26-04-2022 11:47 AM
سرايا - قال نقاد مصريون إن الحملة ضد مسلسل ”فاتن امل حربي“ الذي يعرض في شهر رمضان الحالي سببها اسم مؤلف العمل إبراهيم عيسى، ما أدى للحكم المسبق على المسلسل والقضية التي يناقشها.
وبعد جدلٍ مستمرٍ حول المسلسل الذي يناقش قانون الأحوال الشخصية، وهجوم مركز الأزهر العالمي للفتوى في بيان شديد اللهجة،وفي تصريحات لشيخ الأزهر أحمد الطيب تعود لعام 2017 تؤيد مضامين قضية المسلسل في حق المرأة بالحضانة حتى وإن تزوجت.
أحداث المسلسل تدور حول امرأة تعاني وطفلتها من مشكلات مع طليقها وتواجه بعض العقبات بسبب قانون الأحوال الشخصية، الذي يحرمها من أطفالها إذا تزوجت من رجل آخر.. فتقول نيللي كريم للشيخ في دار الإفتاء ”ربنا ما قالش كدا انتوا الي قلتوا.. بكل الكلام الي قلتو.. إنته مجبتش سيرة ربنا“.. فيرد عليها الشيخ ”ايوا مهو دا الفقه“.. وتجيبه ”أنا بسأل عن كلام ربنا“.
اللافت في الأمر أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أوضح في مقابلة أُجريت معه في عام 2017، رأيه في مسألة حضانة الأم المطلقة حال رغبتها في الزواج مرة أخرى، مستدلا على ذلك بأدلة من الأثر والعقل، ومؤكداً أن حضانة الأم تنتهي في حالة واحدة فقط وهي ”حين يستغني المحضون عن حضانة حاضنته“.
وأكد في المقابلة أنه ”لا يوجد نص صريح ولا غير صريح في القرآن أو السنة يقضي بأنه إذا بلغ الطفل 7 سنوات والبنت 9 سنوات ينزع من الأم ويذهب للأب“، لافتًا إلى أن هذا من إعجاز الشريعة الإسلامية التي هي صالحة لكل زمان ومكان.
وأضاف شيخ الأزهر في ذات المقابلة، قائلاً: ”حتى أن كثيراً من المذاهب والأقوال القديمة ترى أن حضانة البنت تنتهي بالزواج، وليس بمجرد عقد القران بل بالدخول.. والأحناف يحكمون بأحقية الحضانة للأم حتى وإن تزوجت“.
وأصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى، بيانا هاجم فيه المسلسل قال فيه: ندعم الإبداع المستنير الواعي، ونحذر من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وهدم مكانة السنة النبوية، وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالم الدين في المجتمع.
واعتبر البيان الأزهري أن شهر رمضان شهر عبادة وطاعة وتوقير للدين، لا زمان لتشويهه، أو الافتراء على علمائه، أو تزيين المنكرات والفواحش، أو تقديم خطاب إعلامي يدعم الفكر المتطرف، ويصنع الصراعات؛ أو يثير الغرائز، ويهدد القيم والفضائل؛ ويخرج للأمة جيلًا مشوه العقيدة والشخصية والهوية.
مجتمع ذكوري
بدوره قال الناقد السينمائي رامي المتولي، إن مسلسل ”فاتن أمل حربي“ ممتاز كونه ناقش قضية متشعبة غاية في الأهمية، تمس الرجال والنساء على حد سواء، ولها أبعاد اجتماعية مؤثرة بشكل كبير على ملايين الأسر المصرية، من ناحية إجراءات التقاضي، وتفسيرات البعض للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
وذكر المتولي في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن قضية الحضانة تحتاج لإعادة النظر ومراعاة لاختلاف الزمن، ودراسة الآراء الفقهية التي كان معمولا بها في مرحلة زمنية سابقة، حيث إن العصر الحالي يستوجب وجود قراءة مختلفة للأمر.
ولفت المتولي إلى أن الفن هو جزء من التأثير ومن هموم الشارع، وجزء من النسيج الوطني الذي يواجه مثل هذه المشاكل في دوائره المقربة والواسعة.
وأشار إلى أن مثل هذه الأعمال الدرامية لا بد أن تتحلى ببعض الخيال لكي يصل العمل لقطاع واسع من الجمهور ولرفع الضرر عن الشرائح المتضررة من موضوع القضية.
وشدد المتولي على أن الشيوخ ورجال الدين ليسوا فوق النقد، مبيناً أن البعض يصور أن مثل هذا النقد هو محاولة للهدم، وهذه ليست حقيقة، حيث إن المسلسل حتى الآن لم يتعرض لأي نوع من أنواع الإساءة.
