12-04-2022 12:45 PM
بقلم : حسن محمد الزبن
جاء في كتاب الكامل للمبرِّد: "يروى عن ابن عمر قوله: " إنا معشر قريش،...، نعد العفافَ وإصلاحَ المال المروءةَ"، وقال ابن منظور في لسان العرب: وكَتَب عمرُ بنُ الخطاب إلى أبي موسى: خُذِ الناسَ بالعَرَبيَّةِ، فإِنه يَزيدُ في العَقْل ويُثبتُ المروءَةَ، وقيل للأَحْنَفِ: ما المُرُوءَةُ؟ فقال: العِفَّةُ والحِرْفةُ، وسئل آخَرُ عن المُروءَة، فقال: المُرُوءَة أَن لا تفعل في السِّرِّ أَمراً، وأَنت تَسْتَحْيِي أَن تَفْعَلَه جَهْراً، وقيل لمعاوية: ما المروءة؟ فقال: احتمال الجريرة، وإصلاح أمر العشيرة.
فالتربية على «المروءة» نبل وأخلاق، عهدناها في بيوتنا، فكان الطيب بذرة ونبتة أحسن الآباء زرعها فينا، وكان المعلم موطنا لها، فعم الحب والإيثار بين الأفراد وساد الخير المجتمع، فنعم الكل بالأمن والوفاق والرضا، لأننا كنا على سجايانا النقية، التي انعكست على الشارع والمدرسة والجامعة ومكان العمل، لأنها أصلا انطلقت من البيت النقي المحافظ الذي تأبى مروءة أهله أن يخدش بألسنة الناس، مع أن الناس لم تنل من العلم ما توفره لنا كل أبواب المعرفة اليوم، ولم تشهد أيامهم كل هذا الاختراق لغرف البيوت المغلقة، عبر فضاءات عابرة للعقول، ومغيرة لنمط الحياة، لأجيال تعقبها أجيال، فتنكر كثيرون لموروث «المروءة» واستبدل بالذي استقيناه من منابع الخير ونحن أحوج ما نكون إليه اليوم.
فالبعد عن فضائل المروءة، يجعلنا نعيش في عالم مختلف، عالم لا يمت بصلة لعالم الآباء والأجداد، عالم منقاد للمادة، والانحلال، والخبث والرذيلة التي استوطنت الشوارع والحواري، وترى للوجه الواحد أقنعة عديدة، تتلون فتراها بين وجه منافق، وآخر مجامل، وآخر مداهن، وآخر يقتنص فرصة، وآخر يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب، لوثة مجتمعية تصيب الناس، تأخذهم لمستنقعات مقززة، وكل منا يريد أن يجد له مكانا على حساب راحة أيا كان، حتى وإن كان أقرب الناس إليه، فالمروءة لها سموها، وما يدلل على ذلك قول الأصمعي إنها «باب مفتوحٌ، وخير ممنوح، وسترٌ مرفوع، وطعامٌ موضوع، ونائلٌ مبذول، وعفافٌ معروف، وأذى مكفوف»، أما ابن حِبَان؛ فقرب بين معانيها، على أنها تتداخل في الدلالة، فبعضهم رأى إنها «صدقُ اللسانِ، واحتمالُ عثرات ِالإخوان، وبذلُ المعروف والإحسان، وكفُّ الأذى عن الأباعدِ والجيران»، وآخر قال عنها «إنصاف الرجل من هو دونه، والسموُّ إلى مَن هو فوقه، والجزاء بما أُتي إليه»، وآخر ذهب إلى إنها «التغافل عن زلَّة الإِخْوانِ» فيما يرى البعض إنها «إتيان الحق، وتعاهُد الضيف»، فيما وجدها آخرون «سخاوة النفسِ وحُسنُ الخُلق»، ومنهم من وصل إليه الرأي على إنها «مراعاة العهود والوفاءُ بالعقود».
المروءة وطن الآباء والأجداد الذين كرسوا حياتهم لأجلها، ولا زلنا نذكر مآثرهم، ونتمنى أن نعيش أيامهم، لخصوبتها بعزة النفس، والإيثار، والقناعة، ونجدة الملهوف والمحتاج، والوفاء للعهد والكلمة، والصبر على ضيق اليد ومآلته، وتحمل الظلم من القريب والبعيد، ونفض الملل والضجر في التواصل وتقريب الناس من بعضهم، ورحابة صدر واسع لأخطاء القريب، وابن العشيرة، والجار وإن جار على رأي القول المأثور، فأين نحن اليوم من كل هذا ؟.. وأين نحن من سموها ؟.. والطريق نحو رقي المجتمعات والنهوض يصلح بها.
صدقوني ما من مروءة تصنعها إلا وتجعلك تفيض بسعادة غامرة، فما أجدرنا في هذا الشهر الفضيل أن نستجلي فضائلها، ونبحث ونتقصى عن محروم أو مكلوم، أن نبحث عن معسر ضاقت به الدنيا نفرج عنه وعن بيته وعياله، عن أرملة أرقتها دروب الحاجة، أو يتامى في لجة الغيب، أو طالب جامعة ضاقت عليه اليد، فدروب الخير كثيرة فمن بحث عن أبوابها وجدها، وإن كان في ذلك من دروب صعبة، ولنا في خالد بن صفوان مثلا وبابا بقوله: «لَوْلَا أَنَّ الْمُرُوءَة تَشْتَدُّ مُؤْنَتُهَا وَيَثْقُلُ حِمْلُهَا مَا تَرَكَ اللِّئَامُ لِلْكِرَامِ مِنْهَا مَبِيتَ لَيْلَة، فَلَمَّا ثَقُلَ مَحْمَلُهَا وَاشْتَدَّت مُؤْنَتُهَا، حَادَ عَنْهَا اللِّئَامُ، وَاحتمَلَهَا الْكِرَامُ».
وفقنا الله جميعاً إلى الخير، وهيأ للوطن خيرة الخيرة،،
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-04-2022 12:45 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |