17-03-2022 09:15 AM
سرايا - قبل أسابيع قليلة، أعلن وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس: "تنتظرنا تضحيات مؤلمة"، ثم اختفى عن المشهد.
لاحقاً وبالتزامن تقريباً بدأت ورشة العمل المنتظرة في الديوان الملكي تحت عنوان التفكير والعصف الذهني لمحور الإصلاح الاقتصادي وعلى أساس تحرير الإمكانات لتحديث المنظومة الاقتصادية.
غاب الوزير العسعس عن المشهد بعدما صوت مجلس النواب على ميزانيته المالية، ولم يشرح الطاقم الاقتصادي الوزاري للشارع الأردني ما هو المقصود بالتضحيات المؤلمة التي تنتظر الأردنيين حتى بعدما قدموا العديد من التضحيات المؤلمة على هامش الاشتباك الوطني مع معركة الفيروس كورونا.
مفارقة
رئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة الوزير ناصر الشريدة، قليل الكلام عموماً، لكن لا أحد يعرف بصورة محددة ما الذي يفعله مع طاقمه، لأن الحكومة كانت للتو قد وضعت ما سمي قبل أشهر بخطة الأولويات الاقتصادية، فيما الوزير الشريدة خرج بتصريح واحد متفائل بمستقبل الاقتصاد الأردني أيضاً دون شرح وتفصيل لأسباب ذلك التفاؤل، ملمحاً لاستثمارات في الطريق كان قد ألمح لها أربعة وزراء سابقون للخطيط أيضاً لكنها لم تأت.
«ورق» إرشادي مترجم مجهول المصدر
المفارقة الأهم أن الشارع الأردني خارج الصورة ولا يملك أي تفاصيل لا عن أسباب إفراط رئيس الطاقم الوزاري الاقتصادي بالتفاؤل، ولا عن أسباب وتفصيلات التضحيات المؤلمة القادمة. المعنى واضح؛ فالحكومة لا تقول للناس هنا على أي أساس تتفاءل ولا ما هي نتائج وكلفة التضحيات الأليمة التي ستنتج عما يسميه علية القوم بالإصلاح الاقتصادي الهيكلي، حيث تغيرت بجهد استثنائي من وزير المالية العسعس كل أنماط وتقاليد التعاطي مع ملفي الضرائب والجمارك وبجرأة تحسب للوزير، مع أن التقاليد الجديدة التي حافظت على مصداقية البلاد وأسست لتوازن مع صندوق النقد الدولي يعلم الجميع أنها ستسقط وببساطة عندما يغادر العسعس موقعه في أول تغيير أو تعديل وزاري.
في كل حال، وسط هذا النمط من التداول وتشتت الأفكار وتلعثمها وتبعثرها اقتصادياً، ولدت ورشة العصف الذهني التي تستهدف تحت لافتة الديوان الملكي وبقوته الدستورية والسياسية تحديث المنظومة السياسية. هنا تحديداً برزت أسئلة وملاحظات لا أحد يجيب عليها. على سبيل المثال، هل وضعت خطة أولويات الحكومة الاقتصادية الطازجة على رف المتحف بمجرد انطلاق ورشة التفكير الذهني؟
الانطباع وسط 300 خبير في القطاعين العام والخاص تم توزيعهم على 15 لجنة فرعية ويعصفون ذهنياً بالمسائل البيروقراطية والإجراءات الاقتصادية والاستثمارية، الانطباع هو أن وثيقة بعنوان الإصلاح الإجرائي الاقتصادي ستنتهي بها هذه النقاشات، وأنها واثقة ومدعومة بقوة، لا بل قيل بوضوح إنها عابرة للحكومات، وهو ما قاله أيضاً رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
يعني ذلك ضمنياً وفرضياً، أن الحكومة المقبلة من حيث هوية الاختيار والانتقاء ستغادر عن تشكيلها المألوف في التشكيلات الوزارية.
لكن لم يعرف بعد – وذلك أحد أبرز الإشكالات – كيف وعلى أي أساس ستختار القيادات الجديدة من خارج النمط التقليدي، حيث المحاصصة وتمثيل المحافظات والمكونات والقبائل، وحيث حمى الشللية الوزارية. بعيداً عن استعجال الأمور، ثمة وثيقة على شكل منهجية مفصلة قيد الولادة.. هذا نبأ سار قياساً بتعقيدات التضحيات المؤلمة المطلوبة من الناس.
لكن النبأ نفسه سيكون ساراً أكثر إذا ما أوضح الـ 300 منتدى الآن عملياً وليس فقط إجرائياً ولفظياً، كيفية إلزام حكومات المستقبل بالوثيقة الجديدة. وإذا ما أجاب القوم على سؤال يسقطه قصداً من الحسابات المعنيون الآن: عند الانتقال إلى حكومة حزبية كما قيل في تحديث المنظومة السياسية.. هل ستبقى وثيقة التحديث الاقتصادي ملزمة أيضاً؟
سؤال – «لغم»
للإجابة على السؤال «اللغم» قد تحتاج السلطات المنظمة للفك والتركيب إلى تدخل عبثي في هندسة وبناء أحزاب سياسية جديدة وظيفتها الانسجام مع المعايير التي ستحددها اجتماعات ورشة العمل المثيرة. في الأثناء، برزت ملاحظات بانتظار التعمق والتوضيحات. لوحظ مبكراً بأن اجتماعات تنسيقية سبقت ورشة العمل التي أمر بها القصر الملكي، انتهت إلى وضع بروتوكول مكتوب، على أساس أنه يمثل وصفة إرشادية تسبق النقاشات وتساعدها.
الأمر الذي قد يعني التورط مجدداً في تداعيات وإشكالات الأوراق المترجمة مجهولة الأب والمصدر، مع أن خبراء غامضين أجانب في مجال الاستشارات وبناء الهياكل وتدقيق الحسابات شاركوا في التحضيرات التي سبقت العصف الذهني. لوحظ أيضاً بأن وزراء الحكومة الذين انضموا لـ15 لجنة فرعية في النقاشات لا يعلمون بصورة تفصيلية ما الذي يجري، لا بل بعضهم ظهر بأنه خارج الوصفات الاسترشادية، وقاوم بعضهم الآخر بعض الاقتراحات مبكراً، دلالة على أنهم في المضمون السياسي الأبعد المطلوب خارج الصورة، فيما توزعت عضوية بعض اللجان على وزراء سابقين متعددين كانوا دوماً سبباً في الإشكالات والتحديات، ومن الصعب الإيمان اليوم بأن الحلول والمعالجات ممكنة عبرهم.
اصطدم النقاش مرات متعددة بالاعتبار الأمني تحديداً، وهي مسألة تحتاج إلى تدخل جديد على صعيد الإرادة السياسية؛ فمثلاً عندما ناقش المعنيون تطوير الاستثمار السياحي بات واضحاً أن المطلوب من المؤسسة الأمنية التراجع إلى الصفوف الخلفية في الجزئية المتعلقة بصعوبة تحقيق استثمارات سياحية حقيقية مع بقاء وصمود ما يسمى بقيود التأشيرات.
القدس العربي