16-03-2022 09:43 PM
سرايا - كتب -علي سعادة- كان ذلك في عام 1975 عندما اقترح المخرج الراحل مصطفى العقاد أن يبدأ تصوير مشاهد النجم أنتوني كوين في فيلم "الرسالة" بحجة التعلم منه، لكن أنتوني كوين فضل أن يشاهد الفنان عبد الله غيث وهو يبدأ التمثيل في النسخة العربية من الفيلم بدور حمزة بن عبد المطلب.
وقف كوين مذهولا أمام أداء عبد الله غيث، وأيضا النجمة اليونانية الشهيرة وقتها إيرين باباس (هند بنت عتبة في النسخة الإنجليزية).
وقتها قال كوين قال: " لو كان عبد الله غيث في أوروبا أو أمريكا لكان له شأن آخر" وأيدته باباس بقولها: " عبد الله غيث فنان عالمي على مستوى عال ".
يقول عمر الشريف عن فيلم الرسالة وأداء عبد الله غيث: "أنتوني كوين ممثل كويس، لكن عبد الله غيث كان هايل فى الفيلم، وأنتوني كان بيخلى عبد الله غيث يمثل الأول ثم يقوم هو بتمثيل الدور من بعده، كان بيتفرج عليه وياخد منه".
الفيلم صور في نفس الوقت بنسختين عربية وإنجليزية بنفس الديكور والمناظر مع تغيير في المجاميع والأبطال، وفي المقابل قام كوين بدور حمزة في النسخة الإنجليزية.
عبد الله غيث الجاد والحاد كان تلميذا شقيا يهرب من المدرسة ليذهب إلى السينما والمسارح والحفلات الصباحية، وظل بعدها يعمل بالزراعة ويشرف على أرضه إلى أن انتقل إلى القاهرة والتحق بمعهد الفنون المسرحية، وتتلمذ على يد شقيقه الفنان حمدي غيث الذي عمل أستاذا بالمعهد بعد رجوعه من بعثته بباريس.
عبد الله غيث كان يرى في شقيقه حمدي بمثابة الأب فهو الذي حببه في الفن والمسرح، يقول:" كان أستاذ لي على المستوى الأكاديمي، وهو أول من قدمني للجمهور، فقد كان المخرجون يحجمون عن إسناد أدوار لي اعتقادا منهم بأنني دخلت الفن بواسطة أخي، ودون موهبة حقيقية، ولكنه أصر على تقديمي".
حصل عبد الله غيث على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1955. بدأ عمله في المسرح القومي بأعمال كلاسيكية مترجمة وصلت إلى مئات المسرحيات، وكثيرا ما كانوا يرشحونه للأدوار الصعبة.
وعرف عنه أنه أفضل من قدم المسرح الشعري في العالم العربي، ورشحه عميد المسرح يوسف وهبي ليخلفه على خشبة المسرح، وبكت عليه جيهان السادات عندما مات في مسرحية "الوزير العاشق".
حتى عبد الحليم حافظ في قمة نجوميته وافق على المشاركة في فيلم "أدهم الشرقاوى"، كنوع من المجاملة، بصوته فقط، احتراما لفن عبد الله غيث وقال العندليب عن ذلك : "لم أغن في أي عمل بدون ظهور صورتي كبطل سوى في فيلم أدهم الشرقاوي من أجل عبد الله غيث".
رغم أن بعض المهتمين يفضلون الأغنية بصوت محمد رشدي بسبب الطابع الشعبي لسيرة أدهم الشرقاوي، لكن المخرج حسام الدين مصطفى اختار عبد الحليم لأسباب إنتاجية استغلالا لشهرته كنجم كبير في إنجاح العمل.
رفض غيث التنازلات الفنية ليظل أحد أبرز نجوم المسرح العربي طوال خمسين عاما.
لذلك لم يشارك إلا في عدد قليل من الأفلام أشهرها: "أدهم الشرقاوي" و"حكاية من بلدنا" و"السمان والخريف" و"جفت الأمطار" و"الحرام" و "لا وقت للحب"، و "رابعة العدوية"، و"ثمن الحرية".
ويرجع سبب قلة أفلامه إلى عدم استعداده لتقديم أي تنازلات وكان يدقق في ما يختاره ويناسبه من الناحية الفنية فظل يمارس الفن بروح الهواية، كما أنه لم يكن يخلط بين حياته الفنية وحياته الأسرية، فعزل أسرته عن فنه تماما.
أما في عالم التلفزيون فقد اشتهر في العديد من المسلسلات أولها مسلسل "هارب من الأيام" و "الصبر" و"الثعلب" و"المال والبنون" و"محمد رسول الله" و"الحرية" و"الكبرياء تليق بالفرسان" وآخرها "ذئاب الجبل".
لم يحاول استغلال علاقته مع الرؤساء وكبار السياسيين في حل أزمة مسرحيته "الحسين شهيدا"، والتي منعت لأسباب سياسية ودينية، رغم أن المخرج عدل فيها بناء على اقتراح الأزهر.
عرف عنه براعته في تقديم الأدوار الصعبة والمركبة على الخشبة، مع أدائه المعبر بمخارج الألفاظ السليمة وإجادته لمهارات الإلقاء والتمثيل بالفصحى، وتميز بقوته في الأداء والقدرة على تجسيد وتقمص أي شخصية، فهو الفارس المقاوم أدهم الشرقاوى، وهو الوزير العاشق، وهو حمزة عم الرسول في "الرسالة"، وعباس الضو في "المال والبنون"، وعلوان أبو البكرى في "ذئاب الجبل".
لم يكن عبد الله غيث يتردد كثيرا على الأطباء أو المستشفيات لذلك كان اكتشاف إصابته بسرطان الرئة والكبد في مراحلهما الأخيرة وكان وقتها يعمل في مسلسل "ذئاب الجبل" وفي مسرحية "آه يا غجر" تحامل على نفسه حتى انتهت المسرحية ولم يستطع إكمال أربعة مشاهد من "ذئاب الجبل"، وأثناء وجوده بالمستشفى فوجئ بوفد ليبي ينوب عن الرئيس معمر القذافي يبلغه بأن هناك طائرة طبية خاصة تنتظره لنقله إلى أي بلد في العالم للعلاج، لكن كان قد فات الأوان، ورحل عبد الله غيث في 13 أذار 1993.
حلمه انحصر في شيئين: الفلاحة والفن، فقد كان يعشق الريف ولا يجد نفسه على حقيقتها إلا في قريته وهو يرتدي الجلباب بعيدا عن المظاهر والشكليات بعد أن تقلد منصب العمدة خلفا لوالده، وحين أعلن قبوله العمودية أشعلت الأضواء في قريته فرحا.
وحين قتل في معركة أحد، لا زلنا نعتقد حتى اللحظة بأنه حمزة بن عبد المطلب، وكان يتملكنا الغضب ونحن نرى هند بنت عتبة، الفنانة منى واصف، تنظر إليه شامتة.
حسنا إنه حمزة بن عبد المطلب يا هند.
وللمصادفة كان عبد الله غيث هو من قدمها للعقاد للعب دور هند بعد أن التقي بها والمخرج جلال الشرقاوي في مهرجان دمشق المسرحي .