26-04-2022 09:07 AM
بقلم : الدكتور فايز أبو حميدان
فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية بعد منافسة شديدة مع مرشحه للقائمة اليمينية مارين لوبان كانت متوقعة إلى حد كبير فالمراقب للوضع في فرنسا يعلم ان حظوظ السيدة لوبان قليلة مع العلم أن حصولها على حوالي 42% من الأصوات مفاجأة كبيرة . فشعبيتها تزداد عاماً بعد عام منذ 3 دورات ترشحت بها كما ان أحزاب اليمين الفرنسي الأخرى حصدت أصوات جديدة لم تكن متوقعة وخاصة المرشح جان لوك ميلانشون وكل هذا يعود إلى عدم الرضا عن الأوضاع السياسية في البلد وخاصة الاقتصادية والفروق الطبقية المتزايدة في المجتمع الفرنسي والمكوَّن من خليط مميز بين فرنسيون اصليون وفرنسيون من المستعمرات السابقة وخاصة الإفريقية وبالتحديد الجزائر وفرنسيون ينحدرون من جنسيات اخرى هاجرت الى فرنسا منذ عقود.
فرنسا هي مهد الثورة العالمية بين الاضطهاد والفقر والطبقة العاملة ضد ارباب العمل والبرجوازية التي تحالفت مع نابليون في عام 1789 وانتهت بسيطرة البرجوازية واحتلال جزء كبير من اوروبا ونشوء المستعمرات ، وكانت من اهم الاحداث البشرية في التاريخ وما يحدث في فرنسا يَهُّم العالم حتى الان .
ان نشوء حركه سياسيه بقيادة ماكرون قبل خمس سنوات بعد انسحاب فرانسوهولاند والفضيحة القضائية آنذاك مهَّد الطريق لنشوء فئة اجتماعيه عريضة تتكون من ميسوري الدخل والاغنياء وموظفي الدولة والذين يؤمنون بسياسة الاقتصاد الحر والعولمة والانتماء الى الحضن الأوروبي ، كما تحتوي هذه الفئه على نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين وحماة البيئة اضافة الى نسبة مرموقة من المهاجرين الذين أدى خوفهم من مرشحه اليمين المتطرف الى الذهاب الى المعسكر الآخر، وتمثل المدن مهد هذا التيار السياسي.
فرغم شعبية هذا الرئيس العريضة الا انه لم يكن محظوظاً منذ بداية حكمه فبعد عدة اشهر من انتخابه اندلعت احتجاجات عارمة استمرت من نهاية 1918 الى 1919 وكانت نتيجةً لرفع الضريبة على المحروقات اضافه الى احتجاجات في المناطق الاقل حظاً والتي يقطنها فرنسيون من اصول إفريقية وخاصة جزائرية حيث كانت تطالب بتحسين ظروفها المعيشية وما ان انتهت هذه الاحتجاجات الا وبدأت جائحه كورونا والازمة القوية مع بريطانيا بعد انسحابها من الوحدة الأوروبية واخيراً نشوب حرب اوكرانيا والتي وضعت فرنسا والوحدة الأوروبية امام تحدي كبير .
فتداعيات جائحة كورونا العالمية وحرب اوكرانيا أدت الى رفع اسعار الطاقة وارتفاع كبير في الاسعار اضافه الى تحدي عسكري وسياسي للوحدة الأوروبية التي تقودها فرنسا وألمانيا ، فهذا الوضع السيء دفع ايضاً بعض الناخبين لاختيار الرئيس الحالي لولاية ثانية وخاصة لقرب السيدة لوبان من روسيا وتطلعاتها الانفصالية عن الوحدة الأوروبية وبالتحديد في هذه الظروف الحرجة ، وهذا ما أدى الى تنفس الصعداء في ألمانيا ودول أوروبية أخرى .
كما ان سياسة اليمين المعادية للأجانب والفرنسيين من جذور أجنبيه كان لها دوراً حاسماً في خسارة السيدة لوبان لهذه الانتخابات رغم قيامها بتعديل نبرة الحديث حول مصير هؤلاء الناس في الفترة الأخيرة من الانتخابات.
الظروف السياسية العالمية الحالية تحتاج الى حنكه سياسية وموازنة للمصالح الخاصة للدول والحفاظ على السلام العالمي أكثر من اية فترة سابقة. لذلك من الافضل لفرنسا الابقاء على الرئيس الحالي لضمان استمرار سياسة واضحة وتطلعات سلمية تساعد العالم على تجاوز المحن الراهنة .
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا