حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,8 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 14059

السيادة الجوية

السيادة الجوية

السيادة الجوية

19-03-2022 09:21 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور احمد الحسبان
يتحاذق الكثيرون من المحللين السياسيين والعسكريين الجدد، ممن لم يخبروا قواعد وأصول التحليلات العلمية الواقعية، يتحاذقون في تحليلاتهم لمجريات الامور وتوقعات المستقبل، ويضعون افتراضات الحروب أبعد ما تكون عن المنطق، وبدون ادراج ما يثبت صحة فرضيتها، معتقدين (خطأ) ان ما يكتبونه لا يتم تقييمه من القراء، ظانين أن ذوو الاختصاص لا يقرأونه ولا يتابعونه، ولكن الجميع يقرأ ويحلل ويقارن، ولكن ليس مطلوب من القارئ اثبات عكس فرضية اتى بها كاتب ما، فالبينة على من ادعى، ومع ذلك، فسرعان ما تسقط فرضياتهم المزعومة لمجرد ورود كلمات مفصلية، مبنية على غير المفاهيم المعروفة لدى مبتدئي علوم السياسة ونظرياتها، والعلوم العسكرية وفنونها. ومن ذلك ما يلاحظ من ذكر مفهوم (السيادة الجوية) في بعض التحليلات المنشورة هنا وهناك جهلاً لا سهواً، بينما قلما يذكرها المحللون الخبراء في تحليلاتهم العلمية الواقعية، لأنهم يعرفون ماهيتها جيداً، فما هي السيادة الجوية تعريفاً، وما الفرق بينها وبين مفهوم السيطرة الجوية، ومفهومي التفوق الجوي، والتعادل الجوي؟ وما هو الوضع في حرب اوكرانيا حيال ذاك، علماً ان كل هذه الحرب قد لا تعني للقارئ شيئاً بشكل مباشر، ولكنه يفاجئ بسماع مفاهيم مخطوءة، وجب تصحيحها وايضاحها.

بدايةً؛ يكاد مفهوم السيادة الجوية لطرف مقاتل على خصمه أن يكون مستحيل التطبيق واقعاً، وهذا المفهوم اصطلاحا يعني حرية الطيران العالي والمنخفض لطرف مهاجم فوق أرض خصمه بدون وجود أية مقاومة جوية او ارضية من ذاك الخصم، وانعدام المقاومة يشمل انعدام تواجد جميع انواع اسلحة الجو والارض، حتى يقال انه يفترض ان لا تطلق رصاصة واحدة باتجاه السماء من المقاومات الارضية قد تسبب اسقاط الطائرات في تحليقها المنخفض، وهذا بطبيعة الحال مستحيل، فقد حاولت أمريكا تطبيقه في افغانستان على مدار ٢٠ عاما من احتلالها لها وفشلت في ذلك، لوجود صواريخ كتف مع رجال المقاومة الافغانية قد تسقط طائرات ولو من رؤوس الجبال اثناء طيرانها المنخفض، وبهذا ينتفي هذا المفهوم اطلاقاً، فكيف ستحققه روسيا فوق أوكرانيا ولا زالت الحرب في بدايتها، ولن يتحقق حتى في نهايتها، الا اذا ابيدت وحييدت جميع المقاومات الارضية الاوكرانية وبجميع اسلحتها المتوسطة والخفيفة!! فهذا المفهوم يكاد يشبه الحالة المثالية التي كنا ندرسها في معادلات الفيزياء التي تفترض أن قوة الاحتكاك صفرا في الفراغ، وان الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، ولكن تتحول من شكل لآخر في النظام المغلق، الخالي من الضياع لها لشكل ثالث. بالعربي هذا المفهوم يعني ان تطير الطائرات الطرف السيد او السائد بكامل حريتها بلا خوف من اسقاطها لأي سبب كان.

يليه نزولاً السيطرة الجوبة، وفيه يحيد الخصم خصمه من كل الطائرات على الاقل، فقد تبقى فرصة مقاومة الطائرات الارضية بمختلف انواعها عاملة وفعالة، وهذا ممكن تطبيقه في حال تحييد جميع طائرات الخصم، كقصف جميع المدارج (قصف مؤثر بالثلث الاول والثالث من كامل طول المدرج، بحيث يمنع الاقلاع لاي طائرة) ، او انزال جميع الطائرات اثناء القتال الجوي، او قطع امدادتها او تحييد اي عامل يمنع طيرانها، والامثلة علي ذلك كثيرة، ومنها ما حدث في حرب ١٩٦٧، حيث تم تحييد سلاح الجو المصري قبل بدء الحرب بقصف المدارج والطائرات على أرضها.

يسبق ذلك تسلسلاً، التفوق الجوي، وهذا يعني ان احد الخصمين حقق تفوقاً عدديا او تكنولوجياً على خصمه في الطيران الحربي، مما يعني ان كلا السلاحين الجويين قادرين على الطيران ولكن احدهما أقوى من الاخر كما ونوعاً، وسرعان ما تنتهي هذه الحالة الى سيطرة جوية لصالح احد الطرفين بعد فترة وجيزة، يعتمد طول الفترة او قصرها على مدى قوته في تحييد طائرات خصمه ومنعها من اشغال مسرح العمليات الجوية. وأخيرا ويسبقهم جميعاً التعادل الجوي، وهذا يحدث عندما تكون القوتان الجويتان متعادلتين كما ونوعا بالجهد الجوي في مسرح العمليات. وعليه قد تكون روسيا - بإرادتها - قد حققت تفوق جوي متقدم في حربها مع الاوكران، ولو ارادت سيطرة جوية لفعلت، ولكن ان تحقق سيادة جوية فهذا من المستحيل، لكن بوتين أذكى من أن يعرف له أسلوب لتحقيق أهدافه، فهو لم يستخدم كامل قوته الجوية بهذه الحرب.

وبالخلاصة، لو أخذنا سيناريو افتراضي لحرب جوية بين خصمين، فهي تبدأ بتعادل جوي قد يليه تفوق جوي لأحدهما قبل الاخر، وفي كلا هاتين الحالين تكون القوتان الجويتان قادرتين على الطيران بطائراتهما الحربية، وبعدها قد تحقق القوة المتفوقة جوياً حالة من السيطرة الجوية اذا تم تحييد كل طائرات خصمها عن الطيران مع احتمالية بقاء المقاومات الارضية ولو بأدنى انواعها. ولكن من المستحيل جدا ان تصل الى تحقيق (سيادة جوية) ولو محلية على الخصم الا اذا مات كل من هو قادر على اطلاق رصاصة بالجو قد تؤثر على طيرانها المنخفض، او نفذت كل ذخيرتهم، او فقدوا كل اسلحتهم الفردية.

وعليه؛ لا أعتقد ان اي تحليل عسكري او سياسي يحمل كلمة (السيادة الجوية) في اي صراع بين أي دولتين او كيانين - لا اعتقد بصحته بتاتا، وشخصيا لا أود اكمال قراءته، لأن من لا يفرق بين المفاهيم المبينة أعلاه وهي من البديهيات، والمتوفرة بأبسط مبادئ الحرب الجوية من مصادر مفتوحة، ومراجع غير محدودة، فتحليلاته ستكون حتما بعيدة عن المنطق والصحة، ولا تستحق متابعة القراءة، وكما يقال؛ ما اسكر قليله فكثيره حرام. فلم اكمال الخوض بما لا يُعلم بأساسياته، لمجرد محاولة كاتبه الشهرة وحب الظهور وتضليل القراء، وهذا للاسف يتكرر في وسائل التواصل الاجتماعي لانعدام رقابة الكتابة وتحريرها، في زمن نحن أحوج به لزراعة أرضنا قمحاً لخبزنا، وذرةً لزيتنا، وأملاً لمستقبل اطفالنا، من حاجتنا لتحليلات (خاطئة)، لحربٍ لا ناقةَ لنا فيها ولا بعير. ولم يطلب منا فيها رأيٌ ولا تحليلٌ ولا نفير.

الدكتور احمد الحسبان.








طباعة
  • المشاهدات: 14059
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-03-2022 09:21 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
هل أنت مع عودة خدمة العلم بشكل إلزامي؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم