07-05-2022 09:17 AM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) ،فقد كان يوسف صغيراً وجميلا وربته إمرأة العزيز في بيتها وراقبت تطور جماله ،وكما روت أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى منح سيدنا يوسف شطر الحسن والجمال وأعطى الآخر لما تبقى من خلقه.
فتخيلوا كم كان جميلاً عليه السلام ،وللعلم .فالجمال متنوع ويختلف من شخص لآخر
وكلمة راودته تُذَكِرُنِي بمراودة الحيوان المفترس، فهو يتحين الفرصة المناسبة للإنقضاض على فريسته بحيث لا تفلت منه، وهنا في هذه الآية تعني المراودة المحاولة لأكثر من مرة في إبداء الرغبة الشديدة من قبل إمرأة العزيز في قضاء حاجتها منه بل ومحاولة إغرائه للوقوع في شباكها وبكل وسائلها فقد كانت فائقة الجمال فهي سيدة مصر الأولى. وهنا لا بد من التنويه بأن الله سبحانه وتعالى لا يفضح عباده بل يستر عليهم فقد كان قوله تعالى واضحاً: التي هو في بيتها، لم يذكر إسمها وقال هو ولم يذكر إسمه، ولم يذكر الله وصفها ولا وصفه بل قال التي هو في بيتها. كما تتجلى في هذه الآية قمة المخاطبة والأدب الالهي فقال تعالى عن نفسه والمعنى واضحاً أي طلبت منه أن يواقعها فقد لاح الغرام ودعته إلى نفسها دعوة لا هوادة فيها وصارحته بالأمر بكل وضوح كما في هذه الأية
وغَلَّقت الأبواب صيغة مبالغة أي غلقت جميع الأبواب المؤدية إلى غرفة نومها ومن الواضح أنه تم إغلاقها بالمغاليق وغيرها من أدوات الإغلاق أي إحتاطت للأمر بتخطيط وتدبير وتفكير حتى لا يفلت من قبضتها. وقالت: هيت لك، أي حضرت نفسها وحضرت غرفة نومها بكل ما لذ وطاب فقال لها يوسف عليه السلام معاذ الله طالباً العون من الله أن يحفظه من الوقوع في الحرام تخيلوا كم الموقف صعب للغاية إمرأة عزيز مصر وفائقة الجمال وبيدها الأمر والنهي وهي الحاكمة المستبدة وهو عبد في قصرها ولا يستطيع العبد أن يرفض لها طلباً مثل هذا الطلب فيقول إنه رب أحسن مثواي في الرعاية والتربية ولم يرى منه الا خيرا ،وتابع سيدنا يوسف قوله: إنه لا يفلح الظالمون فالظلم يعني وضع الشيء في غير مكانه أو إعطاء الشيء لغير مستحقيه وكأنه يقول: وكيف لي أن أفعل هذا الفعل الذي تأباه كل نفس بشرية سوية وسليمة وأسيء واخون من أحسن مثواي وكفلني ومع من؟ في زوجته التي ربتني وأنا صغيرا إبناً لها. وإن فعلت ذلك، أكون خنت الله ربي أولاً وخنت العزيز ثانياً ولم أحسن له كما أحسن لي ويقول الله تعالى (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) وكأن سيدنا يوسف يقول: أريد أن أكون ممن يرضى الله عنهم وأكون من المفلحين الذين يفوزون بالجنة. عن أبي هريرة قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ لم يظلم رعيته ولم يحملها ما لاتطيق وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى فقد حفظ شبابه ولم يسئ الى مسيرة حياته ولم يكلف نفسه فوق طاقتها عاش مسيرة نقاء حتى لقي الله ولم يعتد على الأخرين، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسَاجِدِ ولم يتعلق بعرض من اعراض هذه الدنيا الزائلة، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ولم يكن حبا لمصلحة دنيوية ،وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه.عفة النفس وطهارتها ونائ بنفسه عن المغريات الجسدية، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ انفاق غاب عنه الرياء ،تجارة رائدة مع الله، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ اللهم إجعلنا من هؤلاء السبعة. ولو وقع هذا الأمر واستسلم لرغباتها في هذا الوقت الحرج فسوف لا ولم ولن يكون الامر سهلا.ولكنها قصة تربي العقل والوجدان وتؤسس لمستقبل الامم بالحفاظ على اخلاقها والحيلولة دون انحدار قيمها وضياعيها في اتون الشهوة وتربية الاجيال على جمال العفة.
* الدكتور علي الصلاحين