حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2043

قراءة في المجموعة القصصية "سقيا حرف" لرولا العمري

قراءة في المجموعة القصصية "سقيا حرف" لرولا العمري

قراءة في المجموعة القصصية "سقيا حرف" لرولا العمري

02-04-2022 08:30 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - أصدرت دار يافا "سقيا حرف" وهي مجموعة قصصية للقاصة والأديبة رولا العمري، صدرت في تسعين صفحة من القطع الصغير، بغلاف أنيق، ذات دلالة مهمة، لعصفور ملون بجانب وجه امرأة منكسرة وتغفو على حلم ما.

فن القصة القصيرة جدا، هو ذلك الفن شديد التعقيد شديد الجمال بآن واحد، لكن كيف يمكن أن يجتمع الضدان؟ التعقيد والجمال.

في الواقع أننا حتى نشعر بجمالية النص، لا بد لنا أولا من فهمه وكم هو منسجم معنا، حتى نستطيع أن نبلغ شعور الجمال الفني، والقصة القصيرة جدا، قد تمكننا من كل ذلك، إذا بقيت ضمن معاييرها وأركانها وإطارها الخاص، ابتداء من العنوان ولغاية آخر كلمة، فلا مجال في النص القصصي لأية زيادة أو إسهاب أو شرح، فاقتصاد اللغة هي السمة الأولى من سمات القصة القصيرة جدا، لذلك لا بد لكل كلمة وفاصلة وعلامة استفهام أن يكون لها عملا حقيقيا تؤديه في القصة القصيرة جدا، لينتج بعد ذلك مباشرة عنصري التكثيف والاختزال.

وحتى تبتعد القصة القصيرة جدا عن الخاطرة والومضة السريعة، لا بد لها أن تحمل النزعة القصصية والحركة والتوتر في الحدث، لتأتي المفارقة في النهايات التي يجب أن تسبب دهشة ما للقارئ.

رولا العمري _ في قصصها القصيرة جدا _ انسجمت مع شخصياتها واحدا تلو الآخر وبقيت على مسافة واحدة منهم جميعا، فهي لم تنصب نفسها قاضية للشخصية الشريرة ولا وعدت الشخصية الطيبة بباقات من ورد، أو عبارات المديح، هي نأت بنفسها عن كل ذلك، وأبقت للقارئ تلك المساحة من التخييل لربما هي دعوة للقارئ، أن يكون شريكا معها في العمل الإبداعي الذي أصبح القارئ به مكونا رئيسا، وتحديدا في هذا الجنس الأدبي ( القصة القصيرة جدا) بصفته لا يحمل أو غير متاح له اللغة كثيرا، لذلك عمدت رولا وبأقل أقل الكلمات أن تذهب إلى الترميز الحقيقي والحداثة باعتبارها انقلابا على الثابت.

وهنا سنأخذ بعض النماذج من مجموعتها القصصية:

بلاغة: فوق أرض الذهب، غرقت حروفه، أفلت لسانه السرج، امتطى الصمت صهوة الحصان، معلنا انتهاء زمن الفروسية.

هنا في هذا النص، اشتبكت، مع حالة حياتية معاشة، ونراها كل يوم في كل موقف وفي كل مكان وزمان.

بدأت في أرض الذهب وشبهت الكاتب بالفارس، لكن أمام بريق الذهب، وأمام الاحتياج المعيشي المرعب للكاتب، فهو سيتنازل أمام كل ذلك البريق عن كلماته وربما كتبه، لأن هناك ما هو أسمى من كل ذلك وهو ( العيش) ومع كل ذلك الأسى، أبقت عليه كفارس بوصفها له.

هنا تمكنت من شخصيتها وألقت عليها الضوء، بعدما كانت في العتمة وبررت بأسلوب غير مرئي إطلاقا وغير مباشر، ما دفعه للتنازل وهو الذهب في مقابل الحاجة.

زعزعة: راوغ عينيه عنها، قيدته أصفاد الفتنة، تعطرت، زادت آثامه، كلما حرك النسيم ثوبها، طفق يخصف براعم الضمير.

هنا في هذه القصة القصيرة جدا، تذهب القاصة إلى أبعد حدود المفارقة الحقيقية التي ساهمت بشكل فعال في إحداث تلك الدهشة التي ينتظرها القارئ، وأرى أنها بهذه القصة عملت على تعرية المجتمع المنافق والذي يظهر ما لا يبطن.

فبعد أن تماهى مع المرأة بكامل تفاصيلها، وانتهت لهفته، أصبحت امرأة عادية، فلجأ بعقله اللاواعي إلى ضميره الغائب، واستخدام كلمة يخصف جاءت في مكانها المناسب تماما ولا أعتقد أن كلمة أخرى سوف تؤدي رسالة القصة، فالخصف لغويا هو تجميع الأشياء لتغطية أمرا ما، وهنا صار يخصف براعم الضمير التي نبتت فجأة بعد أن قضى وطره مما يريد.

صدود: أمطرتهم اهتمامها، رفعوا في وجهي مظلاتهم، ظمئ صيفهم لشتائي؛ استقبلهم بالحصاد!

يبدو في هذه القصة أن الكاتبة انزاحت إلى عنصري التكثيف والمفارقة من خلال لغة شاعرية جذابة وبأقل أقل الكلمات، فالشخصية وأمام مجتمع انتهازي أو جاحد، بقيت مصرة على المطر لما له دلالات كثيرة، كالعطاء والاهتمام بالرغم من ذلك الصدود الذي جاء موفقا في العنوان، لتأتي النهايات المدهشة وغير المتوقعة حين كافأتهم بالعطايا (الحصاد).

نافذة: أهداني الليل رحلته، أخذني لمواقع النجوم، قفزت لأجاور القمر، خانتني المسافة، صارعت قدماي الفراغ، لقفت الوسادة رأسي.

استخدمت الكاتبة الجانب السيكولوجي لشخصيتها الحالمة ربما، الأحلام، الآمال، انتظار شيء ما، كل ذلك كان كالنجوم والأقمار التي سافرت إليها، ثم تأتي رولا بنهاية ذات مفارقة سببت الدهشة بكامل تفاصيلها، عندما أعادت شخصيتها إلى الواقع ( الوسادة) التي كانت وبعد كل تلك الأحلام، استقرار الشخصية، هل سنعتبر هذا النص واقعيا بأسلوب تخييلي وهل القاصة لم تكن مثالية أو طوباوية في تصوير كل تلك الأحلام الوردية؟ أم أنها عمدت على زج الواقع المر ربما، لسبب ذلك الإقناع للقارئ؟

في مجموعتها سقيا حرف تكاد الكاتبة أن ترى بعين الفنانة التشكيلية _ لأنها جاءت أيضا من منطقة الفن _ لتكتب بالألوان نصوصا قصصية ربما هي بمثابة لوحات، تحمل كل لوحة حكاية.

ولأن لا عمل سردي كامل، لجأت الكاتبة وفي بعض المواقع إلى الرمز الذي يشوبه شيء من الضبابية من خلال رؤيتها الخاصة، فظهرت بعض القصص وكأنها مغطاة بالكامل وبحاجة إلى إعادة تفكيك من قبل القارئ.

 











طباعة
  • المشاهدات: 2043

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم