29-03-2022 09:41 AM
سرايا - كانت القوات الروسية تشن غارات جوية عنيفة على مدينة حلب السورية منذ ست سنوات بعد أن فرضت عليها حصاراً استمر قرابة الشهر، ما أسفر عن قتل المئات وإصابة الآلاف وتدمير معظم المدينة وتشريد عشرات الآلاف من سكانها إلى مناطق محاذية للحدود مع تركيا.
اليوم تشهد مدينة أخرى في العالم هي ماريوبول في أوكرانيا ذات الجريمة الروسية التي بدأت موسكو قبل نحو أسبوع بقصفها، حتى دمرت 90% منها، ما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف وتهجير 200-300 ألف شخص منها، وبقاء نحو 150 ألفاً آخرين محاصرين تحت نيران الغارات الروسية التي لا تتوقف.
رفض سعودي لازدواجية المعايير :
ورغم أن الأحداث ذاتها وقعت في المدينتين السورية والأوكرانية والوجع كان مشتركاً، فإن ردة فعل المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، على المجزرتين كان مختلفاً كلياً؛ فعندما واجهت مدينة حلب الموت والدمار والنيران الروسية لم يحرك العالم ساكناً، باستثناء بعض بيانات الشجب والمطالبة بضبط النفس.
وفي الحالة الأوكرانية انتفضت الدول الغربية للتحدث عن مدى بشاعة الجرائم الروسية بمدينة ماريوبول، وسارعت بتشديد العقوبات على موسكو، ودعوة العالم كله للمشاركة بهذه العقوبات، وعدم الصمت على الانتهاكات الروسية، علاوة على توجيهها الدعم العسكري والسياسي والإنساني غير المنقطع لكييف.
إضافة إلى أن قادة أوروبيين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصفوا بتصريحات لهم الرئيس إضافة إلى أن قادة أوروبيين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصفوا بتصريحات لهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الجزار".
كما أعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده ستنظم عملية إنسانية مع تركيا واليونان من أجل إجلاء الراغبين في مغادرة مدينة ماريوبول الأوكرانية.
وأعلنت أوكرانيا أن الأمم المتحدة تعهدت بالعمل مع روسيا على فتح ممر إنساني إلى المدينة الأوكرانية من أجل إيصال الأدوية والغذاء.
ازدواجية المعايير هذه أبرزها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود بمواجهة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
واندلع جدال حاد بين وزير الخارجية السعودي وبوريل، تناول المقارنة بين مدينتي حلب السورية وماريوبول الأوكرانية.
وعلى هامش الجلسة الافتتاحية لمنتدى الدوحة بالعاصمة القطرية، السبت 26 مارس 2022، كان المفوض الأوروبي يشرح معاناة مدينة ماريوبول الأوكرانية، ويؤكد أنها بمنزلة حلب بالنسبة لأوروبا، (في إشارة إلى دمار المدينتين في الحرب)، ليردَّ الوزير السعودي: "حسناً، حلب هي حلب بالنسبة لنا".
المفوض الأوروبي ردَّ مستفزاً: "لكننا الأوروبيين لسنا من فجّر حلب"، ليقابله الأمير بن فرحان بابتسامة: "لا.. ليس أنتم.. لكنَّ تفاعل المجتمع الدولي مع الأزمتين كان مختلفاً".
ونبَّه وزير الخارجية السعودي إلى أن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الأزمة هي بتعزيز الحوار بين الطرفين للوصول إلى حلٍّ سياسي، وإنهاء معاناة المدنيين، وإيقاف النزاع، ومعالجة هذه المسألة بموجب المعايير الدولية والقانون الدولي مع الاحترام الكامل لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
أزمة حلب :
هذه المدينة السورية العتيقة واجهت خلال الفترة من سبتمبر حتى أكتوبر 2016، حرباً حقيقية شرسة من القوات الروسية.
وأكدت مؤسسات حقوقية وإنسانية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، أن القصف الروسي خلف 1640 قتيلاً مدنياً، من بينهم أكثر من 100 طفل.
وأوضحت أن الضربات الجوية الروسية على حلب كانت في كثير من الأحيان عشوائية بشكل فادح، واستخدمت فيها أيضاً أسلحة عشوائية مثل الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة، وهو ما أظهرته صور أقمار صناعية.
وأظهرت الصور أكثر من 950 موقع انفجار خلفها تفجير قنابل كبيرة شديدة الانفجار في جميع أنحاء مدينة حلب خلال شهر واحد فقط.
وقال سكان محليون ونشطاء إعلاميون وعاملون في المجال الطبي في تصريحات إعلامية وتقارير مؤسسات حقوقية، إن القصف الروسي على حلب لمدة شهر كامل كان من أصعب الفترات منذ بداية النزاع بسوريا عام 2011.
وقال أحد الصحفيين المحليين في تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش: "كانت تلك أياماً دموية، كان شهراً دموياً. قتلت الغارات الجوية الروسية والسورية العشرات يومياً. كان الشهر الأفظع منذ بداية الحرب".
وقال بعض الذين قابلتهم المنظمة الحقوقية الدولية: إن "القصف كان مرعباً، لا سيما بسبب الاستخدام المتكرر لقنابل قالوا إنهم يرونها لأول مرة في مدينة حلب. كانوا يُسمّونها قنابل مخترقة للتحصينات".
