27-03-2022 12:58 PM
بقلم : لما صالح
عزازيل، قواعد العشق الأربعون، موت صغير، أنا يوسف … والقائمة تطول تطول. روايات احتلت الصدارة ضمن أفضل الروايات وبعضها حاز على جائزة البوكر وغيرها من الجوائز.
روايات ليس قاسمها المشترك الأكبر أنها تاريخية وحسب بل تلك التقنيات السردية الرائعة المستخدمة واللغة الرصينة التي حيكت بها أو حتى ترجمت إليها، ما يجعل القارئ مجبرا دون وعي منه أن يتم قراءتها في أقصر مدة زمنية مهما كان طول الرواية.
والحديث عن روعة التقنيات السردية المستخدمة في هذه الروايات مجال آخر يطول تفصيله وقد يروق لدارس أن يخصص له بحثا مطولا فيجد تلك الإجابة عن سبب بقائها ضمن الأكثر مبيعا وقراءة، فيما تكاد تختلف هذه التقنيات في أسلوب استخدامها وتفعيلها في روايات أخرى.
وإذ يرى البعض أن هذه الروايات احتلت الصدارة لكونها فتحت أبوابها لصفحات طويت من التاريخ أو شخصيات لا نعرف عنها إلا النزر القليل كما في رواية فردقان التي تناولت شخصية ابن سينا، أو رواية موت صغير عن ابن عربي، معالجة باستفاضة بنسق روائي مهيب حياة تلك الشخصيات وإنجازاتها، يرى آخرون أنها كانت سببا في تراجع الرواية لأنها ظلت مغرقة في الماضي في حين أننا نفتقر إلى روايات واقعية توثق هذه الأيام بأحداثها المعيشة وأزماتها الحالية.
وما بين النقيضين، يجدر ابتداء التنبيه أن تفوق تلك الروايات واحتلالها الصدارة لا يرجع إلى موضوعاتها كما ذهب البعض وإنما للأسلوب الحكائي والتقني المتنوع الذي صيغ فيه الحدث التاريخي أو سجلت به الشخصيات التاريخية، ولو اقتصر الأمر على سرد كلاسيكي مع الموضوعات نفسها لماتت تلك الروايات في أرضها، ولعل ما يدلل على ذلك مجموعة روايات يوسف زيدان إذ أخدت رواية عزازيل الشهرة الأكثر على الإطلاق تليها النبطي وتهافت القراء على رواية فردقان كونها تحكي حياة ابن سينا، لكن المفاجأة كانت أنها أخفقت مقارنة بسابقاتها إذ قتلت الاستباقات فيما أرى على سبيل المثال لا الحصر عنصر التشويق، وكأن زيدان كان يخشى تفويت تلك الأحداث فزجها في السرد على هيئة استباقات كثيرة طغت على التقنيات الأخرى في حين غابت أساليب وتقنيات جميلة عهدناها في كتابات زيدان.
وموطن الحذر أو الخوف من هذه الروايات لا يكمن في أنها التصقت بالماضي وتعود بالأدراج إلى الخلف؛ وإنما من جيل ناشئ لا يعرف الأصول التي تكتب فيها الروايات التاريخية، ويظن ما يقرؤه في هذه الروايات صحيحا، ويأخذه مسلمات يرددها ويناقشها كأن ما قرأه كتاب تاريخ لا رواية.
والفرق هنا شاسع؛ إذ لا يعلم هواة هذه الروايات من الناشئة أن الروائي يضيف شخصيات خيالية تحرك الأحداث وتحاور الشخصية التاريخية التي هي محور الحدث الروائي، ناهيك عن إضافة أحداث خيالية كاملة، وتفاصيل ووصف بعيدة كليا عن الحدث الرئيس، وأمور أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا.
ولعل من الروايات التي أثارت تحفظي مع إعجابي بلغتها وأسلوبها رواية ( أنا يوسف ) التي توقفت كثيرا خلال قراءتها بحثا عن أصول روايات كثيرة وأحداث وتفاصيل زجت لم يأت القرآن الكريم على ذكر أي منها، ووجدت نفسي لكثرتها أتوقف بعد منتصفها عن التمحيص والتنقيب، متبقيا لي ذلك التعجب والسؤال الملح: هل يجوز أن تخضع شخصيات الأنبياء للمعالجة الروائية بما يتبعها من إضافات سبق ذكرها ؟؟ لا سيما أن الرواية كبيرة. وماذا سيحصل لمراهق يتلقى للمرة الأولى قصة سيدنا يوسف في رواية بهذا الحجم وهذه التفاصيل دون أن يسبق له قراءتها لو مرة واحدة في القرآن الكريم، ليتسنى له ملاحظة ذلك الفرق الرهيب في القصتين من حيث سرد تفاصيل التفاصيل بشخصيات وأمكنة وحوارات احتلت صفحات كثيرة في الرواية، ذكرت أخبارا عامة في سورة يوسف أذكر منها : " إن يسرق فقد سرق له أخ من قبل " وغيرها مما لا عدّ له ولا حصر، وفي المحصلة رواية جميلة بلغة رصينة وتفاصيل سردية عظيمة لكن لا تشبه أبدا ما نعرفه عن قصة سيدنا يوسف إلا في العنوانين. فما مدى دقة وخطورة تلقيها على أنها حقيقية دون البحث والتدقيق.
ورواية أخرى أذكرها سريعا هي ( فردقان ) بخطورة الشخصيات الخيالية التي حاورت ابن سينا لا سيما من النساء والهيئة التي ظهر فيها بعيدا عن كونه طبيبا عالما بما فيها من مخالفات وتشويه، وضعت لإضفاء الجانب الإنساني للشخصية. ولكن كيف كان وبأي شكل ظهر للمتلقي الناشئ.
هذا حذر واجب في تلقينا لهذا النوع من الروايات فخيالها قد يطغى على حقيقتها هي عمل أدبي لا كتاب تاريخ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-03-2022 12:58 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |