حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3119

عن "ثقافة العيب" وأشياء أخرى ..

عن "ثقافة العيب" وأشياء أخرى ..

عن "ثقافة العيب" وأشياء أخرى  ..

09-04-2022 01:33 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
"ثقافة العيب" هو مصطلح بدأ تداوله منذ أكثر من عقدين من الزمن ويقصد به إحجام الشباب عن الإنخراط في مهن معينة ذات طبيعة حرفية أو خدمية أو يدوية لا تتطلب الحصول على شهادات أكاديمية عالية وترتبط في أذهان العامة بمستويات إجتماعية متواضعة نسبياً، وقد دأب الكثيرون على الربط بين هذه الثقافة وبين إرتفاع مستويات البطالة بين الشباب خاصة الحاصلين منهم على شهادات جامعية، وقد بَشَّرنا الكاتب والأديب رمضان الرواشده في مقالة كتبها منذ أيام بأن هذا المصطلح ليس إلا مجرد "أكذوبة" وأنه لم يعد موجوداً في قاموس الأردنيين، وقد دلل على صحة استنتاجه بحالات معينة شاهدها أو سمع عنها لشباب يحملون شهادات جامعية عالية يعملون سائقي تكسي أو موظفي خدمات فندقية ... وخَلُصَ إلى أن المشكلة لا تتعدى العمل على الموائمة بين مخرجات التعليم الجامعي والمتوسط وما بين إحتياجات سوق العمل ...

لا شك بأن الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد قد دفعت بالكثير من الشباب للعمل في مجالات ليست بعيدة فقط كل البعد عن مجال تخصصاتهم الجامعية وإنما ذات مستويات اجتماعية لا "تليق" بشباب جامعي مؤهل ومتعلم، إلا أن هذا التغيير الإيجابي والمفيد قد بقي مقتصراً على قطاعات خدمية معينة، بدليل وجود آلاف مؤلفة من العمالة الوافدة تعمل في مختلف القطاعات تُكَلف الإقتصاد الوطني مئات الملايين من الدنانير سنوياً، معظمهم عمالة غير ماهرة لا علاقة لها بمخرجات التعليم وإحتياجات السوق، وهنا يحضرني مثال حيٌّ من الحي الذي أعيش فيه لشاب وافد من دولة عربية شقيقة في اوائل العشرينات من عمره، يحتكر غسيل سيارات كافة المقيمين في الحي إضافة إلى "شطف" ساحات ومداخل غالبية المساكن فيه، ويحقق دخلاُ شهرياً بجده وعرقه يفوق راتب موظف مخضرم في القطاع العام في نهاية الدرجة الأولى وعلى أعتاب الدرجة الخاصة .... وهنا نتساءل ما الذي يمنع أبناء البلد من العمل في هذا المجال وفي مجالات أخرى مشابهة لا حصر لها بالرغم من عائدها المادي المجزي ... هي "ثقافة العيب" ولا شيء غيرها.

لماذا لا يُقْبِلُ شبابنا على العمل في قطاعي الإنشاءات والزراعة التي توفر آلاف الفرص للعمالة غير الماهرة بالرغم من أن الأجرة اليومية للعامل تتراوح ما بين 25-30 دينار، هي ثقافة العيب إضافة إلى "ثقافة" أخرى قوامها الإبتعاد عن الأعمال التي تتطلب بذل مجهود عضلي أو بدني حتى لو أرتفع مردودها المادي، وهي ظاهرة "مستجدة" لم تكن موجودة قبل ثلاثة عقود، وهنا تعود بي الذاكرة إلى اوائل السبعينات من القرن الماضي وقد كنت حينها في مرحلة الدراسة الإعدادية، وقد قصدت ذات صباح أثناء العطلة الصيفية ساحة الجامع الحسيني الكبير وهي المكان الذي كان يتجمع فيه طالبوا العمل في قطاع البناء، وكانوا كلهم أردنيون لا وافد بينهم، وبعد فترة إنتظار لم تطل وجدت نفسي ضمن مجموعة من الرجال الذين يفوقونني سناً وخبرة وقوة بدنية، نتجه في شاحنة إلى مدينة مأدبا "لصب عقدة" أحد المنازل هناك، لم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث إلى أربع ساعات نجحت خلالها في مجارة الرجال أصحاب العضلات المفتولة في رفع "تنكات الباطون" على الأكتاف وصبها على السطح، وفرحت أيما فرح وأنا أتسلم دينار كامل غير منقوص أجرة ذلك اليوم، فرحاً أنساني ما أصاب يدي الغضتين اللتين تقرحتا من الإحتكاك المباشر لأول مرة "بالباطون" وهو ما أفسد علي لذة الإستمتاع "بالمنسف" الذي أكرمنا به صاحب المنزل والذي كان علي "أُدَحْبِرهُ" بيَدَيْ ....

للأسف ما زالت "ثقافة العيب" وثقافات ومسلكيات أخرى تحول دون "أردنة" مهن ومجالات عمل كثيرة، فالوقت مبكر جداً للإحتفال بزوال وإنقراض هذه الثقافات، الذي نأمل أن يتم تدريجياً من خلال التوعية ونشر الوعي وأن لا نضطر إليه كخيار أخير إذا ما تدهورت الأوضاع الإقتصادية إلى مستويات بالغة السوء لا قدر الله، وقبل ذلك علينا جميعاً أن نعترف أن الأردن من الدول القليلة في العالم التي تُزرع غالبية حقولها وتُشاد معظم منازلها على أكتاف عمالة وافدة .... تخيلوا معي للحظة واحدة ماذا سيحصل لنا لو تم منع "إستيراد" العمالة الوافدة لأي سبب كان ....








طباعة
  • المشاهدات: 3119
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-04-2022 01:33 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم