17-05-2022 02:00 PM
بقلم : م. أنس معابرة
أنهيت للتو قراءة روايتي الكاتب إبراهيم عيسى؛ رحلة الدم – القتلة الأوائل، وحروب الرحماء، والتي تغطي فترة من التاريخ الإسلامي لفتح مصر، وفترة حكم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإستلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخلافة، والفتنة التي تلت ذلك في موقعتي الجمل وصِفّين. وسأتحدث هنا عن الكتابين مع بعضهما، نظراً لإرتباطهما الشديد، ولتداخل الأحداث والشخصيات.
الكاتب المذكور هو من أحد الكتّاب المشهورين، ولا غبار عليه من جهة الحبكة والقصة والوصف، ولكته مُصّر على تناول العديد من القضايا الإسلامية الحساسة بقصد التشويه، ولا ننسى روايته المشهورة "مولانا"، والتي تم تحويلها الى فيلم سينمائي، وكيف حاول تشويه صورة المشايخ والملتزمين.
يذكر الكاتب في البداية بأن جميع الأحداث والشخصيات حقيقية، ويذكر الكثير من المراجع التاريخية الإسلامية التي ذكرت أحداث تلك الفتنة، ولكنه لم يُشر الى مدى صحة تلك الأقوال المنسوبة والروايات، فعلى الرغم من أن تلك الأحداث قد تم ذكرها في بعض الكتب التاريخية؛ إلا أن كتابها أشاروا الى ضعف تلك الروايات، وربما عدم صحتها، وهو ما تجاهله الكاتب، ووضعها أمام القارئ كأنها صحيحة وموثوقة.
وبالتالي لا أنصح من ليس له إطِّلاع على الكتب التاريخية الصحيحة التي تشير الى مدى صحة القصص المذكورة بقراءة الروايتين، لأنه بلا شك سوف يغير نظرته المُبجِلة الى الصحابة الكرام رضي الله عنه، وهو ما إجتهد فيه الكاتب بشكل كبير.
أهمل الكاتب عمداً جميع الروايات الصحيحة التي تشير الى اليهودي عبدالله بن سبأ، ودوره في التحريض على عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودوره كذلك في إشعال حرب الجمل وصِفّين بعد أن هدأت الأمور، وإتفق الطرفان على التفاوض.
وتجاهل الكاتب مكانة كل من الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله رضي الله عنهما؛ وهم من العشرة المبشرين بالجنة، وإتهمهما في كثير من المواضع بإشعال الفتنة، والمكر والخديعة، والطمع في الخلافة، والتحريض على قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وحصاره في بيته، ومنع الماء عنه، وتحريض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالوقوف ضد الإمام علي بن أبي طالب.
كما تجاهل أيضاً مكانة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ووصفها بالكثير من الصفات التي لا تليق بزوجة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مثل أنه رفضت تولي علي رضي الله عنه للخلافة لأنه أشار على النبي بتطليقها يوم حادثة الإفك، وإتهمها كذلك بالوقوف الى جانب طلحة والزبير رضي الله عنهما بالتجييش ضد علي رضي الله عنه في البصرة، مع أن كل الصحيح من الروايات يشير الى أنهم كانوا يهدفون الى إنقاذ المدينة المنورة وعلي من الغوغاء الذين قدِموا من الكوفة والبصرة ومصر، وقتلوا عثمان رضي الله عنه.
ولم يتردد الكاتب في ذكر الشائعات التي تصف عثمان بالكثير من الصفات السلبية؛ كنقضه لوعوده مع علي رضي الله عنهما، وتعيين أقاربه وأصحابه في المواقع الإدارية للدولة، وتعديه على بيت مال المسلمين لأغراضه الشخصية، على الرغم مما ورد في صحيح السيرة عن غناه الواسع، ومساعدته مادياً لكثير من الأحداث التي ألمتْ بالمسلمين، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"، حين ساهم في تجهيز جيش العُسرة. وحين وقف صلى الله عليه وسلم على جبل أحد مع أبو بكر وعمر وعثمان، وأهتز الجبل، ليقول الرسول الكريم: "إثبت أُحد؛ فإن عليك نبي وصديق وشهيدان"، وهو ثالث الخلفاء الراشدين المهديين، ومن العشرة المبشرين بالجنة.
وأساء الكاتب أيضاً للكثير من الصحابة الذين تأخر إسلامهم، والتابعين الذين عاصروهم ولم يلحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، أمثال عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن الزبير وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً، وذكر الكثير من الصفات السلبية التي تنزًّه عنها ذلك الجيل الذي رباه الرسول الكريم، مثل الخداع والمكر والطمع والجشع والحقد والغيرة والكذب والإفتراء على الرسول الكريم، وتفسير أقوله بشكل مُغاير للحقيقة.
كما لا تخلو الروايتان من الكثير من الفحش وقلة الأدب والكلام البذيء، ووصف للعلاقات الجنسية للخلفاء والصحابة رضي الله عنهما، والتي لا يتناسب ذكرها في موضع ذكر تلك الأسماء التي نُجلها ونحترمها، ولا تناسب كذلك القرَّاء، حتى لو كانوا من البالغين.
إن تناول هذا الموضوع، وتلك الفترة الحساسة من التاريخ الإسلامي، له مقاصد ونيات غير بريئة، تعارض ما ذكره الكاتب في بداية الجزء الثاني، وتحت عنوان الإهداء: "هي لله".
ولا أجد أبلغ ما قاله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين سٌئل عن رأيه في أحداث الفتنة الكبرى وما جرى وقتها بين الصحابة من حروب ومعارك وأحداث، فقال رضي الله عنه: "تلك دماء طهَّر الله منها يديّ، فلا أحب أن أخضِّب بها لساني".
خلاصة الكتابين:
إذا أردت الإستمتاع بالروايتين وما فيهما من وصف دقيق وتعابير لفظية وغيرها، لا مانع في ذلك، ولكن يجب أن تكون مُلمّاً بالتاريخ الصحيح لتلك الوقائع حتى لا تقع في الفهم الخاطئ.
ويجب كذلك أن تضع الصحابة الكرام والخلفاء الراشدين والتابعين وأمهات المؤمنين في موضعهم الصحيح، وأن تحتفظ لهم بالقدر الكافي من التبجيل والتقدير والإحترام، وترفض كل تلك الصفات التي يحاول الكاتب إلصاقها بهم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-05-2022 02:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |