حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,25 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2799

الرشاقة المؤسسية وتجنب الأزمات

الرشاقة المؤسسية وتجنب الأزمات

الرشاقة المؤسسية وتجنب الأزمات

10-03-2022 03:30 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د . خالد الوزني
في العالم اليوم أزمات متعددة، ولعلَّ أحدثها ما يشهده العالم من تبعات الحرب الدائرة بين روسيا وأكرانيا. في الأزمات دوماً هناك متأثرون مباشرون، وهنا متأثرون ثانويون، ليس لهم دورٌ إلا في تلقِّي صدمات التغذية الراجعة من تلك الأزمات. بيد أنَّ العالم تعلَّم دروساً كبيرة عبر تاريخه، وتعلّم كثيراً من جائحة كورونا الأخيرة التي ما زالت تعصف بالاقتصاد العالمي بتبعاتها، ذلك أنها حتى اليوم، أعادت ترتيب التعامل مع سلاسل التزويد، وجعلت من تعطيل أو تَعطُّل الخدمات اللوجستية، خاصة النقل البحري، مدعاة للفوز والخسارة، فهناك فوز القائمين عليه بعوائد كبيرة، من خلال تعطيل أو تعطُّل جزء مهم من أسطول النقل البحري، وما تبعه ذلك من رفع في أسعار النقل البحري، وفي الوقت ذاته توفير في المصاريف التشغيلية، خاصة في مجال العمالة، والإشراف، والصيانة، واستهلاك الطاقة. وهناك خسارة المستهلك الأخير، بسبب إرتفاع كُلف النقل، والمناولة، وجشع بعض التجار في إغتنام فرصة إضافة هوامش ربح غير حقيقية، بحجة إنّ الكُلف العالمية قد تضاعفت. رشاقة الحكومات تُمتَحن في الأزمات، هذه هي القاعدة التي لن يختلف عليها اثنين ممن يتعاملون بجدية بمفهوم الرشاقة المؤسَّسية الحكومية، والتي تقوم أساساً على قدرة الحكومات على التعامل مع الأزمات، وحساب المخاطر، ليس وقت حدوثها، بل بشكل مسبق، بالدرجة الأولى، ولدى بروز إرهاصاتها بالدرجة الثانية. وبالتطبيق على الأزمة القائمة بين أكرانيا وروسيا، وعلى حدود المجموعة الأوروبية، وبغض النظر عمّن شجَّع، وحمّس، ونَكَز، وحفّز، ووسوس بها، فإنها قائمة، وقد كتبت مقالاً في بداية العام، ضمن قراءة معطيات الصورة العالمية، أنَّ العالم قد يواجه أزمة صراع روسي أكراني، وأنَّ أسعار النفط، قد تصل إلى 125 دولار للبرميل، وقد تتجاوز 150 دولار في مرحلة لاحقة. فالحكومات الرشيقة تُعِدُّ العدة للتعامل مع الأزمة بمفهوم تحليل وتحديد، المخاطر، ومن ثمَّ تخصيص الموارد اللازمة للتعامل معها، بما يساعد على تجنُّبها، أو تجنب أثارها، قبل أن تدعو إلى حسن إدارتها. ذلك أنَّ الرشاقة الحكومية تُحتِّم العمل ضمن مفهوم تجنُّب حدوث الأزمات، قبل أن تتباهى، أو تتفاخر الحكومات بحسن إداراتها إن وقعت. وتجنُّب آثار الأزمات لا يعني منعَ حدوثها، ذلك أنَّ كثيراً من الأزمات خارج نطاق سيطرة الدول، بيد أنَّ المُخطِّط الفَطِن الرشيق، هو ذاك الذي يُحلِّل المخاطر، ويضع السياسات المتعددة لتجنُّب وقوع الأزمات الفرعية، أو المتأتية عن أزمة عالمية، إن صحَّ التعبير، ويعمل، على أقل تقدير، على تخفيف آثارها على الدولة وعلى المواطن. وذلك ضمن أسلوب عرفه العالم منذ زمن طويل، وطبَّقته الجيوش منذ القرن السابع الميلادي، وتطوَّر ليصبح علماً مستقلاً تحت مُسمّى "علم أنظمة الإنذار المُبَكِّر". اليوم نحن أمام العديد من المُعضلات والأزمات، بعضها من تبعات جائحة كورونا، التي ما زالت تعيش معنا، بالرغم من السيطرة بشكل أفضل على تبعاتها الطبية، وبعضها الآخر تفرضه الأزمة الروسية الأوروبية، ولا أقول الأكرانية، وبعضها يتعلَّق بطمع وجشع بعض أوجه قطاع الخدمات اللوجستية، الذي استفاد أو استغل الوضع العالمي بين كورونا والأزمة الروسية الأوروبية، وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ بعضها يعود لاستغلال نفوذ بعض التجار لمواقعهم ومعرفتهم بالأسواق ليحصلوا على الربح السريع. والمحصِّلة أنَّ الحكومات الرشيقة، حتى تلك التي تقع في بؤرة الصراع والأزمة، استطاعت أن تُخفِّف آثار الضغوط العالمية على اقتصادها، فكان نصيبها من ارتفاع الأسعار، وانقطاع السلع، وصعوبة الوصول إلى الأسواق، والتضخُّم، أقل بكثير من اقتصادات أخرى لم تقم بدورها الرشيق المتوقع منها، عبر سياسات تجنُّب الأزمات، باستخدام أساليب وتقنيات الإنذار المُبكِّر. والغريب أنَّ العديد من دول العالم المتقدِّم، لم تعد من الرشاقة بمكان، فكان نصيبها، ما أصاب العديد من الدول النامية، من التضخُّم، وارتفاع الكُلف، وازدياد المديونية، وارتفاع العجوزات المالية، والأكثر غرابة أن تكون دول مثل بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، ضمن هذه المنظومة غير الرشيقة من الحكومات. أمّا الدول النامية والأقل نمواً فمعظمها خارج السياق وخارج الزمان، فالكثير منها يتفاجأ بكل شيء، حتى أن بعض الحكومات في المنطقة العربية يتفاجأ حتى بحلول شهر رمضان كل عام، فتجد إنّ المخزون الاستراتيجي للسلع لم يتم التخطيط له، وضبط الأسعار يتسم بالضعف الشديد، خاصة وأنّ التعامل مع معضلات ارتفاع الأسعار تحكمه شفافية وقوة أو ضعف الجهاز الرقابي الحكومي. أما مسألة الاعتماد الذاتي على النفس، أو الاعتماد المتبادل مع الآخرين فهي في أدنى مستوياتها. وفي النهاية فإنَّ الدولة المعنية بأنظمة إنذار مُبكِّر هي تلك التي تؤمن بأهمية الرشاقة المؤسَّسية الحكومية القائمة أساساً على القدرة على اتخاذ القرار بمرونة عالية، وفي الوقت المناسب، وعلى وجود بنية تحتية وفوقية رشيقة، وخاصة في مجال الإجراءات والقوانين والأنظمة العامة، وعلى توافر نظام تعليمي يعزِّز فكر الريادة والابتكار، وعلى بنية رقمية متطورة تعتمد على البيانات الكبرى، وأخيراً وليس آخراً، على ارتباط عالمي بأفضل التطبيقات الدولية، ورؤية عالمية تتجاوز حدود معزوفة الموارد المحددة، والإمكانات المتواضعة.











طباعة
  • المشاهدات: 2799
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم