15-03-2022 09:20 AM
سرايا - سلطت الروائية صفاء حطاب في روايتها "النبطي المنشود" الضوء على كنوز التراث الثقافي والتاريخي العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه بعض الأقطار، إلى طمس الهويات، وهدم الحضارات، وسرقة الذاكرة والتاريخ، وتشكل جبهة ثقافية في مواجهة لصوص الآثار.
تؤكد صفاء الحطاب في روايتها أن مدينة البترا وبـُناتها من الأنباط العرب، وحضارتهم التي لا تزال تبهر العالم، وتحمل إليهم العديد من الأسرار، بجهود أبنائها الباحثين عن المعرفة، ومنهم الباحث الاستثنائي مأمون النوافلة الذي ألهم الكاتبة بجهوده البحثية غير المسبوقة في علم الفلك الآثاري في مدينة البترا الأثرية والنتائج العلمية المذهلة التي توصل إليها كتابة رواية (النبطي المنشود)، تقديرا لجهوده وجهود كل الباحثين المخلصين المؤمنين بعظمة مدينة البترا وكونها جزءا من الإرث الحضاري الإنساني، مع تأكيدهم على أنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من الأبحاث العلمية، وإلى كثير من الروايات التاريخية، دون أن تنسى الكاتبة الإشارة إلى تمازج الثقافات والفنون اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية في تنوّع رائع.
وضمن حمولتها الفكرية التنويرية، تقول بطلة رواية صفاء:"نحن معا في مواجهة من يهضم حقنا، في إثبات ما وصل إليه أجدادنا، من علوم ومعارف أغنت الحضارة الإنسانية".
ويقول بطل الرواية معمر:"أنا أعلم بأنّ مهمّتنا ليست سهلة، لكني سأبقى الباحث الذي لا يملّ، حتى أنهي قراءتي للمكان، وسيكون جلدي على البحث وتدبّري لما أقرأ، مصدرًا للثّقة بنفسي وقدرتي على فهم ما يدور حولي بطريقة مغايرة. وثقتي بنفسي ستحولُ بيني وبين الغرور، وفهمي سيحول بيني وبين كل جاهل"
وتتنقل الروائية عبر صفحات روايتها بين الآثار النبطية في أكثر من دولة عربية، وذلك بعد اكتشاف ميناء نبطي كبير في تبوك السعودية، أعادنا إلى أمجاد الأسطول العربي النبطي، وبعد اكتشاف منقلة فلكية على رأس الهرم الأكبر، عدا عن اكتشاف قبة فلكية في معبد»دندرة»في الأقصر بمصر، كالتي في قصر عمره الأثري، وقبل ذلك كله حديثها عن سرقة بوصلة نبطية من صحراء سيناء كانت في المتحف المصري الكبير في ميدان التحرير.
وضمن سعيها لإعادة كتابة الرواية التاريخية عن حضارة الأنباط، فقد جعلت صفاء بطلي روايتها:"معمر"و"سونيا إمام"يشاركان في أكثر من مؤتمر محلي وعربي وعالمي، حول آثار الأنباط وعلم الفلك، والآثار والتكنولوجيا، وغيرها من الموضوعات التي حمل أحد أبحاثها عنوان»الحضارة المصرية القديمة تحفة الحضارات الشرقية"، وحمل آخر عنوان" الآثار والتراث الفلكي في الحضارات القديمة".
تعتمد هذه الرواية، على رؤية ميتافيزيقية، تقوم وراء النص السردي وتسنده، وهي أعمق من مجرّد السـرد، لأنها لا تقتصر على كونها لونًا أدبيًا غرضه الحكاية، وإنما هي محور هام في تدوين التاريخ وحفظ تفاصيله الجزئية، دون أن تقع في التسجيلية، فالروائية تؤمن أن التلاقي بين السرد التاريخي والفن الروائي ناتج عن كونهما يؤدّيان الوظيفة الاجتماعية الثقافية نفسها، ألا وهي إشباع الرغبة الإنسانية في المعرفة، ويمثّل السّرد عند صفاء نوعاً من المعرفة، فهو لا يعكس ما يحدث، بل يكتشف ويخترع ما يمكن أن يحدث، وهو لا يحكي عن مجرد تغيّرات في الحالة، بل يفسرّها ويشكّلها بحيث تعطي دلالاتها المتعدّدة، يتضح ذلك من حديثها عن النبطي القادم من المستقبل، وعن نجوم سماء البترا وهي تقدم أجمل عرض يمكن أن يراه بشر.
والسرد عند "صفاء الحطاب" عرض لسلسلة من الوقائع مشروطة بهدف، ويتجاوز وصف الوقائع للدخول في عالم الخيال، في الوقت الذي يتضمن فيه موضوعاً متّصلا، ويشكّل كلا متكاملا.
وحافظت الروائية على خصوصية الأدب الملتزم بقيمنا وعاداتنا أخلاقنا، فلم تسمح لبطل وبطلة الرواية رغم نومهما وحدهما في كهوف البترا الأثرية المظلمة، وفي الفنادق المصرية الفخمة، من الوقوع في المحظور، وقدمتهما للقارئ بصورة إنسانية خالصة، فقد قالت ما تعرفه المرأة عن بنات جنسها، مما لا ينتبه له الرجال:"ربطت شعرها الأسود الجميل كالمعتاد، إلا أنها عدلت عن الأمر، وقررت أن تتركه ينسدل على ظهرها، ويحيط بوجهها الجميل".
ومن المؤكد أن على الأدباء والكتاب مسؤولية فكرية وثقافية في تشكيل المشهد الحضاري، لما للأدب من دور مهم في بناء وجدان المتلقي والعمل على جعله شريكا فاعلا في الفعل الحضاري الإنساني.
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا