07-05-2022 08:41 AM
سرايا - شهدت المكتبة الأردنية في السنوات الأخيرة، عددا من الإصدارات المتخصصة في السير الذاتية، والغيرية، ومنها كتاب المبدعة سلوى المدادحة (خارج المنهاج)، المغاير لما صدر، لأنه متخصص بالسيرة الوظيفية، وهي سيرة روائية تلتقي مع سير كل الذين عملوا في مجالي التربية والتعليم، معلمين وإداريين، والجميل فيها، أنها تـُحفز كل من يقرأها لإعداد سيرة مماثلة، إذ لا تخلو حياة أي موظف من المنغصات التي تجعله يقول للروائية: (لا تشكيلي لأبكيلك).
أبدعت سلوى مدادحة سيرتها، أو سرديتها، التي كتب مقدمتها التربوي والمفكر الكبير ذوقان عبيدات، منطلقة من كل ما تمتلكه من كبرياء وعنفوان وشموخ وعزة نفس، ليس لأنها ابنة فلاح المدادحة، الذي كان(ولأكثر من مرة) وزيرا للعدلية، والداخلية، والأشغال العامة، والدفاع، ورئيسا للوزراء بالوكالة، والحاكم الإداري العام لفلسطين، والذي ملأ الدنيا وشغل الناس، بل لأنها صاحبة حق، كثيرا ما كان الأشرار يحولون بينها وبين الحصول عليه.
لم تكتب سلوى المدادحة من أجل التنفيس، أو الفضفضة، بل سلـّطت سهامها النقدية الجريئة، ضد الذين كانوا يفرضون على أقرب الناس إليهم أن يتصدوا لأذاهم المادي والمعنوي، مطبقين المثل القائل (إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، علما بأنها لم تكن ترد،أو تواجه، إلا بعد أن تعدم كل وسائل التفاهم والتراضي بالحق، وبعد أن تعاني مما عاناه الشاعر القائل: (ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى..عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ).
كتبت سلوى مدادحة في أدب السيرة، وأدب الاعترافات، وأدب المذكرات، وفن الخاطرة، بتشويق وجاذبية، وبصدق وحرارة، كتبت متأثرة، وأوصلت قراءها ليكونوا مثلها في قمة التأثير، كان أعداء الحياة الوظيفية يعزفون على إيقاع الظلم والاضطهاد، والكيد والبلاء، ويمارسون المداقرة والمقاهرة، مسببين لغيرهم القلق الوظيفي، والحرمان من كثير من الامتيازات والترقيات التي كفلها القانون، وفي الوقت الذي نوّهت فيه لسوء معاملة المرأة المسؤولة لزميلاتها وزملائها في أثناء تنافسهم الشريف للوصول إلى أعلى درجات السلم الوظيفي، تعترف أن الله قد هيأ لها كثيرين من أبناء وبنات الحلال، الذين أضاءوا الجانب المظلم في مسيرتها التعليمية والأدبية، ووقف أولئك الخيّرون سدا منيعا في وجه الأشرار، وكانوا لها نعم السند، بل الداعمين والمؤازرين، الذين حالوا دون أن يتغبّر حذاءها من إجراءات المتخصصين بوضع العصي في الدواليب، والحريصين على ألا يأخذ كل ذي حق حقه.
وبالإضافة إلى الحكم التي لخـّصت رحلتها الجبلية الصعبة، وأوصلت لقرائها خلاصة تجاربها الحياتية، فقد ذكرتنا في أثناء سردها لما جرى معها بمسرحية توفيق الحكيم (لكل مجتهد نصيب)، وبالمصائب التي تحدث حين لا يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولم تكن المبدعة تخفي أن عتبها على زملائها كان على قدر المحبة، وللأسف ترك الظالمون آثارا لشرورهم كالوشم في نفس وروح أقرب الناس إليهم.
كل كلمة وكل سطر في هذا الكتاب، يحفز القارئ على كتابة صفحة مماثلة، ولكن مما يخلد في الذهن مما ورد فيه، المكافآت التي تقدم للجان التحكيم وللفائزين في مسابقات أدب الأطفال وحتى الكبار أيضا، والتي تذكرني بالجائزة التي حصل عليها زميلنا في رابطة الكتاب(سعادة أبو عراق) والتي كانت عبارة عن تذكرة، يأخذها من عمان إلى منطقة الضليل بمحافظة الزرقاء ليستلم جائزته من مصنع ألبان هناك، والتي هي عبارة عن سطل لبن رائب، وأيضا حكاية الشك الذي سقط منه صفر، فصار ألف دينار بدلا من عشرة، ولم يعد ذلك الصفر إلى مكانه إلا بمعجزة، لنقول لأديبتنا ما أكثر المبالغ التي نأخذها باليمين، ثم يسترجعها مقدموها بالشمال.
لم يقتصر هذا الكتاب على سيرة سلوى الوظيفية، بل حمل فصولا أخرى كالتي حملت عنوان «مفردات مضاءة» و»صد بلا رد» عدا عما اشتمل عليه من كتب ومخاطبات وصور، بيّنت تميزها واستقلاليتها وعدم تأثرها بغيرها من المبدعين ولا سيما شقيقها الأديب الساخر محمد غالب فلاح المداحة، فلكل منهما مدرسته الأدبية.