28-03-2022 03:57 PM
بقلم : د . رياض الشديفات
بعد أن جرت انتخابات 2022م للمجالس البلدية ومجالس المحافظات لا بد من النظر إلى تلك الانتخابات من عدة زوايا مختلفة منها ما يتعلق بإجراءات الهيئة المستقلة للانتخاب ، ومنها ما يتعلق بالقانون الناظم للعملية الانتخابية ، ومنها ما يتعلق بالناخب وثقافته ووعيه تجاه الانتخاب بشكل عام والانتخابات المتعلقة بالمجالس البلدية ومجالس المحافظات على وجه الخصوص ، ومنها ما يتعلق بدور وسائل الإعلام التي رافقت ما سبق العملية الانتخابية وخلالها وبعدها ، ومنها ما يتعلق بالدروس المستفادة من هذه العملية الانتخابية ، ولتفصيل ذلك يمكن القول :
أولاً: فيما يتعلق بالهيئة المستقلة وإجراءاتها المنظمة فقد كانت واضحة تمتاز بالسهولة واليسر والدقة ساهمت في انجاز العملية الانتخابية في مراحلها المتعددة وتقويمها الانتخابي بشفافية عالية يشهد كل من عمل في اللجان الدائمة ولجان الاقتراع والفرز مما يعزز الثقة بالإجراءات المتبعة لدى الناخب والعامل في كوادر الهيئة على حد سواء .
ثانياً : فيما يتعلق بالقانون الناظم لهذه العملية ما زال القانون غير مشجع للناخبين لعدم وجود برامج تحكم عملية الترشح ولعدم اعتماد معايير واضحة لنوعية المرشح لهذه الانتخابات ، وعلى سبيل المثال اكتفاء القانون بعبارة " من يجيد القراءة والكتابة " فتح الباب على مصرعيه لكل هواة الترشح دون وجود معايير تتعلق بالخبرة والكفاءة والقدرة على العمل العام في جوانبه الإدارية والمالية والفنية مما يعني المزيد من هدر الوقت في جوانب الخدمات والتنمية والتطوير وتكرار الممارسات التي تسببت في تراجع نوعية الخدمات المقدمة ، وفي تقديري أن القانون الناظم من أسباب تدني نسبة المشاركة العامة في الانتخابات على مستوى المملكة وتحديداً في المدن الكبرى .
ثالثاً : فيما يتعلق بالناخب وثقافته ووعيه ، فلا جديد في هذا الجانب ، فالطابع العام لطريقة الانتخاب قائم على الاعتبارات العشائرية والمناطقية ، وعلى الاعتبارات الشخصية والعلاقات والمصالح ، ولوحظ غياب البرامج والرؤى لدى الغالبية من المرشحين الأمر الذي يعني عدم توقع الكثير من الإنجازات على أهل الواقع في جانب الخدمات والتنمية ، وقد يعني المزيد من محاولات التجريب على حساب الواقع الخدماتي والتنموي ، وفي تقديري أنه لا جديد في ثقافة الناخبين ووعيهم بدليل طريقة ممارسة الحق الانتخابي التي غلب عليها الحسابات الضيقة على حساب المصالح الكبرى التي ينتظرها المجتمع .
رابعاً : فيما يتعلق بالإعلام الرسمي والإعلام المجتمعي في وسائل التواصل الاجتماعي ، فمن الملاحظ تماماً أن الإعلام الرسمي قد أكثر البرامج التي تدعو إلى المشاركة في العملية الانتخابية ومحاولة اقناع الناخبين بالمشاركة الفاعلة وعلى وجه الخصوص من فئات الشباب والمرأة ، ومع ذلك هذه الجهود لم تنجح بالنسبة المأمولة بدليل انخفاض نسبة المشاركة ، وانخفاض اعداد المرشحات من النساء ، وانخفاض عدد المرشحين من فئة الشباب ، ولهذا الوضع دلالة مهمة متعلقة بمدى تأثير الإعلام الرسمي لدى هذه الفئات ، ومدى تعمق الثقافة المجتمعية المتعلقة بجانب الانتخاب ، وفيما يتعلق بالإعلامي المجتمعي غير الرسمي فالطابع الغالب عليه الصبغة العشائرية والمناطقية والشخصية مما جعله يتناقض تماماً مع الإعلام الرسمي ، فالخطاب العاطفي الذي يتبناه يشحن الناخبين بطريقة في غالبها لها تأثرات سلبية مما يتطلب إعادة النظر في منظومة الخطاب الرسمي والمجتمعي ليصب في المحصلة في الصالح العام ، وفي تحقيق أهداف المجتمع من العملية الانتخابية برمتها .
خامساً : فيما يتعلق بالدروس المستفادة من العملية الانتخابية فهناك عدة دروس من أبرزها تعزيز دور الهيئة المستقلة في إعادة الانتخابات ورفدها بالكوادر البشرية والمادية لاستمراها في إدارة العمليات الانتخابية المتنوعة ، وإعادة النظر في قانون الانتخاب بوضع شروط تتعلق بالمرشح وخبرته ومستوى تعليمه للنهوض بواقع التنمية والخدمات ، ولا يعقل تكرار شرط يحسن القراءة والكتابة لتكون مدخلاً قانونياً لهواة الترشح من غير المؤهلين في زمن الحوسبة والتقنية والمعاملات المالية والإدارية التي تتطلب الدقة والخبرة والتخصص من باب الحفاظ على المال العام ، ومن الدروس المستفادة العمل بجدية عالية على تغيير النظرة النمطية لعملية الانتخاب ، ومحاولة تغيير ثقافة الناخبين عبر برامج تتجاوز الاعتبارات الضيقة ، ويتم هذا عبر كل المؤسسات التربوية والإعلامية والمساجد ومؤسسات المجتمع الفاعلة ، ومن الضروري العمل الطويل والجاد لهذه العملية التوعوية بنفس طويل لا على طريقة الفزعة والعليق عند الغارة ، فما زالت الممارسات الاجتماعية دون المأمول بكثير .
وعلى أية حال لا بد من توجيه الشكر للهيئة المستقلة للانتخاب، والأجهزة الأمنية، والجهات الداعمة لهذه العملية باعتبارها جهد وطني يحترم ويقدر، والله الموفق والمستعان.