سرايا - أحداث عديدة هزت الحرم المكي عبر العصور، وسنعرض لكم من خلال التقرير ادناه ابرز هذه الاحداث والتي كان منها اختفاء الحجر الأسود والهجوم على أحد أئمة الحرم.

في مايو 2021 انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حادثة لاقتحام أحد الأفراد منبر إمام الحرم الشيخ «بندر بليلة» أثناء خطبة صلاة الجمعة وبينت التحقيقات الأولية أن الجاني مواطن في العقد الرابع من العمر، و وكان يذكر بأنه «المهدي المنتظر» وتم وعرضه على لجنة طبية متخصصة للتأكد من قواه العقلية.


لم تكن هذه الواقعة هي أول ما يشهده الحرم المكي مثلما اعتقد الكثيرون وإنما مر قبل هذا بحوادث شديدة ودامية في بعض الأحيان تجعل من هذه الإجراءات مجرد إجراء بسيط مقارنة بتلك الحوادث ففي 2020 وبسبب تفشي فيروس كورونا في العالم إلى اتخاذ اجراءات من قبل المملكة العربية السعودية بخصوص مناسك العمرة والصلاة في المسجد الحرام كإجراء احترازي للحد من انتشار المرض وأعلنت المملكة في 5 مارس عن إيقاف الطواف بصحن الكعبة وقصر الطواف من خلال الساحات المحيطة بالصحن بجانب إغلاق المسجد بعد صلاة العشاء بساعة وإعادة افتتاحه قبل صلاة الفجر بساعة بجانب عدم السماح بالاعتكاف أو الافتراش وإغلاق مشارب ماء زمزم وكانت المملكة قد اتخذت اجراءً سابقًا بتعليق العمرة حتى إشعار آخر لحين الوقوف على آخر مستجدات انتشار الفيروس الغامض في العالم وتسببت هذه الإجراءات في حزن ملايين المسلمين حول العالم الذين أحزنهم رؤية صحن الحرم المكي وهو خالي من المعتمرين.


وفي نفس العام اقتحمت سيارة مقادة بسرعة جنونية، بوابات الحرم المكي واصطدمت بالموانع الحديدة المتواجدة هناك وتخترقها، قبل أن تصطدم بأحد الأسوار الحادث وقعت نتيجة انحراف السيارة أثناء سيرها بسرعة عالية بأحد الطرق المحيطة بساحة المسجد الحرام ولم ينتج عن الحادث إصابات وتم القبض على السائق الذي ظهر بحالة غير طبيعية.


وبالعودة إلى أولى الحوادث التي وقعت عام 251 هـ - 866م بعد هجوم إسماعيل بن يوسف العلوي الخارج على الدولة العباسية على مكة واستباحة دماء الحجاج وقتل أعداد كبيرة منهم فيما سُمى بـ "مذبحة صعيد عرفة" وتم تلقيب إسماعيل العلوي بلقب السفاك من جرم ما اقترفه، حيث عطل الحج آنذاك لأول مرة في تاريخ الإسلام لكن استكمل في العام التالي بعد وفاة إسماعيل السفاك بشكل مفاجئ وظن المُسلمون أن القيامة ستقوم من هول ما حدث بعد استباحة الحرم المكي خاصة أنه لم يحدث مثل هذا الأمر منذ عهد أبرهة الحبشي قبل الإسلام.

لكن بعد 60 عامًا من هجوم السفاك في عام 317 هـ - 930م قام القرامطة وهم أحد الفرق الإسماعيلية الشيعية المتطرفة بجريمة كبرى لم يسبقهم إليها أحد بقيادة شخص يدعى أبو طاهر الجنابي هاجم القرامطة الحرم المكي يوم الثامن من ذي الحجة والحرم مكتظ بالحجاج لأداء فريضة الحج قبل يوم من وقفة عرفات وارتبكوا مذبحة شنيعة في قلب الحرم وقتلوا جميع الحجاج ثم ألقوا عدد كبير من الجثث في بئر زمزم! ثم نزعوا كسوة الكعبة ومزقوها وخلعوا باب وميزاب الكعبة وهدموا القبة المبنية على زمزم ثم اقتلعوا الحجر الأسود من مكانه وقاموا بتكسيره قائلين .. أين الطير الأبابايل ، أين الحجارة من سجيل !


