28-03-2022 03:50 PM
بقلم :
في مواجهة تفكك أساليب الحكم التقليدية بعد عام 2011، اضطرت أغلب الدول إلى إعادة بناء سلطتها على أسس جديدة، وتُعدّ اللامركزية جزءاً من هذا التحول، إذ يُكرِّس دستور بابا كاملاً لتحقيق اللامركزية. وقد وُضِع قانون لامركزية جديد ومجالس محلية منتخبة .
ومن بين أبرز ما تُنادي به اللامركزية إمكانية دفع عجلة التنمية بالاعتماد على خصوصيات كل منطقة بعينها. فعلى سبيل المثال، تتمتع العديد من المناطق الفقيرة مثل المفرق وجرش والطفيلة بتراث أثري غني وإمكانات هائلة في السياحة البيئية والفلاحة البيولوجية. من خلال منح المجالس المحلية والإقليمية المنتخبة مزيداً من الصلاحيات، من المأمول أن تتمكّن من الاستفادة من معرفتها بالاحتياجات والموارد المحلية للدفع بقطاعات اقتصادية جديدة .
تواجه المجالس المحلية معضلة تمسك الدولة المركزية بالسلطة، فيما ترفض البيروقراطية المركزية تطبيق اللامركزية المالية، على الرغم من أن الإنفاق المحلي يمثل أقل من ربع إجمالي الإنفاق العام ( منخفض حتى حسب المعايير الإقليمية، مقارنة مع الدول المماثلة ) .
يمنح قانون اللامركزية المجالس المحلية مزيداً من الصلاحيات، إلا أن الدولة المركزية تمسّكت بأغلب القوانين والتشريعات على نحو صارم ، وقد استُنسِخ هذا النمط في المغرب والأردن، حيث تطبق لامركزية جزئية - إنشاء مجالس محلية منتخبة دون إعطائها الوسائل اللازمة لتلبية مطالب المواطنين، وبالتالي إنشاؤها بطريقة تجعلها محكومة بالفشل .
ثمّة تحدٍّ آخر يتمثّل في كيفية إيجاد نظام جديد للتنسيق المستمر بين السلطات المحلية والمركزية ، نظراً إلى أن عدداً من الخدمات المحلية تُقدّم بالتشارك ما بين السلطات . قبل التحول الى اللامركزية ، كان التنسيق بين السلطات المحلية والمركزية يمر عبر (المحافظ) المعيّن من الحكومة المركزية ، الذي كان يعمل كممثل للدولة المركزية في المنطقة ، وممثلٍ عن السلطة المحلية بصفته رئيساً لمجلس المحافظة .
بموجب قانون اللامركزية الجديد، جرى تقليص سلطة المتصرف بهدف الحد من تدخل الدولة المركزية في عمل المجالس المحلية التي تتمتع بالحكم الذاتي بموجب الدستور الجديد . لكن الولّاة يحتفظون بسلطات وموارد مهمة تخوّل لهم تعطيل المجالس المحلية، مثل السيطرة على الشرطة و البلدية والمكاتب الإقليمية لجميع الوزارات وميزانية التنمية الجهوية .
نتيجة لذلك، يجد رؤساء البلديات صعوبة كبيرة في تنفيذ قرارات مجالسهم ، بينما لا يزال للمحافظين سلطة عرقلة عملهم . وبدلاً من إلغاء إشراف الوالي على المجالس البلدية والإقليمية المنتخبة، أنشأت السلطات المركزية «هيكلاً مزدوجاً متشابكاً ومعقداً» لا يزال ضمنه المسؤولون المعيّنون مركزياً يتمتعون بالسلطة لعرقلة قرارات المسؤولين المنتخبين .
تأتي عملية اللامركزية في الدول العربية استجابة لعقود من سياسات التنمية الفاشلة والتركيز المتزايد للثروة في أيدي الشبكات الزبائنية الشخصية والجِهوية، التي لم تترُك سوى القليل من الثروة لإعادة توزيعها.
وفي مواجهة تفكك آليات حوكمة ما قبل الثورات العربية ، تُجبَرُ مؤسسات الدولة في الدول المعنية الآن على تغيير طريقة عملها، وهذا يعني تغيير تعزيز وجود مؤسسات الدولة المركزية على المستوى المحلي مع تغيير أساليب عملها ، ليصبح التركيز على التعاون والدعم بصورة عمومية .
نجاح عملية اللامركزية في الأردن يتوقف على إيلاء القدر نفسه من الأهمية لكلٍّ من اللامحورية واللامركزية، فضلاً عن إجراء إصلاحات قانونية ومؤسسية تقوّض آفة الزبائنية وتُمكِّن من ظهور أشكال جديدة من التنمية يديرها المجتمع ويستفيد من ثمارها .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة / الأردن