وذكر هؤلاء أن "هذه الأسلحة كانت قادرة على اختراق وهدم مبانٍ أسمنتية متعددة الطوابق بالكامل، ما يعني أن الاختباء في الأقبية والملاجئ تحت الأرض لم يكن آمناً".
وأشاروا إلى أن بعض الهجمات التي خلّفت أعداداً كبيرة من الإصابات في صفوف المدنيين كانت من الغارات الجوية التي تسببت بانهيار مبانٍ كاملة.
كما أثّر القصف بشكل كبير على عدة مستشفيات في حلب، وسجلت "الجمعية الطبية السورية الأمريكية"، التي تدعم العديد من المستشفيات في حلب، 16 حادثة طال فيها القصف المستشفيات في هذه الفترة.
وفي بعض الحالات ألقت الطائرات أسلحة عشوائية؛ مثل الأسلحة الحارقة والقنابل العنقودية قرب المستشفيات، ما ألحق أضراراً بها، وفي حالات أخرى استهدفت الهجمات المستشفيات، ما تسبب بأضرار مباشرة أكبر بكثير.
وهاجمت طائرات روسيا كذلك مركز الصاخور الطبي، وهو مستشفى معروف في حلب، 4 مرات بشكل متعمد، وبذخيرة متنوعة، ما أدى لتوقفه عن العمل.
وكانت كل هذه الهجمات الدامية الروسية على حلب لأنها تمثل ركناً هاماً من الاستراتيجية الروسية في سوريا، حيث تمثل حلب أهم المراكز الحضرية في البلاد بعد العاصمة دمشق؛ ما يجعل السيطرة عليها من الأهمية بالنسبة للنظام الذي يرغب في أن يحكم سيطرته على مدن البلاد الرئيسة.
كما أن روسيا كانت تسعى إلى تأمين مساحة مهمة لسيطرة النظام السوري حتى تكون معقلاً للهجمات التي تهدف للسيطرة على بقية البلاد.
وإضافة إلى كل ذلك، سعت قوات النظام من خلال التقدم في مدينة حلب إلى إحراز مكاسب عسكرية على الأرض، وأخرى سياسية لتكون ورقة ضغط قوية تمارسها على المعارضة السورية والدول الداعمة لها.
ماريوبول :
أضحت ماريوبول أكثر المدن الأوكرانية تعرضاً للغارات والقصف الروسي في الحرب الدائرة منذ أكثر من أربعة أسابيع، فقد واجهت هذه المدينة الزخم الأكبر من الهجمات.
وقال عمدة ماريوبول الأوكرانية، فاديم بويشينكو، في بيان له الاثنين 28 مارس الجاري، إن نحو 160 ألف مدني ما زالوا محاصرين داخل المدينة التي اجتاحتها القوات الروسية، وإنهم يطلبون المساعدة.
وأضاف بويشينكو أن المدينة "لا تصلح للعيش الآن، حيث لا توجد مياه ولا كهرباء ولا تدفئة ولا اتصالات".
وتابع: "إنه مروع حقاً، من المستحيل التعبير بالكلمات عن الإذلال الذي يواجهه سكان ماريوبول اليوم بسبب الاحتلال الروسي".
وشدد على ضرورة إجلاء سكان المدينة، معتبراً أن الأمل في تحقيق ذلك "لم يتلاشَ بعد".
وفي السياق أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية بأن القوات الروسية نشرت أسلحة عشوائية بمدينة ماريوبول.
كما استخدمت روسيا أيضاً أسلحة أخرى غير تمييزية، مثل القنابل العنقودية، التي تنتشر من عبوة رئيسية، وصواريخ غراد العشوائية غير الموجهة والمصممة لساحات القتال المفتوحة، حسب الصحيفة.
وفي 22 مارس الجاري، كانت بلدية ماريوبول قد أعلنت أن المدينة تعرضت للقصف بـ"قنبلتين خارقتين" دون تقديم تفاصيل حول حصيلة للقتلى أو الجرحى.
وذكرت البلدية، في بيانها، أن "الروس غير آبهين بالمدينة ويريدون تسويتها بالأرض".
كما تحدث سكان فرّوا من المدينة المدمّرة لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية عن "جحيم بارد وشوارع تنتشر فيها الجثث وأنقاض المباني المدمّرة، وآلاف الأشخاص المقطوعين عن العالم في المدينة المحاصرة"، حسب تقرير للمنظمة نشر في 22 مارس.
كذلك نقلت المنظمة الحقوقية عن مساعد رئيس بلدية ماريوبول بترو أندريوشتشينكو، قوله إن أكثر من ثلاثة آلاف مدني قُتلوا في المدينة منذ بدء المعارك، لكن مسؤولة أوكرانية قالت لوكالة "فرانس برس"، الاثنين 28 مارس، إن عدد القتلى في المدينة وصل إلى 5 آلاف على الأقل.
وشكّلت ماريوبول منذ انطلاق العملية العسكرية هدفاً استراتيجياً رئيسياً لموسكو، باعتبار أن السيطرة عليها تسمح بربط القوات الروسية في شبه جزيرة القرم بدونباس، وتمنع وصول الأوكرانيين إلى بحر آزوف.
حيث تقع على الطريق بين القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها عام 2014 في الغرب، ومنطقة دونيتسك في الشرق التي يسيطر عليها جزئياً الانفصاليون الموالون للروس.