وأضاف: ”نحن بصدد عمل فني خيالي يميل إلى المبالغة وإلى سرد أحداث قد لا تكون منطقية وهذا سببه بديهي يعود لإبراز القضية، ولم نلمس في هذا العمل أي مساس بالمؤسسات الدينية والقضائية، بل على العكس، فهو أبرز الظلم الواقع على قطاع كبير من الجمهور، من خلال جمود قانون الأحوال الشخصية في مصر“.
وأكد المتولي أن المسلسل أشرف عليه وراجعه عالم دين كبير وأستاذ بارز من أساتذة الفقه وهو الدكتور سعد الدين الهلالي، متسائلاً: كيف سمح بتحريف القرآن أو الإساءة له، كما قال البيان؟“.
وأشار إلى أن العمل المقدم لم ينتصر لرأي ضد آخر، إنما صور إساءة البعض للنصوص الدينية وتأويلها، ومحاولة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتعميم رأي واحد دون بقية الآراء الأخرى التي قد تكون أيسر في حال اتباعها.
واستطرد الناقد السينمائي بقوله ”إن الاختلاف المعروف بين الآراء الفقهية إنما هو رحمة للناس، ولدينا مشكلة كبيرة في أن كثيرا من المؤسسات وعلى رأسها مركز الأزهر للفتوى يبني أحكاماً وقرارات بناء على السمع، أو بناء على مشاهدة منسوبة لمقطع قصير ومجتزأ لا ينقل بطبيعة الحال الصورة الكاملة للقضية“.
واعتبر أن المجتمعات العربية هي مجتمعات ذكورية بطبيعة الحال، وقضايا المرأة وحقوقها تثير مشاعر سلبية جداً تجاهها، مشيراً إلى أن هذا يعود لنتيجة تاريخ وإرث متراكم جداً يضغط على المرأة والرجل في ذات الوقت.
وأكد المتولي أن العمل الدرامي غالباً ما تشن عليه الهجمات بسبب مؤلفه، ومؤلف هذا العمل إبراهيم عيسى، ومواقفه المعروفة بنقد التراث الإسلامي جعلت هذا التحسس لافتا ضده وضد عمله، ”لذلك تمت شيطنة العمل.. والمسلسل سيتم الاحتفاء به لو كان مؤلف العمل شخصا آخر غيره، خصوصاً أن هذا العمل الفني جيد جداً على مستوى السيناريو والإخراج والنص“.
أحكام مسبقة
من جهته، أشار الناقد الفني أمجد جمال، إلى أن البيان الذي خرج عن مركز الأزهر العالمي للفتوى حول مسلسل ”فاتن أمل حربي“ لا يُعلم حتى الآن إذا كان الأزهر الشريف يتفق عليه أم لا، أو حتى إذا كان يمثل الأزهر الشريف من عدمه، كون فحواه خطيرة وتتضمن أوصافا ”صادمة تكفيرية“ على حد تعبيره، متسائلاً فيما إذا كان يمثل شيخ الأزهر أم أنه يمثل جناحا منفصلا عن المؤسسة.
واستبعد جمال في تصريح أدلى به لـ“إرم نيوز“، أن يكون الأزهر وإمامه الأكبر موافقاً على مثل هذا البيان ”الصادم“.
ووصف جمال المجتمع العربي بـ ”المجتمع الذكوري“ في الحقوق والواجبات، حتى أن أغلب الأعمال الفنية تتمحور حول الذكر، خصوصا في السينما، مشيراً إلى أن الأمر لا يحتاج إلى أدلة لإثبات هذا الأمر، على حد وصفه.
وقال إن الأمر يشمل أيضاً حصر المشيخة على الرجال دون النساء، مضيفاً: ”أبرزهم الباحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف، عبدالله رشدي، المعروف بآرائه التي تستهدف المرأة بشكل خاص، الأمر الذي جعله من النجوم في مجال الدعوة، وأي أمر ضد المرأة ينال اهتماما إعلاميا كبيرا بالنسبة له.. وهذا على سبيل الذكر لا الحصر“.
واعتبر جمال أن كل هذا التأزم الناتج عن هذا العمل الدرامي، ”سببه كسل الناس في القراءة والاطلاع ومراجعة المصادر، حيث إنهم اعتادوا على الردود المعلبة والمعدة مسبقاً لهم“.
وأكد الناقد الفني أمجد جمال وجود تحفظ من قبل بعض فئات المجتمع ضد فنانين وكتّاب ومؤلفين معينين مثل إبراهيم عيسى كونه شخصية مثيرة للجدل، قائلاً: ”لو كان المسلسل يحمل اسم كاتب آخر لكان الأمر مر دون كل هذا الصخب“.
