21-03-2022 08:03 PM
سرايا - سجلت الكويت درجات حرارة شديدة الارتفاع الصيف الماضي، حتى أن الطيور سقطت نافقة من السماء، وهلكت أحصنة البحر في الخليج، وشوهد المحار نافقا على الصخور وأصداغه مفتوحة كما لو كان طهي بالبخار.
ووصلت درجات الحرارة في الكويت إلى 53.2 درجة مئوية، مما يجعلها أسخن مكان على سطح الأرض.
ويعتبر تغير المناخ من التحديات الوجودية في كل أنحاء العالم، غير أن الموجات الحارة التي تضرب الكويت كل موسم بلغت حدا لا يطاق مع الوقت.
ويرى علماء أنه بحلول نهاية القرن، قد يصبح التواجد في أماكن مفتوحة تهديدا لحياة البشر، وليس فقط للطيور.
وتشير دراسة حديثة إلى أن 67 في المئة من الوفيات بسبب الحرارة في العاصمة الكويتية، مرتبطة بتغير المناخ. ومع هذا، فإن الكويت لا تزال بين أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، وبالتالي فهي من أكبر ملوثي البيئة.
ووقفت الكويت، التي تعاني شللا سياسيا، صامتة في الوقت الذي انضمت فيه بلدان نفطية في المنطقة إلى الدول التي تضع أهدافا للقضاء على الانبعاثات.
وبدلا من اتخاذ خطوة جديدة، جدد رئيس الوزراء الكويتي "تعهدا قديما" بخفض الانبعاثات بنسبة 7.4 في المئة بحلول عام 2035.
وتعليقا على ذلك، تقول مستشارة البيئة سامية الدويش: "نحن نواجه خطرا محدقا"، لافتة إلى أن "رد الفعل شديد التحفظ، لدرجة أنه لا معنى له".
أما السعودية والإمارات، فتسعيان للتخفيف من الانبعاثات ومكافحة تغير المناخ، وتنويع مصادر دخل اقتصاديهما، فتروج السعودية لمدن خالية من السيارات، وتخطط دبي لحظر البلاستيك ومضاعفة أعداد المتنزهات الخضراء.
ورغم أن الأعداد الصغيرة لسكان دول الخليج الغنية بالنفط تعني أن تعهداتها بخفض الانبعاثات تعتبر ضعيفة الأثر في إطار المنظومة الكبرى للحد من الاحتباس الحراري، فإن لها أهمية رمزية.
ومع هذا فإن الكويت، التي يقطنها 4.3 مليون نسمة، لا تتحرك، ويرجع هذا في جزء منه إلى الضغط الشعبي في البرلمان، وفي جزء آخر إلى كون السلطات التي تتحكم في الانبعاثات، تعتمد في مداخيلها بشكل شبه كامل على ضخ النفط الكويتي.
ويقول رئيس لجنة البيئة البرلمانية حمد المطر: "الحكومة لديها المال والمعلومات والقوى العاملة لصناعة الفرق"، لافتا إلى أنها "لا تكترث بالقضايا البيئية".
وتستمر الكويت في حرق النفط من أجل توليد الطاقة، وهي صاحبة واحد من أعلى نسب الانبعاثات الكربونية في العالم للفرد الواحد، وفق "معهد الموارد العالمية".
وبينما ينصهر الأسفلت (الزفت) في الطرق السريعة تحت أشعة الشمس الحارقة، يتجمع الأشخاص في المراكز التجارية، بحثا عن أجواء لطيفة البرودة.
وتمثل الطاقة المتجددة أقل من 1 في المئة من الطلب، وهو أقل بكثير من الهدف الذي وضعته الكويت عند 15 في المئة بحلول عام 2030.
وعلى بعد ساعة بالسيارة من محافظة الجهراء، يمكن رؤية توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية وسط رمال الصحراء، وهي مشروعات تمثل "أوج الطموح الكويتي" في التحول بمجال الطاقة. ولكن بعد نحو عقد من الزمن، أصيبت خطط حكومية تتعلق بالطاقة الشمسية بالشلل.
في البداية، حقق "مجمع الشقايا" للطاقة المتجددة نتائج فاقت التوقعات، وفق ما كشف عنه مهندسون. وكانت المحطة هي الأولى في الخليج التي تجمع ثلاثة أنواع من الطاقة المتجددة، الشمسية، والرياح، والحرارية الشمسية، فوضعت الكويت في الطليعة. ونجحت الكويت في توليد الطاقة من الرياح، وأنتجت طاقة أكثر بنسبة 20 في المئة بالعام الأول، وفق المعهد الكويتي للبحث العلمي.
لكن التفاؤل سرعان ما تبخر، عندما قررت الحكومة التخلي عن التحكم في المشروع، من أجل جذب أموال القطاع الخاص، في خطوة غير مسبوقة، تسببت في طرح الكثير من الأسئلة القانونية، حول إمكانية بيع "المطورين" للكهرباء إلى "المزود الوحيد" للطاقة في الكويت.
وبدلا من دفع المشروع الناجح بمصادره المتنوعة لتوليد الطاقة إلى الأمام، قام المستثمرون بتخصيص بقية المجمع لإنتاج الطاقة الحرارية الشمسية، وهو الاختيار الأكثر تكلفة. وتبع ذلك أعوام من الإرجاءات والمناقصات الملغاة، وما زال مستقبل المشروع مبهما.
"اتخذ المسؤولون قرارات خاطئة" وفق وليد النصار، عضو المجالس العليا للبيئة والتخطيط والتنمية، مضيفا: "لم يتخذ أحد خطوة أو أراد أن يفهم. الجميع يقول (...) دعونا نفعل ما كنا نفعله في السنوات السبعين الماضية".
ولم يخل مجال إنتاج الغاز الطبيعي من الصراعات، فرغم أن الغاز الطبيعي يتسبب في انبعاث غازات مسببة للاحتباس الحراري بشكل كبير، فإنه أكثر نظافة عند احتراقه مقارنة بالفحم والنفط، وربما يلعب دورا كبيرا في تقليل انبعاثات الكربون في الكويت.
ولا تزال احتياطيات الكويت البالغة 63 تريليون قدم مكعبة من الغاز، أي 1 في المئة من الإجمالي العالمي، غير مستغلة إلى حد كبير.
ويشار إلى أن الحقول المشتركة مع السعودية فيما تعرف "بالمنطقة المحايدة"، مغلقة منذ سنوات، حيث يتنازع البلدان على استخدام الأراضي.
وكثيرا ما يعطل البرلمان المنتخب - الذي يعتبر نفسه مدافعا عن الموارد الطبيعية للكويت ضد الشركات الأجنبية ورجال الأعمال الفاسدين - التنقيب عن الغاز. ولطالما سعى المشرعون إلى تحدي سلطة الحكومة في منح عقود الطاقة المربحة، واستدعوا وزراء النفط للاستجواب للاشتباه في سوء الإدارة وعرقلة المشروعات الكبرى.
وكذلك، يرتدي المجلس التشريعي عباءة الحفاظ على دولة الرفاهية في الكويت، معتقدا أن الحكومة تفتقر إلى المساءلة. ويتمتع الكويتيون بأرخص أسعار الكهرباء والبنزين في العالم.
وعندما يقترح الوزراء على الحكومة التوقف عن إنفاق الكثير على الدعم، يخوض المشرعون معركة، بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد تتحول النقاشات في البرلمان إلى شجار.
وتقول شريفة الشلفان، خبيرة التنمية الحضرية، "هذا أحد أكبر التحديات.. ينظر إليه على أنه حق راسخ لكل مواطن كويتي".
وتضيف أنه "مع الإعانات المالية السخية حتى للأثرياء، يعيش الكويتيون حياة الإسراف. وليس لدينا أي تدابير اتخذتها المدن حول العالم لتحفيز الأفراد على تغيير سلوكهم".
وأغرق الركود الكويت في "أزمة مالية تاريخية". وقفز عجز الميزانية الكويتية أكثر من 35.5 مليار دولار العام الماضي، مع انخفاض أسعار النفط.
وبينما تتنافس السعودية والإمارات على حصص سوق الطاقة المتجددة سريعة النمو، لا تعبأ الكويت بذلك التوجه.
من جانبه، يقول أحمد طاهر، مستشار الطاقة الذي يروج لنموذج اقتصادي جديد يخفض دعم الطاقة في الكويت، من خلال دعوة مالكي المنازل لشراء أسهم في مشروع للطاقة الشمسية: ”الطاقة المتجددة منطقية أكثر من الناحية المالية.. (الحكومة) بحاجة إلى معرفة مقدار الأموال التي يمكن للكويت أن تدخرها وحجم الوظائف التي يمكن أن توفرها".