حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,23 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2439

رواية دفاتر الوراق

رواية دفاتر الوراق

رواية دفاتر الوراق

09-04-2022 02:55 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - بعد أربع روايات، صدر حديثًا للروائي جلال برجس، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، رواية جديدة حملت عنوان (دفاتر الوراق).

صدر له في الشعر: «كأي غصن على شجرة» (2008) و»قمر بلا منازل» (2011) وفي القصة: «الزلازل» (2012) الحائزة على جائزة روكس بن زائد العزيزي للإبداع، وفي أدب المكان «شبابيك مادبا تحرس القدس» (2017)، و (حكايات المقهى العتيق) رواية مشتركة 2019. نال عن روايته «مقصلة الحالم» (2013) جائزة رفقة دودين للإبداع السردي عام 2014، وعن روايته «أفاعي النار» (في فئة الرواية غير المنشورة) جائزة كتارا للرواية العربية 2015، وأصدرتها هيئة الجائزة في العام 2016. وصلت روايته (سيدات الحواس الخمس) إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019.

هل استطاع إبراهيم الوراق؛ الطفل النقي؛ والذي لوثه الواقع، وأسكن أباه في نفسه الكثير من الرعب، أن ينفلت من قبضة الكتب والواقع معا، هو الذي ظل بعيدا عن عالم الناس إلى أن هزه الواقع المر هزا، بانتحار أبيه، وطرده من منزله كفضاء حماية وألفة وحميمية؟

لم يتمكن من ذلك، فالكتب التي ظن أنه أحرقها صارت كائنا لا مرئيا تسرب إلى جسمه وروحه ليشكل بعدا آخر من أبعاده، صار الإنسان الجريئ الذي لم يستطع أن يكونه واقعيا، ليخرج من دائرة السلبية إلى الفعل الجانح رغبة في إنقاذ البسطاء كما تمثلته مخيلة الناس وهي تتابع سرقاته المتعدد، تزيد فيها وتسحب عليه ما ترجوه وتطلبه.

خيط الدخان صار إبراهيم الثاني المتواري بداخل إبراهيم الأول، أو لنقل، صار لا وعيه الذي اتخذ لنفسه صورة متمرد يريد إحقاق العدل والحق والمساواة في عالم ظالم؛ هو قريب من البطل الإشكالي الذي يحمل قيما سامية في عالم منحط، وما اتخاذه دور ديوجين إلا تعبير عن هذا المنحى.

مادام إبراهيم قد تحول شخصيات متعددة ينهض بفعل الانتقام عبر سرقة البنوك والأغنياء، ويحمل أقنعة متعددة تخفي شخصيته؛ فمن الذي كشفها وجعلها معروفة للعالم؟ إنها ليلى هاته الشخصية المنبوذة بفعل غياب انتمائها لأصل واضح؛ فهي فرع من دون أصل؛ وتسعى إلى البحث عنه بقصد تثبيت ذاتها في عالم قاس ومتحول وفاقد للبوصلة والقيم.

قضت ليلى ثمانية عشر عاما في الملجأ ثم غادرته بعد أن عاشت خلال إقامتها به لتجربة قاسية تتمثل في اغتصابها من لدن مشرفة الملجأ هي التي من المفروض عليها تقديم الحنان لها ولغيرها، لكن العكس هو الحاصل بل امتدت القسوة بأن جعلت القيمين لا يهتمون بأحد النزلاء الذين تستوجب حالتهم نقل الدم مما تسبب في موته، لتجد نفسها بعد ذلك في مواجهة المجهول، وهو الواقع في صورته المخيفة، واقع غريب عليها. فبعد تجربة السكن مع صديقات لها، وهروبها من محاولة اغتصاب، تلتقي بإبراهيم الذي أصبح مشردا بعد أن طرده مالك المنزل ممارسا عليه تهديدا ناعما. ويكون أحد الجسور هو المكان الذي يجمع بينهما.

إنها بإسقاطها لقناع إبراهيم تسعى بشكل ما إلى إعادته إلى صفائه هو الذي سعى إلى قتل الأب. وليس بدعا أن يتصالح معه بعد هذا الكشف حين التقى بزوجة أبيه في بيتها حيث أمدته بدفتر أبيه وأخبرته بسبب نأيه عنه. رغبة قتل الأب تتوارى لصالح الانتماء؛ التيمة المهمة في الرواية والتي تشمل المنبوذين والمهمشين كنوع من طوق النجاة من السقوط في الجحيم... لقد استعاد إبراهيم صورة أبيه المثالي بدل تلك السابقة والمميزة بقسوتها حتى إنه في كوابيسه المكتوبة ساعد أباه على الانتحار بدفع الكرسي. هي الرغبة الثاوية في لا وعي الرجل لن تتوارى ولن يشفى منها إلا بإعادة تركيب صورة الأب بإبعاد الشوائب عنها.

ثم إن ليلى بإسقاط القناع عن إبراهيم سعت بشكل ما إلى إعادة صورته المشرقة في ذهنها، واستعادة أبيها البديل الذي مثله.

وعلى ذكر فكرة قتل الأب لتحقيق الشخصية، فإن إبراهيم هو الذي أثار ماضي الطبيب المعالج، وحرك بركة ذاكرته، وجعله يقف على جرحه المتمثل في قسوة الأب وتنكره له ولأمه التي هجرها بعد أن قضى منها وطرا وتركها تواجه مصيرها لوحدها وهي حامل، بل يمكن القول إن هذا الأب النابذ سعى بكل جهد إلى إفشال مشاريع «زوجته» ودفعها إلى الإفلاس انتقاما. فقد انقلبت الأدوار، وصار إبراهيم طبيب طبيبه، وأثار معه قضية الانتماء.

