16-03-2022 03:43 PM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
تٌشير الدراسات إلى إن عسكرة الشرق الاوسط ، وٌمفاقمة الحروب والتوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط والتهافت لمٌشتريات دولها من الأسلحة، والتي قفزت بشكل جنوني خلال سنوات قريبة وبنسبة زادت عن 103%، خلال الفترة والتي ارتفعت لغاية 2018 ، لتستأثر وحدها بثلث الصفقات التسليحية التى تم تسويقها عالميا، والتى استحوذت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على ما يناهز 98% منها، فى الوقت الذى رفعت إسرائيل عدد رؤوسها النووية إلى 90 او يزيد ، في حين أطلقت قمرها التجسسى الجديد " أفق 16" إلى الفضاء ، فضلاً عن التفوق التكنولوجي والرقمي .
وبينما يأتى هذا المنحى الشرق أوسطى ضمن سياق توجه عالمى محموم نحو التسلح والعسكرة، فقد صادف أيضا تحولات لافتة فى طبيعة الصراعات وشكل النزاعات التى تجتاح المنطقة، من الاقتتال على الأرض إلى التناحر حول مصادر المياه وموارد الطاقة فى البر والبحر، خصوصا بعد الدعم الامريكي لاسرائيل، فيما تشهد مسارح العمليات بالمنطقة تعاظما ملحوظا فى الاعتماد على المنظومات التسليحية الدقيقة والذكية والأكثر فتكاً كالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، علاوة على الطائرات المٌسيرة بدون طيار، الاستطلاعية منها أو القتالية.
وتتسم تلك المنظومات القتالية بسمات استراتيجية مٌثيرة، بداية بتواضع كلفتها، مرورا بقدرتها الفائقة على تحديد أهدافها بسهولة قبل أو أثناء الطيران، وإصابتها بدقة بالغة. وخلافا للطائرات الحربية التقليدية، بمقدور المسيرات تنفيذ عمليات نوعية خاطفة بكثير من الدقة وقليل من المخاطرة، حيث يصعب رصدها من قبل الرادارات الثابتة لصغر حجمها وتحليقها على ارتفاعات منخفضة وعدم انتاجها بصمات حرارية أو صوتية تتيح رصدها وتعقبها.
وان نظرة على الاضطرابات الناجمة عن النزاعات المٌشتعلة بالإقليم أن تولد فئة انتهازية جديدة، تعرف بأثرياء الحروب، قوامها أبطال اقتصاديات الظل من تجار الدم، وأمراء الحرب وقادة الميليشيات المٌسلحة، والعصابات الإجرامية، والمرتزقة وعناصر التنظيمات الإرهابية، والمتلاعبين بأسواق صرف العملات، وأصحاب التوكيلات التجارية المتورطين فى الأنشطة المشبوهة وغير المشروعة كاحتكار الأغذية والأدوية وتجارة الآثار والرقيق الأبيض والأعضاء البشرية وتهريب المهاجرين والأسلحة والمشتقات النفطية.
فقد اعترت النزاعات المسلحة فى المنطقة نقلة نوعية من نمط الحروب الشاملة بالأصالة عبر الجيوش الوطنية النظامية، إلى استراتيجية الحروب بالوكالة، التى تعتمد فى الأساس، على أذرع عسكرية وميليشيات ومرتزقة، تأتمر بأمر الحكومات وتتلقى الدعم المالى والتسليحى واللوجيستى منها، حيث تحول العالم إلى الاستعانة والتجنيد والتدريب واستخدام المرتزقة، بعدما جردتهم من صفة المقاتل وحرمتهم من حقوق أسرى الحرب، تبارت بعض الدول فى خوض غمار مغامراتهما العسكرية الخارجية من خلال الميليشيات والأذرع العسكرية الطائفية المؤدلجة ، والموالية لبعض الدول، فبينما ارتكنت دول بعينها على بعض الاذرع لتقوم بالقتال بالانابة عنها اودخول حروب بالوكالة، وتحولت دول اخرى من استراتيجيتى صفر مشاكل، والعزلة الثمينة، اللتين كانتا تتجنبان التورط عسكريا خارج الحدود، إلى عسكرة سياستها الخارجية وتبنى استراتيجية التدخل العسكرى من خلال الحروب بالوكالة مما اضطرها إلى الاستعانة بالمرتزقة والميليشيات، حيث شرعت بعض الدول المتنافسة فى نقل آلاف المٌرتزقة من مٌختلف الميليشيات للقتال الى جانب بعض الجيوش في القتال إلى جانب تلك الدول.
وقد ادت العسكرة في الشرق الاوسط إلى عدد من التداعيات والتعقيدات المأساوية لمشاركة المرتزقة والمليشيات فى المٌعترك الليبى، او اليميني او العراقي او السوري الامر الذي ساهم فى تعقيد النزاع الليبى وتقويض احتمالات تسوية النزاع السوري سلميا، كما خلف تداعيات كارثية على السكان المحليين، كما هو جار اليوم في اليمن ،وقد تمدد نشاط وعمليات تلك المٌرتزقة والمليشيات خارج الشرق الاوسط للقتال الى جانب الدول المٌتحاربة كما يجري اليوم في اوكرانيا مما يٌشكل نوعا من التعقيد في القتال الدائر بين الدول هناك ، ويزيد في اطالة امد المعارك ، فيما يظهر تعقيد اخر عندما ان تضع الحرب اوزارها في كيفية اخراج تلك المليشيات والمرتزقة من داخل هذه الدول التي جنحت للسلم .