وحول تهم مركز الأزهر العالمي للفتوى بأن المسلسل شرع بالاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وتحريف معانيها، كشف جمال أن هذا العمل تمت مراجعته من قبل شيخ أزهري وهو الدكتور سعد الدين الهلالي، معتبراً أن افتراض سوء النية في العمل غير مبرر تماماً.
وأضاف: ”تضخيم البيان بوجود مؤامرة على الدين من قبل الكاتب وتشكيكه بالسنة والفقه، أمر غير صحيح، ويستطيع المشاهد أن يعرف ذلك تماماً بعد متابعته للعمل“.
وقال جمال: ”بالعكس، أرى أن العمل لمع صورة رجل الدين المعاصر، وقدم شخصيته الفنان محمد الشرنوبي بشكل منصف ورائع، والذي قدمه مثّل صورة سمحة وبشوشة ومتفهمة لرجل الدين، والاتهامات التي طالت العمل بأنه أخذ موقفا معاديا للدين ولرجاله فيها تحامل وقسوة كبيرة“.
ولفت إلى أن الكثير من أصحاب هذه الآراء الناقمة على المسلسل اتخذوا موقفا معادياً دون متابعة العمل بشكل جيد.
وبين أن العمل لم يكن مقدماً للمجتمع المصري فحسب، حيث إن قضية الحضانة هي قضية النساء في المجتمعات العربية بشكل كامل، وبطلة العمل مثلت النساء بشكل عام وليس المصريات فحسب.
وختم جمال بالقول: ”نتمنى أن يتم تعديل قانون الأحوال الشخصية، وإنصاف المرأة بناء على رغبة وإرادة حقيقية لإعطاء الحق للرجل وللمرأة بشكل عادل ومتساوٍ، بعيداً عن هذا العمل الفني وما صاحبه من أصداء واسعة“.
قضية اجتهادية
بدوره، أكد الباحث الإسلامي الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي، أن قضية الحضانة قضية اجتهادية يبنى الحكم فيها على الأصلح للطفل والأولى في الأصل بذلك هي الأم، ومن الفقهاء من يرى أن زواج المرأة من رجل آخر مؤثر في صلاحية حضانة الأم كما لو ثبت عند القضاء عدم أهلية الأم للحضانة فيحكم بنقل الحضانة إلى الأب أو إلى الأولى بحضانة الطفل.
وبين الغامدي في تصريحه لـ“إرم نيوز“، أنه ليس هناك نص أو دليل صريح يقول إنه إذا تزوجت الأم من رجل آخر فإن الحضانة تُنزع منها وتنقل للأب أو إلى الجدة، إلا أنها تبقى مجرد اجتهادات، ومن الممكن في القضاء الشرعي أن يرى القاضي بقاء الحضانة للأم إذا رأى أنها ذات أهلية وليس هناك ما يؤثر على حضانتها لأبنائها ولو تزوجت برجل آخر.
وزاد بقوله: ”إن النقد الفني إذا تعرض لذات الشيخ سواء كل رجل دين أو غيره فهذا تصرف خاطئ، أما إذا تعرض لنقد الفكرة أو الرأي الشرعي دون سخرية أو استهزاء فلا بأس بهذا الأمر، بل إن مثل هذه الانتقادات للقضايا المعاصرة من واجبات الدراما والفن الرصين الذي من واجبه معالجة مثل هذه القضايا المجتمعية المهمة“.
وفي لقائها مع برنامج ”ET بالعربي“، أعربت الفنانة نيللي كريم عن رضاها بالحالة الواسعة من النقاش التي أثارها مسلسل ”فاتن أمل حربي“ بمواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض الحلقات السابقة منه، التي تطرقت وناقشت حقوق السيدات بعد الطلاق، بسبب ”القوانين التي يعود تشريعها إلى سنوات طويلة قد تصل إلى 100 عام، دون أن يتم تعديلها لتناسب الوضع الحالي“.
وعلقت نيللي كريم على إمكانية المسلسل في تغيير القوانين غير المنصفة للمرأة، بالقول: ”عندما عملت سيدة الشاشة فاتن حمامة أريد حلًا“ القانون تغير وبقى فيه خلع.. بقت الست تقدر تتطلق.. والبطلة فاتن مش عاجبها القانون فبترفع قضية على القانون بالقانون.. هيتغير مش هيتغير انا معرفش.. أنا اللي شدتني الفكرة.. لأن قانون الأحوال الشخصية موجود، ويكفي سؤال أي سيدة مطلقة نجحت في الحصول على حقوقها أم لا“.