30-03-2022 04:01 PM
سرايا - تحل اليوم، 30 اذاد ذكرى يوم الأرض وسط تصعيد إسرائيلي شرس على النقب، بهدم المنازل وتدمير الأراضي الزراعية وتخريب محاصيلها، لدفع سكانه البالغ عددهم 150 ألفا إلى الهجرة القسرية، وتجميعهم في 8 بلدات ثابتة لا تتعدى مساحتها 300 ألف دونم.
في ساعة متأخرة من ليل 29 مارس/آذار 1976، اقتحم الجيش الإسرائيلي بلدات سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل (شمال)، وأطلق جنوده الرصاص عشوائيا لترويع السكان ولمنعهم من المشاركة في الاحتجاجات والإضراب الشامل الذي دُعي له باليوم التالي 30 مارس/ آذار، رفضا للتهويد والاستيطان على أراضيهم وعلى حساب وجودهم.
تحوّل “30 آذار” إلى محطة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني الذي يواصل في العقد الثامن للنكبة خوض معركة الصمود والبقاء والتصدي للاستيطان والتهويد في كل فلسطين التاريخية، في مشاهد تُبقي مأساة اللجوء وحلم العودة راسخة في الذاكرة وفي النضال الجماعي الفلسطيني.
ومع احتدام معركة الأرض في الداخل الفلسطيني الذي أشعل الشرارة الأولى لأحداث يوم الأرض عام 1976، يستذكر فلسطينيو 48 إضرابهم يومها، والذي تحوّل إلى مواجهات عارمة رفضا لمخططات إسرائيلية لمصادرة عشرات آلاف الدونمات تمهيدا لبناء مشاريع استيطانية على أراضيهم وتحت ذريعة “تطوير الجليل”.
في الذكرى الـ46 ليوم الأرض، تتكرر المشاهد ذاتها في فصول جديدة من التهجير والاقتلاع للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر (يفصل المناطق المحتلة في نكبة 1948 عن باقي فلسطين المحتلة عام 1967).
يوم الأرض الخالد
يُعتبر “يوم الأرض الخالد”، كما يسميه أهل البلاد، أول مواجهة مباشرة لفلسطينيي 48 مع الجيش الإسرائيلي منذ النكبة. واستشهد خلال أحداثه 6 فلسطينيين من الجليل والمثلث وطولكرم، وجرح المئات بالرصاص الإسرائيلي، كما زُج بآلاف إلى السجون خلال مواجهات استمرت 3 أيام.
جاءت أحداث يوم الأرض بعد قرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين ووزير الأمن شمعون بيرس، تحريك مخطط التهويد والاستيطان في الجليل بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي سهل البطوف والمَلّ والشاغور، والتي تعود ملكيتها لمزارعين من سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد.
في أعقاب القرار الإسرائيلي، اجتمعت لجنة الدفاع عن الأراضي في الداخل مع رؤساء البلديات المحلية العربية لبحث سبل التصدي لقرار المصادرة ومخططات التهويد والاستيطان في الجليل. وفي إجراء أولي أعلن المجتمعون الإضراب العام في الداخل الفلسطيني يوم 30 مارس/آذار 1976.
في صباح الإضراب، فرضت السلطات الإسرائيلية حظر تجول على فلسطينيي 48 في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، وكان هذا استباقا للاحتجاجات والمظاهرات التي أعلنت عنها القيادات العربية ولجنة الدفاع عن الأراضي، والتي تشكلت عام 1975 برئاسة القس شحادة شحادة، لمواجهة مخطط التهويد والاستيطان في الجليل.
تهديد وجودي
قضت خطة الحكومة الإسرائيلية بتوسيع المستعمرات الزراعية والاستيطان الرعوي في الجليل، إلى جانب إقامة عدة مستوطنات يهودية على أراضٍ يملكها فلسطينيون في الداخل، ومنها إقامة بلدة “كرمئيل” كبرى المدن الاستيطانية في الجليل.
وبالمقابل، ضيقت السلطات الإسرائيلية على فلسطينيي الجليل، وفرضت عليهم قوانين الحكم العسكري بكل ما يتعلق بالتنقل والتواصل مع أراضيهم وزراعتها.
وكانت الأرض المستهدفة للتهويد والاستيطان جزءا من المنطقة العسكرية المغلقة التي أطلق عليها “منطقة 9″، حيث رُبط دخول أصحاب الأراضي لفلاحتها بتصريح من الحاكم العسكري يتم تجديده كل 3 أشهر.
اعتبر فلسطينيو الداخل قرارات المصادرة تهديدا وجوديا لهم أعاد إلى أذهانهم مشاهد النكبة وفصول التهجير.