وقام القرامطة باستباحة دماء سكان مكة بعد ذلك وقتلوا أغلب سكانها حتى وصل عدد القتلى في ذلك اليوم إلى خمسين ألف مُسلم في جريمة لم تشهد مكة مثلها ثم أخذوا معهم الحجر الأسود إلى بلادهم و تعطلت فريضة الحج في ذلك العام واستمرت الفريضة معطلة لمدة 10 أعوام حتى عام 327هـ -939م لكن استمر اختفاء الحجر الأسود لمدة 22 عام حيث أخفوه في البحرين وفشلت كل المحاولات لاسترجاع الحجر من قبل العباسيين وعرض الخلفاء العباسيون على القرامطة مبالغ وثروات كبيرة مقابل استرجاع الحجر لكن رفضوا كل العروض.


وفي عام 339 هـ - 951م وبعد تهديد متواصل من الخلفاء الفاطميين بالمغرب العربي امتثل القرامطة وأعادوا الحجر الأسود لكن بعدما قاموا بتكسيره وتفتيته حيث لم يتبقى منه إلا عدة قطع تقارب حجم كف اليد و قام المسلمون بعمل حجر من الجص بحجم الحجر الأسود وغطوه بطبقة خارجية سوداء وألصقوا القطع المتبقية بها ليتمكنوا من وضعه في الكعبة ولا زال هذا الحجر مستمرًا حتى يومنا هذا بعدما ضاع الحجر الأصلي على يد القرامطة.

لم تكد مناسك الحج تعود لوضعها الطبيعي حتى أتى عام 357 هـ -968م وتم تعطيلها ثانية بسبب انتشار مرض يدعى "الماشري" بمكة والمناطق المحيطة بها وكان يتسبب بموت البشر والحيوانات فتعطل الحج خوفًا من زيادة تفشيه حتى تم القضاء عليه.


سبب آخر تسبب في تعطيل الحج عام 492 هـ - 1099م وهو الصراعات السياسية والعسكرية بين الدويلات الإسلامية في تلك الفترة لينعدم الأمن والأمان في طرق الحجاج.


وبين أعوام 500-700 هـ تعطل الحج أكثر من مرة بسبب اندلاع الصراعات بين المسلمين وبين أعدائهم من الصليبيين والمغول وعدم وجود أي أمان في طرق الحج وسقوط عدد من الممالك الإسلامية في أيدي الصليبيين والمغول بجانب سقوط الخلافة العباسية في تلك الفترة، وبعد عام 700 هـ وعودة الاستقرار للعالم الإسلامي بعد استرداد جميع المناطق من الصليبيين والمغول وعودة الخلافة لم تتعرض مكة لأي أحداث عطلت الحج باستثناء بعض المرات التي شهدت تفشي عدة مرات لكن لم يتم تعطيل الحج بشكل كامل.


وفي العصر الحديث شهدت الحرم المكي حدثين كبيرين أبرزها سيول مكة التي ضربتها سيول شديدة للغاية عام 1941م تسببت في غرق الكعبة وارتفاع المياه لأمتار عالية حتى كادت أن تغطي الكعبة بالكامل، ملأت المياه ساحة الحرم المكي تمامًا حتى أصبح أداء الطواف بالكعبة مستحيلًا بأي طريقة باستثناء السباحة حول الكعبة، في الوقت الذي تمكن فقط من يتقن السباحة من الطواف حوال الكعبة كان تقبيل الحجر الأسود مقتصرًا فقط على من يتقن الغطس وحبس أنفاسه لعدة دقائق في أغرب طواف للحج في القرن الماضي هز هذا الحدث المملكة بل والعالم الإسلامي بأكمله حيث تخوف المسلمون من إلحاق المياه بالضرر بالكعبة أو أن تتهدم جراء السيول.


تسببت السيول في تضرر الحجاج بجانب إغراق البيوت المحيطة بالحرم وتعسر إتمام الطواف والصلاة على المصلين والمعتمرين لكن تمكنت المملكة من إصلاح الأضرار وتهيئة الحرم لأداء الفريضة المقدسة للحجاج والمعتمرين خلال فترة قصيرة.

لكن جاء عام 1979 ليقع حادث يعيد لأذهان المسلمين ذكريات الأحداث الدامية التي وقعت من قبل القرامطة حيث كان هذا أول هجوم مُسلح على الحرم والحجاج منذ قرون طويلة، مع حلول فجر أول أيام عام 1400 هـ الموافق 20 نوفمبر عام 1979 فوجئ المصلون بالحرم المكي بقيام شخص يدعى جهيمان العتيبي، باقتحام ساحة الحرم وإعلان سيطرته عليه.

حيث تمكن جهيمان من السيطرة على الحرم بمساعدة 200 شخص مسلح تمكنوا من المرور من قوات الأمن بإخفاء الأسلحة في أكفان موتى تمكن جهيمان وأتباعه من حصار الحرم لمدة أسبوعين كاملين قامت السلطات السعودية خلالها بالتفاوض معهم من أجل سفك الدماء في أكثر بقاع الأرض قدسية لدى المسلمين، ادعى جهيمان أن الشخص المصاحب له والذي يدعى محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر وأن على الجميع اتباعه.


لكن أحد رجال العتيبي قام بقتل أحد رجال الأمن السعودي لتقرر السلطات السعودية مهاجمتهم حقنًا لمزيد من الدماء حصلت قوات الأمن السعودي على فتوي تجيز لهم مقاتلتهم في الحرم المكي ليشتبكوا مع رجال الجهيمي ويسقط قتلى من الجانبين حيث استشهد 17 رجل أمن سعودي وأصيب عدد آخر منهم، و تمكنت قوات الأمن من إسقاط قتلى وضحايا من رجال الجهيمي لكن أدى مقتل القحطاني إلى تغيير مجرى الأحداث حيث أدى لإرباك رجال الجهيمي متسائلين كيف يموت المهدي المنتظر ليقرر بعضهم الاستسلام.

قامت قوات الأمن السعودي بالسيطرة تمامًا على الحرم والقبض على رجال الجهيمي وتحرير كافة الرهائن في يوم الـ 4 من ديسمبر عام 1979 ثم أعدمت جهيمان ورفاقه في يوم 9 يناير عام 1980، الحادث لم يهز المملكة وحدها فحسب وإنما هز المسلمين في شتى بقاع العالم ولامس قلوبهم لخصوصية الحرم المكي الذي يعد المكان الأكثر قدسية بالنسبة للمسلمين.


وقع حادث آخر عام 1987م حيث قامت مجموعة كبيرة من الحجاج الإيرانيين الشيعة بتشكيل مسيرة صاخبة أشاعت الفوضى والاضطراب بين الحجاج ليتم عرقلة حركتهم وتعسرت أداء المناسك عليهم بسبب التظاهرات.


خاطب الأمن السعودي الحجاج الإيرانيين سلميًا لإفساح الطريق للحجاج لكن أصروا على مواصلة المسيرة تجاه الحرم ليتدخل الأمن ويمنع الآخرين من الإصطدام بالإيرانيين المتظاهرين حرصًا على سلامة الطرفين، قام الحجاج الشيعة فجأة بمهاجمة رجال الأمن بالعصي والحجارة وقاموا بالإعتداء عليهم ليضطر الأمن السعودي للتصدي لهم وتفاقمت الاشتباكات بينهم حتى قتل 402 شخص من الطرفين وأصيب أكثر من 640 شخص، و هزت الأحداث المملكة نظرًا لعدد الوفيات والإصابات الكبير بجانب تأثيرها على العلاقات السياسية مع إيران.


أحداث هزت الحرم المكي عبر العصور.