09-04-2022 03:29 PM
سرايا - لا أنام ،قلبي يطرق بمعاول الشوق والصباح بعيد ،اشرب القهوه المركزه على السحور فما زلت صاحيه وانتظر اشراقه الشمس الأولى القادمه بعد عدد من الساعات ،اتسلى بحفر الكوسا التي لا اجيد حفرها اصلا فغدا سيكون ورق العنب والكوسا احد الأطباق الموضوعه على مائده الإفطار ،انتهي من الحفر بنتيجه كارثيه واخرج للشرفه ابحث عن نقطه هواء تزيل الضيق عن قلبي، احادث نجمه ما عن إجهاد الانتظار .
أعود داخلا اتحرك كالمكوك هنا وهناك وبدون هدف ادور ورأسي يغلي ألما وفكرا وانتظارا وأنا التي لا تجيد لعبه الأنتظار فيتغلب على القلق رافعا شاره النصر ، ارتب هنا وهناك فقد حان موعد السحور وعيوني حمراء وانا مترقبه سؤالهم فور استيقاظهم (( شو ما نمتي)) وأرد بكلمتين فقط ((هلأ صحيت)) فأنا لا اريد محاضرات عن النوم والصيام ،شربت من الماء لترات وصليت ولبست ثيابي في الخامسه فجرا استعدادا للذهاب إلى المطار في الساعه الحاديه عشره صباحا نظر لي زوجي بتعجب ونظرت لي ابنتي قائله ماما بدنا نروح على المطار بعد خمس ساعات، لم اعرهم اهتماما فأنا اعرف كيف إلهي نفسي لحين موعد وصول الطائره ، لاحقا مر الوقت بطيئا كسلحفاه فقدت احدى قدميها وأنا كساعه فقدت سيطرتها على المنبه .
كيف وصلنا المطار لا أدري ،فعقلي وقلبي لا يتفقان احيانا كثيره ولكن هذه المره متقاطعان فلا تفاهم بينهما اطلاقا، انزل قرب بوابة القادمين في مطار دبي، ارقب الوجوه التي تعبر أمامي، ابحث بينها عن ملامح محمد القادم من لندن ، يمر العابرين ورقبتي تتطاول ،تتلفت يمنى ويسرى واسأل ابنتي ديما هل هناك مخرج آخر للقادمين ؟ يا لقلب الأمهات تقول ابنتي ضاحكه ،الوقت
يمر على قلبي وكأنه دهر بحاله، اتصفح ملامح العابرين، ويطمئن قلبي كلما مر أحد فيه بعض من ملامح ولدي ، نعم، هذا الشاب يشبهه قليلاً، وهذا فيه منه شبه أكثر، أذاً، فقد اقترب وصوله، نعم، هكذا يفعل الشوق بقلوب المنتظرين، بل وأكثر، يحول الشوق الإنسان إلى كائن بسيط التكوين، أبعد ما يكون عن التعقيد، وأقرب ما يكون إلى الخيال، يصدق أي شيء، كأن يعد خطواته بينما يتجه إلى مكان ما، ويضمر في نفسه عددها، وحين يصل، فإن فرحه يعتمد على صدق حدسه، فإن صدق توقعه، سيحدث حينها ما يتمنى، نعم هكذا، بكل تلك البساطة.
ربما كانت تلك الدقائق، أكثر شقة على صدري من الأشهر الثلاثين، التي قضاها محمد بعيداً عنا بسبب الوباء العظيم ، اصارع الوقت، وتحيط بي هواجس الامومه المعهوده ، ماذا لو أنه كان قد أجل حضوره ونسي أن يخبرني، حينها سوف تتحطم كل تلك الآمال التي بنيتها منذ ليلة أمس، لا، سوف يحضر، رغماً عن كل الاحتمالات، سوف يظهر بعد قليل، وسوف احتضنه، وأشمه، وسأخبره كم اشتقت له، وسوف تنهار دموعي كثيراً، لا، لن ابكي، فهي لا تريد أن تتكحل عينا محمد إلا بالفرح، ولا شيء سواه.
عشر سنين بحالها مرت، دون أن تجتمع العائلة كلها كعائله صغيره بافرأدها الأربعه ، ففي كل مرة، كان ينغص اجتماعنا غياب أحدهم، فمرة يحضر محمد دون ديما، ومرة تحضر ديما دون محمد، وهكذا، تعذر لم شمل كل ذلك الحب، عشر سنين كاملة، عشر سنين ومشاغل الاولاد لم تتفق يوما على لقاء عائلي لا بل إن طين ذلك البعد قد ازداد بللاً، حين غشيت كورونا أجواء الجميع، وحرمت القادمين من بطاقات الحضور، وعمقت من غياب المنتظرين، ولكن كفى، سيحضر محمد اليوم على جناح الشوق، وسوف احتضنه بيد، وديما باليد الأخرى، وسوف نضم الوالد معاً، كما لو كنا معاً سطراً في قصيدة بدوية، سطرا بأربع أشطر، لا يمكن أن يُقرأ شطر منه دون بقية السطر.
وأخيراً، بزغ شعاع محمد من وسط عتمة الانتظار، ركضت ابنتي قبلي ليعرفنا نحن الملثمون بكماماتنا من بين الجمع الغفير ، وصرخت بأعلى صوتها، محمد، فرفع يده مسرعا كما لو أنه عطش اهتدى إلى واحة في عمق الصحراء، عانقته وهو الطويل ولم اصل حتى لكتفه اروى ظمأ شوقي من وحيدي، وبكيت كثيراً بصمت كعادتي ودموعي تنهمر ومحمد يخاطبني ضاحكا ماما ما كبرت ما طولت شويه ، ومن بين الدموع عادت ابتسامتي تشرق من بين دموعي وانا اقبل وجه محمد، احتضنه بقلبي قبل ذراعي، وتبحث ذراعي الأخرى عن ديما لتضمها، وتبدأ أذرع الثلاثة بالبحث عن حضن الأب، لتكتمل دائرة الفرح حول قلبي، يا الله، ما أجمل اللقاء!!
.عائدة المعايطة - دبي