واتخذت حكومة رابين قرارا بإدخال جنود الجيش الإسرائيلي لقمع المظاهرات وكسر الإضراب، وخاصة في دير حنا وعرابة وسخنين، وهي المنطقة التي أشعلت الشرارة الأولى للأحداث وصارت تُسمى “مثلث يوم الأرض”.
من عرّابة.. أول الشهداء
بشكل استباقي، قمع الجيش الإسرائيلي مظاهرة ليلية انطلقت من بلدة دير حنا، لكنه فشل في السيطرة على الاحتجاجات والمواجهات التي تواصلت حتى فجر 30 مارس/ آذار 1976 في بلدة عرابة المجاورة.
حاصرت القوات الإسرائيلية عرابة بالدبابات، واستخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لقمع المظاهرات التي بدأت مبكرا، فاستشهد ابن البلدة خير ياسين، وكان أول شهيد في يوم الأرض.
بعد انتشار نبأ استشهاد ياسين، انطلقت مظاهرات الفلسطينيين في كل الجليل والمثلث والنقب. وكما توثق الأدبيات، فقد أدت هذه المظاهرات إلى كسر حاجز الخوف وأسست لمرحلة تصدٍ هي الأولى منذ النكبة لتهويد الأرض والاستيطان عليها.
وسرعان ما تحولت مسيرات الغضب إلى مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، وكانت غير مسبوقة في بلدة سخنين، التي استشهد فيها 3 فلسطينيين، هم خديجة شواهنة ورجا أبو ريا وخضر خلايلة.
وفي بلدة كفر كنا قضاء الناصرة، نظمت مظاهرة قمعها الجيش الإسرائيلي بالرصاص الحي واستشهد فيها محسن طه، الذي أصابه أحد الجنود بطلقة في رأسه.
وفي بلدة الطيبة في المثلث، عند حدود الأراضي المحتلة عام 1967، وبالقرب من طولكرم في الضفة الغربية، اقتحم جنود إسرائيليون البلدة وأطلقوا النار عشوائيا على الحشود المتظاهرة، فاستشهد رأفت الزهيري ابن مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم.
محطة فارقة
تعتبر معركة يوم الأرض أول مواجهة بين فلسطينيي 48 وإسرائيل منذ النكبة، وشكلت محطة فارقة في النضال والبقاء في الأرض وتعزيز الانتماء للشعب الفلسطيني وهويته الوطنية والقومية. وكسرت حاجز العزلة الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على فلسطينيي 48 ممن فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية منذ النكبة، وأعاد اللحمة والوحدة للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده.
وعقب النكبة، تمكّن نحو 150 ألف فلسطيني امتلكوا قرابة مليوني دونم من البقاء في أراضيهم، عدا أراضي النقب، وفرضت إسرائيل عليهم الحكم العسكري وصادرت نحو مليون ونصف المليون دونم منهم “لأغراض عسكرية”، وفي عام 1976 سعت لاستكمال مخططها الاستيطاني بالسيطرة على أراضي الجليل.
صعدت السلطات الإسرائيلية من مصادرة أراضي 48، ولم يتبقّ في ملكية الفلسطينيين هناك سوى 500 ألف دونم، استهدفتها بالمخططات التهويدية والاستيطانية وقامت بتشريع أكثر من 60 قانونا في سبيل مصادرتها.
النقب يجدد يوم الأرض
يقطن النقب جنوبا اليوم أكثر من 300 ألف من بدو فلسطين يمتلكون أزيد من 1.1 مليون دونم، وتعد أكبر مساحة يمتلكها الفلسطينيون في أراضي 48، وتسعى إسرائيل لمصادرة 800 ألف دونم من سكان 35 بلدة لا تعترف بوجودها وتحرمها الخدمات الأساسية، بزعم أنها “أراضي دولة”.
وتحل ذكرى يوم الأرض وسط تصعيد إسرائيلي شرس على النقب، بهدم المنازل وتدمير الأراضي الزراعية وتخريب محاصيلها، لدفع سكانه البالغ عددهم 150 ألفا على الهجرة القسرية، وتجميعهم في 8 بلدات ثابتة لا تتعدى مساحتها 300 ألف دونم.
وأقرت الحكومة الإسرائيلية مخطط عسكرة النقب عبر نقل مقرات وزارة الأمن والمصانع العسكرية إلى الأراضي المصادرة هناك، وإقامة 12 مستوطنة جديدة على أنقاض الأراضي العربية، ومن بينها مدينة للمستوطنين المتدينين تستوعب 120 ألف يهودي، إضافة الى مراكز تجارية ومرافق عمل.