26-02-2022 02:57 PM
بقلم : آيات زريقات
لطالما عُرِف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين بمشاركاته الواسعة بمختلف المناورات العسكرية والتكتيكية ضمن صفوف القوات المسلحة، وقد تابعنا مؤخرا تنفيذ جلالته لتمرين عسكري مع فرق من القوات الخاصة يحاكي التصدي "وبشراسة" لعمليات اشتباك حدودية مع مهربين (غير أردنيين) وأسقط جلالته خلال التمرين مقاصد ورسائل واضحة للمهربين كان أبرزها قيامه باستخدام سلاح البازوكا او الـ ار بي جي لتفجير هدف ثابت بالكامل، معلنا بذلك بان لا تهاون ولا استسلام مع أي جهة تحاول التعدي على الحدود الأردنية...
ان التهريب "ظاهرة" ، تنتشر حول انحاء العالم وتؤرق دائما الأجهزة الأمنية والعسكرية لأي دولة تحترم كيانها ، والادعاء بقدرة أي دولة في العالم - مهما بلغت قوتها العسكرية او الأمنية – حول قدرتها على إحباط عمليات التهريب هو ادعاء باطل لا صحة فيه ، فالمهربون عادة يمتلكون مستويات عالية من الدهاء والحيلة والتخطيط ، ومبدأهم الأساسي "الغاية تبرر الوسيلة" بغض النظر عن اية تبعات ترتبط بنشاطاتهم ، لا بل قد يتولد لدى بعضهم مهارات أمنية او حتى استخبارية لتنفيذ أعمالهم التخريبية الممنوعة ، الا أن التهريب بمفهومه العادي قد يأخذ أبعادا أوسع عندما تختلف "الغاية من التهريب ، واطراف عملية التهريب" ، وقد تتجاوز هذه الغايات مبادئ التهريب الأساسية "الكسب المادي / الربحي الغير المشروع" ليصل الى مبادئ تهريب "ايدولوجية تنظيمية" لتنفيذ اهداف ومآرب إرهابية ضمن نفس خطوط التهريب العادية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فانه قد يحدث استغلال خطوط تهريب المخدرات من قبل تنظيمات إرهابية لإمكانية تسلل عناصر إرهابية محملة بمواد تدخل في صميم العمل الإرهابي الى البلاد ، وخاصة القادمين من ساحات الصراعات المسلحة أملا في توسيع رقعة الهجوم لصالح هذه التنظيمات على الساحات الأردنية ودول الجوار من الاشقاء ، وبالتالي فان المهربين بنهاية الامر هدفهم "الكسب المادي الغير المشروع" سواء من خلال تنفيذهم لعملية التهريب مباشرة او تسهيل اعمال تهريب لصالح تنظيمات وجماعات مسلحة ، وفي كلتا الحالتين تهديد لأمن البلاد...
الواجهة الشمالية تحديدا ، تشكل عبئاً عسكريا وامنيا على قواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية بحكم طول الحدود هناك (أكثر من 300كم) إضافة الى قسوة التضاريس الطبيعية بالمنطقة ككل ، والتي تلعب دورا فاعلا للمهربين لإيجاد ثغرات دورية تسهم في تنفيذ عمليات تهريب وصورة مكثفة الى ساحتنا ، فمنذ الازمة السورية وانعكاساتها على بلادنا بمختلف الاشكال وعلى اثر تعدد الخصوم ضمن مختلف الجماعات بالجنوب السوري ، فقد أصبحت حدودنا الشمالية اشبه بمناطق "الحرب الباردة" ترتبط بحالة دائمة من الاستنفار العسكري والأمني المستنزف لجهود جنودنا هناك ، وبالمقابل فان الدولة السورية وبالرغم من التقارب "المتعدد" مع الأردن مؤخرا ، لم تتمكن من تنفيذ التزاماتها الأمنية والعسكرية لحماية الحدود المشتركة وخاصة من جانبها بالجنوب السوري للتخفيف من "الاجهاد التهريبي" تجاه البلاد .
من يراقب المشهد الأمني في الجنوب السوري - خاصة بعد العام 2018 - يجد أنه عجّ بمختلف الميليشيات والتنظيمات والعصابات "متعددة الولاء" ، وتبنّت هذه القوى عمليات "نقل ، تهريب ، وحتى تصنيع..." مختلف الممنوعات بالداخل والخارج السوري بحكم انها مجموعات بحاجة الى تمويل دائم لضمان تواجدها واستمرارها بمناطق الصراعات بالجنوب السوري ، ونتيجة للظروف السياسية والأمنية بسوريا – والتي لا تحسد عليها كدولة مرت بظروف حرب– فإن استعادة الدولة لهيبتها بالجنوب وفرض قبضتها الأمنية من جديد - خاصة تجاه تجار الممنوعات - قد يتطلب وقتا اطول للتعافي ، وحتى ذلك الحين سيبقى الأردن هدفا مفتوحا للمهربين كبوابة عبور – وفي بعض الحالات بوابة استقرار – للممنوعات بحكم موقعه الجغرافي او بحكم موقفه "السياسي ! " .
جلالة الملك أعلنها حرباً صريحة ومفتوحة على المهربين وعلى كل من تسول له نفسه اقتحام حرمات الوطن، واكد خلال لقائه الأخير احدى كتائب حرس الحدود أن تعليماته شديدة ومباشرة لا تحمل ابعادا تأويلية من خلال جملة " بدي العين الحمرا! " .
إن "العين الحمرا" مصطلح شائع بين أوساط المجتمع الأردني، ويُستخدم بكثرة عند الإشارة الى ضرورة التعامل بحزم وجدية تجاه أمر ما، ويتزامن عادة مع ردود الفعل الغريزية للدفاع عن الأرض والعرض، هذا يعني أن "العين الحمرا" بمثابة "الزناد" الذي ضغطه جلالة الملك ايذاناً بتغيير قواعد الاشتباك تجاه أي تهديد وأمرا مباشرا من القائد الأعلى للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية لتغيير النهج والأسلوب في التعامل مع المهربين دون تهاون.
الرسائل الملكية المتسلسلة مؤخرا لم تطبع ورقيا لترسل عبر البريد لكل المعتدين، لا بل تُرجمت بأفعال واقوال ضمت زيارات جلالته للقوات المسلحة ومشاركتهم مختلف التمارين والمناورات، وعكست مؤشراً من التوجيه بتغيير النهج العسكري والأمني وتوسيع مفهوم "قواعد الاشتباك"، على اثر غيرة ملكية وشعبية تجاه صفوة ممن استشهدوا ضباطا وافرادا على "ساتر الوطن" من قوات حرس الحدود خلال قيامهم بواجب حماية الحدود الشمالية من المهربين.
جلالته لم يكتف بتقديم واجب العزاء للقوات المسلحة وأهالي الشهداء معنويا، لا بل تواجد مع قيادة صفوف "صقور الحدود" و "صقور الرد السريع والقوات الخاصة" بالميدان، ليجسد المقولة الشهيرة "لا خوف على بلد اول جنودها ملك".