28-03-2022 10:22 AM
سرايا - في عالم يتغول فيه الإنسان على أخيه الإنسان وتصبح الحروب سبيلا لحل النزاعات على الأرض والموارد والسلطة، ووسيلة لتحقيق أوهام المجد لدى كثير من الطغاة؛ يصاب العديد منا بالصدمة من هول ووحشية آلة الموت التي تعمل على تدمير كل شيء.
مدن مدمرة بالكامل في كثير من بقاع العالم، في سوريا والعراق وليبيا وأخيرا في أوكرانيا، مدن صارت مصائد للموت وهجرها الكثير من سكانها تاركين خلفهم بيوتهم وأعمالهم وحياتهم وذكرياتهم، وفي حين أن الألم والمعاناة التي نراها مأساوية بشكل واضح، فإن النتيجة قد تكون غير ما أراده الطغاة.
في الأسبوع الماضي عقدت شركة "إنفيديا" (Nvidia) مؤتمر الـ "جي تي سي" (GTC) بمشاركة عدد كبير من شركات التكنولوجيا في العالم، حيث ركز المؤتمر على التطبيقات الواسعة الممكنة لـ"الذكاء الاصطناعي" (AI) و"الميتافيرس" (Metaverse) والطباعة ثلاثية الأبعاد أو المجسمة في المستقبل.
وشارك في هذا المؤتمر شركة "أبيس كور" (Apis Cor) وهي إحدى الشركات الفائزة في مسابقة ناسا للبناء المستقل على سطح القمر، حيث يمكن أن تستخدم التكنولوجيا التي طورتها لبناء هياكل ومبان على سطح القمر للبناء على الأرض بسرعة.
والسؤال هو كيف يمكن أن تساعد هذه التقنيات على إعادة بناء المدن المدمرة لتصبح أحد عجائب الدنيا من حيث التكيف التكنولوجي والاستخدام الذي يركز على خلق حياة أفضل للنازحين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم بعد انتهاء الحرب؟
الكاتب والباحث المختص في شؤون التكنولوجيا روب أنديرلي يجيب عن هذا السؤال في مقالة له نشرتها منصة "تيك نيوز وورلد" (TechNewsWorld) قبل أيام.
الميتافيرس
قبل الدخول إلى إجابة أنديرلي عن هذا السؤال علينا أن نعرف أن من المتوقع أن يصل سوق الاستثمار العالمي في الميتافيرس إلى نحو 30 مليار دولار خلال عقد من الزمان، وذلك كما ذكرت منصة "موتالي فول" (Motley fool) مؤخرا.
وعودة إلى الكاتب الذي يوضح أن الكثير من الناس في العالم يعتقدون أن "الميتافيرس" هي مجرد فقاعة في الهواء، أو نوع من أنواع الاحتيال، وأن الناس في النهاية سيكتشفون ذلك قبل الانتقال إلى الفقاعة التقنية التالية.
وفي الواقع، لقد اعتقد كثير من الناس ذلك في بدايات ظهور الإنترنت، ولننظر أين وصلنا الآن، وقد يكون جزء من المشكلة هي المبالغات المتعلقة بالميتافيرس، من مثل أنها ستحل محل الإنترنت الحالية، وهذا أمر مستبعد تماما على الأقل في المستقبل القريب، كما يؤكد أنديرلي في مقالته.
ومثلما كانت الإنترنت في بداياتها، فإن الميتافيرس حاليا ليست شيئا بقدر ما هي مجموعة من الأشياء غير المتصلة ببعضها إلى حد كبير.. إنها "محاكاة" لأجزاء من العالم، وتوجد هذه المحاكاة -كما يوضح الكاتب- في 3 مجالات أساسية وهي: الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت، والتدريب عن بعد، إضافة إلى محاكاة لأشياء مثل مباني المكاتب والمصانع حيث ترغب الشركات في تحسين طرق العمل من دون الحاجة للوجود الفعلي للقوى العاملة داخل مكان العمل.
في مؤتمر الـ"جي تي سي" الذي أشرنا إليه في البداية، عرضت شركة نيفادا مشروع "إيرث-2″" (Earth-2) وهو مشروع يستخدم المحاكاة على نطاق عالمي للمساعدة في مكافحة التغير المناخي والتنبؤ بالطقس بشكل أكثر دقة، ويمكن استخدام هذه التقنية أيضا لعرض كيف أن إحداث تغيرات واسعة على طرق التنمية البشرية المستخدمة حاليا يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على البيئة.
