي كل من يَسمعه وسأفتح الستار عن تلك اللوحة وهي تبدو منشدةً ؛
حَكَت لِحاظُكِ ما في الريمِ مِن مُلَحٍ
يَومَ اللِقاءِ فَكانَ الفَضلُ لِلحاكي .
ويا له من إعجاب رقيق يتهادى لمسمع الحبيب الذي يُذيبُ الصخرَ نعومته ، فهل اجمل من لغة التخاطب بجميل اللفظ وحسن الوصف لجعل الحياة تفيض حباً ووئام ،
كم جميلٌ ان يبوح المرؤ بالسعادة التي يحيي بها في ظِل ومعية مَن يُحب ، ففيها من الأُنس لسامعها ما يجعل الوُد متدفقا ً بلا قيود ، حتى وإن خالطها بعض المعاناة او التقلب ما بين السعادة والاسى وبين لحظات النعيم وربما العذاب والانين كما اتى بها الشريف قولاً صادقاً بلا تزيين معترفاً لصاحبة السهام بقوله لها ؛
أَنتِ النَعيمُ لِقَلبي وَالعَذابُ لَهُ
فَما أَمَرُّكِ في قَلبي وَأَحلاكِ
ويا لها من اعترافات تحمل في طياتها سعادة في الحالتين ، فهي سعادة اطمئنان المحبوب لحبيبه تحمي هذه السعادة المرارة التي تُغلِّف الحب الصادق الذي يُخشى عليه من البوح ، فهي السعادة بكاملها .
وليس بعد صدق المودة والمحبة البريئة البعيدة عن الشبهات براءة عندما يخبرنا الشريف الرضي ويجعلنا نتشوق انتظاراً لبوحٍ يأتي بعد قوله ؛
عِندي رَسائِلُ شَوقٍ لَستُ أَذكُرُها !!
فقد ابلغنا عن رسائل عنده كثيره وانه يمتنع عن ذكرها ولا يريد البوح بها ، ثم إبراءً له من شكٍ مريب في علاقته يُسرع بالبوح قائلا ؛
لَولا الرَقيبُ لَقَد بَلَّغتُها فاكِ .
وأنّ رسائله هي قبلات الصدق التي لا ضَير في الاعلان عنها ولكن ضمن الادب والخلق العربي النبيل الذي يمنعه الرقيب من ايصالها حتى وإن كانت محمية ومصانة بالشرعية.
هذا الشاعر وهذه القصيدة يُخبران عن العصر العباسي الذي هو احد العصور الاسلامية العربية الذهبية التي شهدت حركة شعريّةً خالدة، مُتمثِّلة بشعراء ربما هم الاهم في الشعر العربي على مرِّ التاريخ، مثل: أبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي نُوَاس وأبي العتاهية والبحتري وأبي تمام والشريف الرضي وأبي العلاء المعرَّي، وهذا ما جعل العصر العباسي من أعظم العصور التي مرّت على تاريخ الأدب ، ولم يكن محصوراً في الادب فقط ، بل هو عصر العلم والمعرفة التي سجلها التاريخ ويحيى العالم الحالي في ظل تلك العلوم في مناحي الحياة على الصُعد كافة ، وربما كانت علوم الرياضيات والفلك هما مرتكزها ،
ويكفي ذلك العصر فخراً حين سطَّر التاريخ حديث الخليفة هارون الرشيد للسحابة قائلاً ؛
" امطري حيثُ شِئتِ فإن خراجُكِ لي " .
ما احوجنا اليوم إلى ذلك الوئام والامان الذي عشناه في اجواء الابيات التي بُنيت على لسان الشريف الرضي ، وما زالت تردد في سمع كل متذوق للكلام العربي ، ويا لروعة النداء والعتاب ويا لطيب مرارة الوجد وجمال النداء ، فما زال المُنادِي في ذروة النداء وما زالت تلك المحبوبة تُطلقُ السهام طرباً وحباً وطمعاً ببقاء النداء خالداً دائماً بلا انقطاع مُترَنمة بلهفةِ النداء الآتي من بعيد ؛
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
ويطمئنها بأن رسائلها قد وصلت واصابت الهدف بقوله ؛
سَهمٌ أَصابَ وَراميهِ بِذي سَلَمٍ
مَن بِالعِراقِ لَقَد أَبعَدتِ مَرماكِ .
يا ترى ؟ هل مِن أملٍ لتلك السهام ان تُطلَقَ مِن جديد !!!
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-02-2022 11:19 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |