13-03-2022 10:11 AM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
مع استمرار نمو الأمن السيبراني كسلاح قوي وفتاك وباعتباره جانباً مهماً من جوانب الأمن القومي، ومع تزايد أهمية الهجمات الإلكترونية كإجراءات هجومية، من المٌهم بشكل متزايد معرفة كيفية فهم الدول اليوم للإجراءات الهجومية والدفاعية السيبرانية وإعطاء الأولوية لها ، وآثار هذه الآراء على الأمن الدولي، وفهم كيف تؤثر الأحداث التي تقع في العالم اليوم على إحتمال الصراع السيبراني في المٌستقبل القريب .
ومع تزايد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية، يقوم المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية بفحص وتعيين درجات المخاطر في خمسة فئات وهي : وجود قوة سيبرانية منظمة وواعية، والدوافع المٌحتملة لمٌهاجمة الهدف، وعدم الخوف من التداعيات، واتساق الهجوم الإلكتروني مع إستراتيجية الأمن القومي الشاملة للبلد، ونقاط الضعف التكنولوجية في الهدف، والنتيجة كانت ارتفاع درجات الخطر بين روسيا وأوكرانيا إلى أعلى مستوى ممكن وهي درجة 25 من أصل 25، وتٌشير هذه الدرجة حسب المؤشر إلى التوغل الروسي في أوكرانيا وإلى تاريخ روسيا في الهجمات السيبرانية الناجحة على الحكومة الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى ممارسات الروس المٌستمرة لتجربة تقنيات القرصنة الجديدة بكافة اشكالها.
وثمة نموذجان يمكن القياس عليهما لكيفية وقوع هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا: هما التوغل في جورجيا عام 2008، واحتلال شبه جزيرة القرم عام 2014، وفي كلتا الحالتين، كانت العمليات العسكرية الروسية على الأرض مسبوقة بمعلومات مٌضللة في وسائل التواصل الاجتماعي المنشورة وهجمات الحرمان من الخدمة على شبكات الكمبيوتر، وتم تحديد هذا النهج في العقيدة العسكرية الروسية التي تصف الحاجة إلى تنسيق الأنشطة العسكرية وغير العسكرية بما في ذلك الحرب السياسية والاقتصادية وحرب المعلومات واستخدام قوات العمليات الخاصة لإثارة المعارضة الشعبية لحكومة الخصم.
ويطلق على هذا النهج اسم " الحرب المٌختلطة "، واستخدمته روسيا بنجاح في إحتلال شبه جزيرة القرم وحسب المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI)، فإن لدى روسيا خبرة في الهجمات السيبرانية وبث الدعايات والرسائل التي يمكن أن تؤثر على استقرار الحكومة الأوكرانية، ولطالما استخدمت موسكو المعلومات المٌضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الإلكترونية المتقطعة على شبكة الكهرباء الأوكرانية، وتم شن هجمات إلكترونية قصيرة ولكنها خطيرة على شبكة الكهرباء بين عامي 2015 -2016 وهذا يُشير إلى أنهم يعرفون كيفية استغلال نقاط الضعف في البنية التحتية لأوكرانيا، وفي الفترة التي سبقت التوغل الروسي فقد تسببت الهجمات الإلكترونية في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع فضلًا عن الهجمات على البنية التحتية الحيوية الأخرى التي تدعم حكومة أوكرانيا واقتصادها ، وكل هذا هو جهود روسية لبذر الاضطرابات الشعبية بوسائل مٌختلفة، وكل هذا يٌشير إلى أن روسيا تستخدم قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها في جورجيا وشبه جزيرة القرم، وقد لا تنجح في اوكرانيا.
ومن المعروف أن القدرات السيبرانية تستخدمها الدول كأداة لإدارة علاقاتها الدولية، وترى أن أهم وظيفتين تؤديهما الهجمات السيبرانية هما: إعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية عبر تحقيق أهداف الدولة بشكل مباشر، بالإضافة إلى ما يطلق عليه "الإشارة"، أي إرسال إشارات إلى الخصم لدفعه إلى تغيير سلوكه بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة.
ويدرك المختصون أهمية الهجمات السيبرانية في اختراق البيانات وأجهزة الحاسوب المتصلة، ونظم الشركات الإستراتيجية والحيوية للبنية التحتية، كالبنوك وشركات الطاقة والمياه والكهرباء والاتصالات والسدود والقنابل النووية والأقمار الصناعية، فكل ما هو متصل بالشبكة العنكبوتية قابل للاختراق والتحكم، فضلا عن أن أهم ميزات الهجوم السيبراني صعوبة تحديد مصدر الهجمات، وقد تمتد هذه الهجمات لتتعدى مصالح أوكرانيا ودول حلف الناتو، فمجموعة صغيرة العدد من "الهاكرز" أصحاب القدرات العالية يمكنهم فعل ما لا تفعله جيوش كاملة، وقد أظهرت موسكو بالفعل أنها قادرة على شن هجمات لها أثر كبير في الفضاء السيبراني وأرض الواقع في الوقت نفسه.
وتعدّ روسـيا من أوائل الدول التي اسـتغلت الفضاء السيبراني في المجال العسـكري، واهتمت بالبحث والتطوير لزيادة قدراتها الهجومية في هذا المجال. وتعتمد الإستراتيجية الروسية في نزاعها مع أوكرانيا على الأسلحة الإلكترونية الهجومية باعتبار أنها قوة مضاعفة في الحروب، بمعنى أنها تزيد من القدرات القتالية للدولة إذا ما استُخدمت إلى جانب قدرات عسكرية أخرى، كما تعتمد هذه الإستراتيجية على محاولة تعطيل البنية التحتية المعلوماتية للخصم والاتصالات المدنية والعسكرية له قبل الشروع في العمليات العسكرية، وأبرز مثال على ذلك تلك الهجمات التي اتهمت موسكو بشنّها في عام 2008 على جورجيا قبل توجيه ضربة عسكرية ضدها.
لقد استُهدفت أوكرانيا بهجمات سيبرانية عدة، في ظل تصاعد وتيرة الحرب بين كييف وموسكو، فالسلاح السيبراني موضوع العديد من الأسئلة لأنه جديد تماما في اللعبة الجيوسياسية، والأخطر فيه أنه على عكس الحروب العسكرية القديمة، لا يعترف بالحدود، ويمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بسهولة وينتشر بسرعة في جميع أنحاء المعمورة، وقد يتسبب في خسائر بمليارات الدولارات في العالم بأسره ، وعدم قدرة كثير من الدول عن الدفاع عن نفسها في خضم هذه الهجمات السبيرانية وحربها .