02-03-2022 10:08 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
الحكامة ،
يُعدّ مفهوم الحكامة الجيدة أحد أهم المصطلحات التي تداولتها الأوساط الثقافية والإدارية في حقل التنمية منذ نهاية الثمانينات، فقد استُعمل لأول مرة من قبل البنك الدولي سنة 1989، والذي عدّ أنّ الحكامة هي أسلوب في ممارسة السلطة لتدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لأجل التنمية"، ويعرّف برنامج الأمم المتحدة مفهوم الحكامة الجيدة بأنّها :
نمط جديد من العلاقات والمؤسسات التي تشترك بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الواجبات وتعطى الحقوق، ويُفصل في الخلافات والنزاعات، بحيث تقوم على تجاوز التراتبية الهرمية، وتشجع التشارك بين جميع الأطراف والإدارات، كما وتشجع على حسن التنظيم بشكل ذكي، وتوزيع المسؤوليات بحكمة، وصقل القدرات والمواهب ودعم التواصل الداخلي والخارجي.
مفهوم الحكامة الجيدة ،
هناك ضرورة لتوضيح مفهوم الحكامة الجيدة وما ترمي إليه حتى يسهل تتبع دلالاتها وعمقها، فقد بدأ مفهوم الحكامة في الناحية الاقتصادية ينشأ في حقل التنمية الاقتصادية مع الباحث رونالد كاوسي سنة 1937، مؤكدًا أنّ العودة إلى التنظيم الهرمي يشكل دور أساسي في ترسيخ العلاقات والتعاون بين الموظفين في لمؤسسات، مما يزيد من الفاعلية بالنسبة للعديد من العمليات، حيث يعمل السوق على تنويع تكاليف المعاملات، وبعد أربعين سنة تمكن ويليام سان من تأسيس نظرية تدعى "تكلفة المعاملات"، والتي استعملت مصطلح الحكامة كمجموع لعمليات التنسيق الهادفة إلى تنظيم النظام الداخلي للمؤسسة، بما يسمح للعلاقات التعاقدية بتقليص حجم تكاليف المعاملات المالية، بما فيها عبء التنظيم الهرمي .
أهمية الحكامة الجيدة ،
صارت الحكامة الجيدة تعتبر خيارًا واجب التنفيذ، لما يترتب عليها من تكامل في الأدوار بين القطاع الخاص، إضافةً لمؤسسات المجتمع المدني، وكذلك الإدارة الحكومية؛ لأنّ تحسين علاقة الإدارة الحكومية مع المواطنين تكون عبر إعادة الثقة بين الإدارة والمواطن، وبالرفع من مستوى الجودة والانتاجية والأداء العام، وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها للمستفيدين، وتبسيط إجراءات الوصول إليها، وتحسين جودة الترحيب وتسهيل الإجراءات البيروقراطية ودعم الإدارة الالكترونية، وذلك يصعب تحقيقه بغير العمل على ترسيخ مفهوم الحكامة الجيدة باعتبارها رافعة للتطوير ولتنمية الإدارة العمومية، وذلك لجعل الإدارة حيادية في خدمة الجميع، لوضع حد للشطط وأساليب التعسف في استعمال صلاحيات السلطة، وانتهاج أنظمة جديدة قائمة على أسس دولة الحقوق والالتزام بالقانون، وأيضًا فإنّ تحديث الإدارة المالية سيسهم بشكل مؤكد في تحسين نتائج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
في ظروف غياب التنمية الإدارية لا يمكن إنشاء إدارة عامة متطورة لتلبية حاجيات المواطن والمستفيدين، وخاصة أنّ المفهوم التنموي أصبح مفهومًا شاملًا مؤخرًا، ولم يعُد قاصرًا على الاهتمام فقط بالشكل التقليدي المنبثق من منظومة النمو المرتبط بقضايا ومعاناة الأفراد والمجتمع من شح المصادر والموارد الاقتصادية، بل نجد كذلك بأنّها اهتمت بضرورة إنجاز تغييرات بنيوية ومؤسسية لزيادة توفير الموارد للمجتمع والفرد، فالاهتمام لم يعد يقتصر على إنشاء رأس مال اقتصادي، ولكن أيضًا رأس مال قيمي ثقافي واجتماعي ورمزي .
* المقتضيات الدستورية الهادفة الى تحقيق الحكامة الجيدة
1 تنظيم المرافق العمومية ، “يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني ، والاستمرارية في أداء الخدمات. تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور .
حيث يظهر من هذا الفصل أنه يؤكد أولا على أن تنظيم المرافق العمومية يجب أن يتم وفق المعايير التالية .
كما وضع المشرع في هذا الفصل الدولة كطرف يراقب مدى خضوع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، كمبدأ جاء به الدستور .
2-تكريس القيم الديمقراطية : وذلك بتنصيص المشرع في الدستور على ضرورة خضوع المرافق العمومية للمعايير المتفق عليها منها الجودة ، في تقديم الخدمات و الشفافية و النزاهة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
3-ارتباط المسؤولية بالمحاسبة : بمعنى خضوع المرافق العمومية للمراقبة و التقييم من خلال الدستور على أنه “كل شخص يمارس مسؤولية في القطاع العام منتخبا كان او معينا يجب ان يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون تصريحا كتابيا، بالممتلكات و الأصول التي في حيازته بصفة مباشرة او غير مباشرة بمجرد تسلمه لمهامه و خلال ممارستها و عند انتهائها” .
ومن أجل التطبيق السليم و الأمثل لهذه المبادئ المشار اليها اعلاه، يجب وضع معايير موضوعية و شفافة لاختيار المرشحين في الأحزاب السياسية، باعتبار المسؤول المحلي الغير المؤهل و الغير المتمسك بالأخلاق و السلوك القويم لن يطبق و لن يكرس حكامة جيدة في تسييره الإداري، وضمان احترام حق المواطن في الحصول على المعلومة من المرافق الإدارية، باعتبارها وسيلة لمراقبة و تتبع الصفقات العمومية و المشاريع التنموية من طرف المواطن ، واعتماد سياسة صارمة لمكافحة الفساد و المفسدين ،باعتبارهم المعرقل الأول و الأخير في التنمية المحلية و الوطنية .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
استاذ اللسانيات الحديثة المقارنة / الأردن
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-03-2022 10:08 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |