25-04-2022 11:55 AM
بقلم : أمين فهد القضاة
في خضم صعودي أدراج عمان بقيت ثابت الجنان، لم أسمح لاضطراب مشاعري تجاه ما أرى أو أسمع أن تطوح بي أو تثبط من همتي في الصعود إلا أن ذلك لم يستمر طويلا.
كانت بدايات الصعود رشيقة مدفوعة بحماس، لكن هذه الهمة بدأت بالتناقص كلما صعدت الدرجات أكثر، لم أكن أعرف هل همتي هي التي ثبطت بفعل الجهد؟ أم أن درجات الأدراج تمثل سني عمري التي شرعت تحمل أعباء وهموما كلما كبرت أكثر؟ ولا ادري لعلها تكون الثانية.
في بدايات الصعود كنت طالبا في الجامعة يحلم بكل ما هو جميل، ولما صعدت الدرجات اكثر وجدت نفسي متزوجا ولديّ أولاد يرتحلون إلى مدارسهم كل صباح، وما أن صعدت الدرجات اكثر وأكثر حتى وجدت نفسي من جديد مثقلا بأعباء مالية شكلتها التزامات دخول الأبناء إلى الجامعات.
مازلت أصعد الدرج وأحس بابنائي وأقرانهم محملون بالأمل والحماس بحياة مريحة كريمة لكن واقعهم يقول أنهم يصعدون الأدراج كما فعلت ذات زمن بعيد...
هنا زاد ثقل الصعود، وبدأت اشعر بالتعب والإعياء، فاقتعدت إحدى الدرجات لأرتاح، وسرعان ما رجعت الى كهف نفسي الذي أحمله معي حينما أسعى وأرقد فيه حينما أهجع، وبدأت أتساءل: لماذا على الأبناء أيضا أن ببداوا صعود أدراج عمان؟ ألم يكن من الممكن أن يصلوا نهاية الجبل دون صعود لتلك الأدراج؟ أم أن دروب الآباء في عمان هي حتما مسالك للأبناء؟..
وقبل أن أهم بمواصلت مسيري شعرت بيد حانية تمسح عرقي، ويد أخرى تقدم لي شربة ماء، نظرت يمنة ويسرة، وكانت المفاجأة التي كنت أرجوها دائما، يد أمي تمسح عن جبهتي العرق، ويد أبي تسقيني الماء، نعم كنت أرجو هاتين اليدين، فهما كبر الرجل يبقى في داخله طفل ينتظر مسحة حانية وشربة ماء.
وقبل أن أن تعود عيناي إلى سابق اتساعهما، فأنا من اللذين إذا ابتسموا تدارت أعينهم في محجريهما بادرني أبي بالسؤال: لم توقفت؟ أما كان الأجدر بك أن تواصل الصعود، ففي صعودك تسهيل لدرجات أولئك الحالمين في بدايات الدرج؟
لم أجد ما اجيب به أبي غير سؤال أطرحه، ولا أعرف هل السؤال موجه لأبي أم لعمان فقلت...
ولم تكون مسؤولية تمهيد الدرج منوطة بي وحدي فقط؟! أليس أولئك الاولاد الحالمون والطامحون إلى الوصول إلى بوابة عمان في أعلى الدرج هم أيضا اولاد عمان كما هم أولادي؟
لم يجبني أبي وغاب في فضاءات نور النهار، واختفى من مساحة تفكيري البيضاء دون أن يجيب، أما أمي فقد رحلت معه ودون أن تقول كلمة الا أني لازلت أشعر بيدها الحانية تمسح عرقي كلما صعدت الأدراج اكثر.
تسلحت بالصبر والثبات ووقفت لأكمل طريقي وانا على يقين أنني وغيري ممن آباؤهم يشبهون أمي وأبي من أبناء عمان يصعدون الدرج، في الوقت الذي فيه غيرنا يُركبون أبناءهم بساط الريح لينطلق بهم إلى أعلى الأدراج إلى بوابة عمان دون الحاجة إلى شربة ماء أو مسحة عرق ولربما دون الحاجة إلى يد حانية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-04-2022 11:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |