14-04-2022 10:02 PM
سرايا - لا تستطيع عصابات الجريمة المنظمة أن تتخلف قيد أنملة عن التطورات العصرية، خاصة فيما يتعلق بجمع الأموال.
ومن هنا فإن ظهور العملات المشفرة لم يعد قضية تثير الأشخاص المهتمين بالتكنولوجيا والمسائل المالية فحسب، ولكنها تثير أيضا اهتمام أولئك الذين يسعون إما إلى الحفاظ على الشبكات الإجرامية أو تفكيكها.
فعلى سبيل المثل أخذت شبكة المافيا الإيطالية تتحول بشكل متزايد إلى العملات الرقمية في عملياتها غير المشروعة.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، قال مسؤول بوحدة الشرطة الإيطالية المكلفة بمواجهة المافيا والمعروفة باسم (دي آي إيه) (DIA) "جميع المنظمات الإجرامية حتى تلك المماثلة للمافيا مهتمة باستخدام هذه الأدوات التكنولوجية في أنشطتها المالية" وطلب هذا المسؤول عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته.
وتعد البتكوين أشهر العملات المشفرة وهي رقمية بالكامل، مما يعني أنه لا يمكن الحصول على فاتورة أو عملات مادية من خلال التعاملات بها، وبدلا من ذلك يتم إجراء التعاملات المالية عن طريقها من خلال رموز مشفرة مكونة من أرقام وحروف، وهي بشكل عام لا مركزية حيث تتم التعاملات بين المستخدمين مباشرة بدون تدخل أطراف ثالثة وسيطة كالبنوك.
وهذا يعني أن التعاملات لا تتضمن تدخل الجهات المالية المنظمة أو اتباع التوجيهات الحكومية، ويستعمل المستخدمون تقنية "بلوك تشين" (block chain) أي سلسلة الكتل، وهو نوع من قاعدة البيانات المعقدة، بهدف التأكد من عدم إنتاج نسخ مكررة من عملات البتكوين.
وأوضح مسؤول الشرطة الإيطالية، من مكتبه الكائن بضواحي روما، أن هذه النوعية من الاستخدامات تروق للمافيا، وهي السبب الذي دفعها إلى الدخول في مجال الأموال الرقمية، خاصة وأن هذا المجال يكفل السرعة والأمان وأيضا السرية، وهي كلها عوامل تعطي ميزات للأنشطة غير المشروعة.
وهذه السرية تجعل من المتعذر الكشف عن هوية أي شخص يقوم بأية عملية مالية باستخدام العملات المشفرة، ولا ترغب الشرطة في الكشف عن البيانات المتعلقة بحجم العمليات التجارية التي تجرى باستخدام هذه العملات، أو عن طبيعة التحريات الجارية أو الأضرار التي حدثت نتيجة الأنشطة غير المشروعة باستخدام العملات المشفرة.
وعلى سبيل المثال نجد أن عصابة "ندرانجيتا"، وهي إحدى فروع المافيا وقاعدتها إقليم كالابريا بالجنوب الإيطالي، تستخدم العملات المشفرة في تعاملاتها المالية مع عصابات أميركا اللاتينية، وذلك وفقا لأحدث تقرير قدمته إدارة الشرطة المعنية بمواجهة المافيا للبرلمان الإيطالي، ويتناول التقرير ما جرى بالنصف الأول من عام 2020. وتركز هذه العصابة أساسا على تجارة الكوكايين، واستخدمت العملات الرقمية لتسهيل المعاملات مع شبكات تجارة المخدرات في كولومبيا.
مجال الأموال الرقمية يكفل للمافيا السرعة والأمان والسرية مما يعطي ميزات للأنشطة غير المشروعة (رويترز)
وجاء بالتقرير أنه "يبدو أن المافيا حولت اهتمامها إلى الجريمة الإلكترونية، وإلى إمكانات ممارسة نشاطها في الشبكة العنكبوتية السوداء (الويب المظلم) من الإنترنت حيث يختفي المجرمون، وحيث يتعذر مراقبة أي من هذين الجانبين، وذلك من أجل تحويل كميات كبيرة من الموارد المالية إلى أغراض غير مشروعة تماما".
وعن طريق تحويل الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية إلى عملات مشفرة، ثم استخدامها في مواقع غير مشروعة من الويب المظلم، يمكن للمافيا أن تغسل الأموال أو أن تدفع المستحقات المالية التي عليها دون أن تلفت الأنظار.
ومع ذلك حققت الشرطة الإيطالية بعض النجاحات، برغم عدم وجود هوية للمتعاملين واتساع نطاق الإنترنت. ففي نهاية أبريل/نيسان الماضي ألقت الشرطة القبض على أكثر من 20 شخصا من عصابة "آزي" الإجرامية النيجرية التي مارست أنشطة الهجرة غير النظامية وتجارة المخدرات، وتم توجيه الاتهام لهم باستخدام البتكوين لشراء بطاقات ائتمانية مزيفة من مواقع إلكترونية، ثم استخدامها في شراء مزيد من السلع.
وفي حالة أخرى وقعت في أغسطس/آب 2019، ألقت الشرطة القبض على 4 أوكرانيين بمدينة لوكا بإقليم توسكاني وسط إيطاليا، وتم توجيه الاتهام لهم بعضوية منظمة تستخدم الإنترنت المظلم لشراء المخدرات، مثل الكوكايين ومخدر "إل إس دي" والماريغوانا من ألمانيا وهولندا باستخدام البتكوين.
كما ذكر تقرير الشرطة الإيطالية أنه تقرر تدعيم عدد الوحدات القادرة على إجراء التحريات على شبكة الإنترنت، بمزيد من التعاون مع شرطة جرائم المال بالبلاد إضافة إلى قوات الشرطة الوطنية.
خبرة الشرطة الألمانية بالعملات المشفرة
ذكر بيان صادر عن الهيئة الرئيسية للجمارك في ألمانيا أن "استخدام العملات المشفرة لسداد أموال على الإنترنت في إطار عمليات إجرامية، مثل تلك المتعلقة بالتهرب من الرسوم الجمركية، شهد زيادة ملحوظة".
ويقول القائمون على جمع التحريات إن البتكوين وعملة أخرى تسمى "مونيرو" هما العملتان اللتان يفضلهما المستخدمون.
كما يقول المسؤولون بهيئة الجمارك الألمانية إنهم لاحظوا أن العملات المشفرة تستخدم في عمليات إجرامية، تشمل البحث عن طرق لفرض السرية على شراء وشحن سلع محظور تداولها.
وهذه العملات تسمح للمجرمين بإخفاء هوياتهم وأماكنهم، حيث إن عمليات السداد تتم بين شخص وآخر مباشرة، وليس من خلال أي مصرف يمكنه بطبيعة الحال أن يخطر السلطات بأية تعاملات مشبوهة.