20-03-2022 09:08 AM
سرايا - أصدرت وزارة الثقاقة مؤخرا كتاب "حكايات شعبية من الرمثا" تظهر فيه الرمثا كمركز إشعاع إنساني وحضاري، يلتئم فيه شمل حكايات القرون القديمة والوسطى، والتي تعود أصولها إلى الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين، وتمثل الشقيقتان عيدة وحمدة هربيد الزعبي، جامعتا ومعدتا هذه الحكايات، تمثلان شهرزاد «ألف ليلة وليلة»، التي أنقذت بنات جنسها بخاصة، والبشرية بعامة، من الفناء.
أربعة وثلاثون حكاية، تنتصر للخير في مواجهة الشر، وللنور في مواجهة الظلام، وللمحبة والسلام في مواجهة العدوان، وتهيئ للبشرية، قبل اكتشاف كل وسائل التقنية الحديثة، سبل الخلاص والنجاة مما تهيأ للعقل البشري في لحظات غيبوبته، واستسلامه للغيلان والعفاريت والجان والسحرة.
تـُـعظـّم هذه الحكايات من مكانة ودور الخيال البشري، وهو يُحلـّـق في دهاليز الكون المظلمة، في الآبار، وفي المغارات والكهوف، وحتى القصور، والغرف الموصدة،وأعماق البحار، مُسلطا عليها كشـّافاته التنويرية، لينقذها من الفقر والمرض والعدوان بأبشع صوره، ويحقق لها آمالها وتطلعاتها بالعيش الهنيء والسعيد، فلكل معضلة، ولكل معجزة، حلها، ففي الحكاية يحيا الميت، ويشفى المريض، ويتحدث الحيوان، وتنكشف أسرار البيوت، وحتى الحمل إن لم يتم، فثمة تفاح للحبل، وإن لم تجد الأنثى مكانا تختبئ فيه، فيمكنها أن تصنع لنفسها لعبة خشبية تختفي فيها، وكأنها حصان طروادة، وتسمى حينها(إخشيشبون)، وما أجمل الحكايا حين تتداخل ببعضها، فتتألف الحكاية من مقطع قادم من الشرق، وآخر مصدره الغرب، فتغدو لليلى والذئب، أكثر من قصة، وأكثر من حكاية، لكل منها شكلها ومضمونها، هذا عدا عن التشبيك الذي يتم في الحكايات بين معطيات الدين والموروث والميثولوجيا.
لقد أدى الرواة الشعبيون في الرمثا دورا مهما في إطلاع الشقيقتين حمدة وعيده الزعبي على مضامين وتفاصيل الحكايا، ولكنهما بذلتا جهدا مضاعفا في تحويل هذه الحكايات من العامية إلى الفصحى، ومن عالم الخرافة والإسطورة و»أدب اللامعقول»إلى قصص فني له مقوماته الجمالية، والسحرية، المشوقة، والجذابة، والمدهشة، والمملوءة بالمشاهد السينمائية، واللوحات التشكيلية البصرية، والفوازير، والمفاجآت، والصدمات التي تجعل كل خلية في جسد القارئ تقشعرّ وهي تطالع قسوة الطبيعة وأهلها على ما استسلموا لظروفهم القاسية، بل والتي لا يمكن أن تخطر على بال بشر لعنفها وشدّتها، وما أحلى لحظات الفرج حين يأتيهم بغتة.
والمهم، بل والمهم جدا في هذا الكتاب، البحث المنشور في أوله حول أدب الحكايات الشعبية، فهو أفضل مرجع للقراء حول هذا الصنف من الأدب، يضاف إلى ذلك، جهد الأديبتين حمدة وعيده في تنقية حكايات هذا الكتاب، من كل ما يمس الأقانيم الثلاثة (الدين والسياسة والجنس)، إذ لا تكاد لا تخلو حكاية شعبية مما يصطدم مع هذه الأقانيم، ودورهما في تقديم حكايات مملوءة بالحكم والمواعظ وخلاصة التجارب،التي تجعل القارئ الفرد، والمجتمع بأكمله، يـَعتبر مما مضى لغيره ولا يكون عبرة لمن يعتبر.
لقد كادت الحكايات الشعبية أن تفقد مكانتها بعد الربع الأخير من القرن العشرين، ولا سيما بعد انتشار السينما والتلفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعي، فقبل ذلك، كانت الحكايات تحضر في كل ليلة، ولا ينام الصغار دون الإصغاء إليها، وللشقيقتان عيده وحمده الزعبي، فضل إيقاظ تلك الحكايا من سباتها، وإعادتها إلى الصدارة، من الرمثا التي اشتهرت بأنها معبر للتجارة الدولية، لتغدو، مكانا تتفاعل فيه الثقافات، وتتواصل فيها الحضارات.