ويوضح الكاتب، أنه إذا طبقنا هذا المشروع على أوكرانيا على سبيل المثال فإن "إيرث-2" يمكن أن يوفر نموذجا يحتذى به في هذا البلد المنكوب لإنشاء مدن مستقبلية أكثر أمانا واستدامة وأقل عرضة لتقلبات الطقس والأوبئة، وأكثر قابلية للدفاع عنها ضد المهاجمين.
اختصار، يمكنهم بناء "مدن افتراضية" في أوكرانيا، والسماح للمواطنين النازحين في ذلك البلد بالوصول الافتراضي لهذه المدن، والتجول فيها حتى يتمكنوا من تجربة المستقبل، واكتساب الأمل في ذلك المستقبل، هذا إضافة إلى تقديم ملاحظاتهم الخاصة حول هذه المدن ليتم العمل بها بمجرد البدء بالبناء الفعلي، وبهذه الطريقة يمكننا إعادة بناء المدن التي دمرتها الحرب كي تكون أفضل بكثير مما كانت عليه في الماضي.
الذكاء الاصطناعي
تقوم البلدان والحكومات بصياغة إستراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي لضمان عدم تفويت الفرص التي يقدمها في المستقبل، ويتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقديم نشاط اقتصادي عالمي إضافي بحوالي 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، وذلك كما ذكرت منصة "فوربس" (Forbes) في تقرير لها مؤخرا.
ومن هنا فقد ركز مؤتمر شركة إنفيديا المذكور بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي الذي إذا تم استخدامه بشكل صحيح، فإنه سيعزز المساعي البشرية من أجل مستقبل أفضل، ويعطي قوة إضافية للقيام بأكثر مما كان ممكنا من قبل.
وهنا يؤكد الكاتب روب أنديرلي أنه عند استخدام هذه التكنولوجيا في بناء المدن المدمرة في أوكرانيا أو غيرها من الدول، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصمم وسائل نقل عام أكثر تقدما، وطرقا يتم فيها شحن السيارات الكهربائية أثناء سيرها وبدون حاجة للتوقف من أجل إعادة الشحن، وتعزيز القدرات الدفاعية الآلية التي من شأنها حماية سكان هذه المدن بقوة أكبر بكثير من ذي قبل.
ويمكن أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه في ضمان الاستخدام الأمثل للموارد، والقضاء على الهدر، وتوفير طريقة للمساعدة في اتخاذ القرار، مما يضمن أن تلك القرارات المستقبلية تستند إلى أسس جيدة على نحو متزايد وستؤدي إلى نتائج إيجابية.
وإذا طبقنا كل هذا في دولة مثل أوكرانيا -كما يوضح الكاتب- فإن من الممكن أن يصبح هذا البلد نموذجا لكيفية تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لخلق عالم أفضل وأكثر أمانا واستدامة لمواطنيه، وطبعا، أكثر مقاومة للهجوم الأجنبي، مع توفير قاعدة صناعية متطورة تحقق الازدهار للسكان.
الطباعة ثلاثية الأبعاد
تتطلب المباني المنشأة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد عددا قليلا من العمالة، وتأخذ جزءا صغيرا من الوقت كي ترتفع شاهقة في عنان السماء، وتكون أكثر مقاومة لمعظم أشكال الضرر مقارنة بغيرها من المباني التقليدية.
ويعتبر بناء القاعدة القمرية مثالا ممتازا على كفاءة هذه التكنولوجيا الذي تقوم به شركة "أبيس كور"، ونفس الشيء من الممكن أن ينطبق على بناء قاعدة بشرية على المريخ أيضا.
وهنا يوضح تيمبرلي أنه يمكن وعلى نطاق واسع استخدام هذه التكنولوجيا لبناء مساكن للاجئين بسرعة كبيرة، حيث ستوفر هذه المباني حماية لسكانها بشكل أفضل، كما يمكن استخدام هذه القدرات لإعادة بناء أوكرانيا أو أي دولة منكوبة أخرى.
ويؤكد الكاتب في نهاية مقالته أن المأساة الجارية أحداثها في أوكرانيا الآن تخلق فرصة فريدة على المدى القريب لعرض كيف يمكن استخدام التقنيات الناشئة التي تقود الثورة الصناعية الرابعة لخلق عالم أفضل، فمن خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والميتافيرس والطباعة ثلاثية الأبعاد معا يمكن إعادة بناء المدن المدمرة، وخلق مستقبل أفضل لهذا البلد وكل البلدان التي تعرضت للدمار بفعل الحروب في مختلف أرجاء العالم.