البعد العجائبي منح الرواية جمالا، وأحداثها المتلاحقة بلغة جميلة تشويقا ومتعة. لقد كانت فكرة حمل إبراهيم في بطنه لشخصية ثانية تحرضه على الخروج من سلبيته، وتحثه على ارتكاب أفعال إجرامية بدم بارد بعد تقمص شخصية تناسب الحدث مستقاة من عمل روائي ما فكرة طريفة وفريدة ميزت العمل ومنحته جدة وفرادة، وترتفع حدة العجائبي في نهاية النص حين يتم القبض على إبراهيم ويتم استنطاقه، حيث يخرج الطفل الساكن في البن ليستقل بذاته منددا بما يجري الأمر الذي عده المستجوبون جنونا يتطلب علاجا بمشتشفى الأمراض النفسية والعقلية، وفي هذا المكان يتم تسليم مخطط العمل، دون الإفصاح عن كل شيء، لماردا حتى تتكفل به.

يتنازع أحداث رواية «دفاتر الورّاق» فضاءان؛ الأردن وموسكو وتمتد. تلك الأحداث من الفترة بين 1947 و2019. وتروي قصة إبراهيم، بائع الكتب والقارئ النهم، الذي يفقد كشكَه ومنزله وأباه، ويجد نفسه في لمح البصر متشردا. إصابته بازدواجية الشخصية، دفعته إلى استدعاء الكثير من شخصيات الروايات التي كان يحبها ليتخفّى وراء أقنعتهما وهو ينفِّذُ سلسلةً من عمليات السطو والسرقة، ويحاول الانتحار ليجد نفسه أسير حب المرأة التي أنقذته. تتعدد الدفاتر بين إبراهيم وبين باقي شخصيات الرواية، التي تتقاطع معه ، تحكي تلك الدفاتر_الوقائع المؤلمة واقع شخصيات هامشية ومتشظيّة نتيجة حرمانها من الانتماء لأسرة كريمة أو لعدم امتلاكها سكنا ومستقرا أو لعدم امتلاكها هوية نتيجة ولادة خارج الأسرة؛ شخصيات تعيش إلى جانب نمو طبقة متنفذّه فاسدة. تتقاطع مصائر بعضها بالبعض فتبرز قيمة البيت الذي يحمل رمز الوطن مقابل أكثر من شكل للخراب.

«ابتدأت الحكاية منذ 1947 في إحدى المناطق الرعوية شرق مادبا، حيث الفقر والجوع والجفاف، وتحكم الإقطاعيين، وغياب الحكومة الكلي، يقابله توتر للأوضاع في فلسطين، وما تلاه من ضياعها على دفعتين، وما ترتب على ذلك من سقوط شهداء وموجات هجرة، ومشكلات على كل الصعد. وتتواصل أحداث الرواية حتى سنوات قليلة مضت، وما طرأ على عمّان من تحولات أفقية ورأسية، وتمدد الطبقات الهامشية، التي نهشتها أنياب الجشع والفساد، بالتواطؤ مع الجهات الرسمية، التي مهدت لها السبيل، وذللت لها الصعاب، وأطلقت أيديها تعيث فسادا وافتراسا ووحشية.»*

يشكل إبراهيم، الشخصية المحورية، وهو ورّاق مثقف وقارئ نهم للروايات، يمتلك موهبة فذة تتمثل في تقمص الشخصيات إلى حد الذوبان. فيتصرف عبرها، لكن جراء العزلة والوحدة وما عاشه من قسوة في عالم صاخب، تتفاقم حالته النفسية فتكتمل إصابته بفصام الشخصية ويحاول الانتحار، قبل أن يلتقي بالمرأة التي تغيّر مصيره.

يلعب البيت دورا مهما في حلق الاطمئنان والأمان وتوازن الشخصية، وفقدانه يؤدي إلى اختلالها؛ وهو رمز للوطن: الأردني والعربي.

تتميز رواية «دفاتر الوراق» بلغة أدبية سلسة سعى الروائي إلى تطويعها، لتصبح قادرة على تمثيل الأحداث وخطاب الشخصيات وزوايا الفضاء الروائي ، مما جعلها بعيدة عن كل أشكال الإغراق في الشعرية المفرطة، إذ لم تكن هذه اللغة موضوعا في حدّ ذاته، بل كانت وسيلة فاعلة في إعادة تشكيل عوالم الرواية.

وتستند هذه الرواية على سردية الأصوات المتعددة، وهي أصوات بعدد الدفاتر المفتوحة، صوت إبراهيم وصوت ليلى وصوت السيدة نون وصوت الصحافية وغيرها من الأصوات الأخرى. الأمر الذي جعل السرد يتوزع بينها. ولا تنحصر مهمة الراوي في احتكار عملية السرد لنفسه فقط، بل نجده في كل مرة ينقلها إلى صوت من هذه الأصوات.** ومن هنا ذلك التنوع في الضمائر وفي وجهات النظر وشكل الحكي ونوع اللغة الموظفة إضافة إلى تقنية التوالد السردي حيث الانتقال من الواقعي إلى الخيالي بشكل يصعب معه فك الارتباط بينهما.

كما يجب التنبيه إلى أن الرواية وظفت أسلوب الرواية البوليسية خالقة التشويق لدى القارئ في تتبع أحداثها وتأزمها إلى لحظة القبض على الجاني وإيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعقلية.

 

 











طباعة
  • المشاهدات: 2439

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم