16-04-2022 10:55 AM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
سألت إحدى الطالبات الفرنسيات زميلتها العربية في الفصل الدراسي عن سر الجو العائلي البهيج الذي تنعم به أسرتها حينما كانت تزورهم لأول مرة وتقارن حالها عندما كانت طفلة متبناه في أسرة غير أسرتها فأجابتها ببساطة: ” إن كلا منا يعرف حقوقه وواجباته ويلتزم بها اتجاه الاخر، هذا كل ما في الأمر! فليس بيننا الا الرحمة والمودة والمحبة ،ولأننا نعمل جميعا متعاونين”. حين تدار البيئة المنزلية وفق نمط تشاركي يقوم على توزيع المهام و الأدوار، فإن الطفل يتجاوب لاحقا مع أسلوب الحياة الديموقراطية في أسرته، ويحرص الجميع على تنفيذ التزاماتهم ضمن مستوى معين من الإتقان. وكلما كانت الأسر على وعي بأهمية الشعور بالمسؤولية لديها ولدى صغارها، زادت مساحة الحرية التي يتطلبها تكامل الشخصية الاسرية، وابتعادها عن مظاهر الاتكالية والغش،والأسرة التي تحقق الامان لافرادها لا يكون بمعزل عن الفهم العميق لدورها في إبراز الذات والكفاءة و اتخاذ القرار. فالحماية العاطفية التي يُبديها الأبوان تجاه الطفل لا تتحقق بالسطو على حريته وتقييد سلوكه، ولا تعني أيضا التساهل الزائد. إن ما نقصده بالحرية هو الوعي بالدوافع التي تسيطر على سلوكه، وتمكينه من تصريفها ضمن إطار من التوجيه و التشجيع و الصبر على الأخطاء ومعالجتها ضمن قواعد صحيحة تُولّد لديه حرارة العاطفة وصدق الالتزام، إن اتجاهات الوالدين تتراوح في كثير من الاحيان بين الضبط المتشدد أوالتساهل والتراخي. بيد أن ما يحتاجه الطفل هو تحريره من المعيقات التي تتضمنها رؤيتنا الخاصة للأشياء، أو توقعاتنا التي ليست بالضرورة متكافئة مع أدائه ونموه وميوله.إن الطفل لا يولد سلبيا فكبت حريته يحرمه من خبرات كبيرة تتعلق بالحركة والاستكشاف والفضول. كما أن الأسلوب المقيد لنشاطه يؤدي إلى وقوع الطفل في تناقض بين ما تمليه دوافعه وبين الخوف من العقاب، ويترتب على ذلك صراعات قد تبطئء نموه النفسي إن الحرية الحقيقية التي ينبني عليها انطلاق الطفل وانطلاق حسه الابتكاري هي حرية الفعل وحرية الخطأ. عن طريق الفعل يتعزز إحساسه بالسيطرة والتمكن، ويسعى لتأكيد قوته داخل محيطه. وبالتزامن مع الفعل تنمو مشاعر الذنب حين وقوعه في الخطأ، فتبرز لديه القيم الاخلاقية الاصيلة والضمير الحي اليقظ كعناصر موجهة لتصرفاته وأفعاله. أما الحماية المرجوة من الأبوين فليست فقط حمايته من الأذى والخطر الجدي المحدق به، بل كذلك من الغباء وضيق الأفق، ومحدودية التفكير! وما نتحدث فيه هي لبنات تمهد لتربية قيمية خاصة في ضوء ما تُمدنا به الكتب السماوية والدراسات المتواصلة عن عالم الطفولة. إن مهمة الكبار اليوم هي أن يعلموا الأطفال كيف يعيشون في عالم متغير، وكيف يستدعي طاقاته الكامنة ويتحرر من مخاوفه. ولنطلق من اليوم جملة أطلق براغيثك ودعها تلاحق أحلامها وتحقق امالها وطموحاتها في مستقبل يستحق منا الجميع ان نقف فيه الى حانب اطفالنا ، فهناك الكثير لديهم مما يمكن اكتشافه وتعلمه والبناء عليه.
* الدكتور علي الصلاحين.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-04-2022 10:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |