حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,15 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1722

الملاءمة الدستورية لتجريم الشروع في الإنتحار بمكان عام

الملاءمة الدستورية لتجريم الشروع في الإنتحار بمكان عام

الملاءمة الدستورية لتجريم الشروع في الإنتحار بمكان عام

19-05-2022 02:38 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي. د.مهند صالح الطراونة
بإستعراض مشروع قانون العقوبات الأردني المعدل لسنة 2022، وبالذات نص المادة (26) من المشروع الذي يناقش أحكام الشروع في الإنتحار، وجد أن نص المشروع قد أضاف حكما جديدا لنص المادة (339) القائم حيث جاء النص كالآتي: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شرع في الإنتحار في مكان عام بأن أتى أيا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادة وتشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك بإتفاق جماعي."

وبمقارنة النص الوارد بمشروع القانون بالنص الأصلي لهذه المادة ، نجد أنه ذات النص الأصلي مع إضافة البند الأول متقدم الذكر مع إعادة الترقيم لبقية النصوص الأخرى ، والهدف من ذلك واضح ، وهو إستحداث حكم جديد ( فعل آثم جديد) يتمثل في ( محاولة الشروع الإنتحار في بمكان ) ، ولقد برر مجلس النواب وبالذات اللجنة التشريعية الغاية من هذا التعديل هو خطورة مثل هذا النوع من الأفعال والتي قد يتخذها الكثير ذريعة وابتزاز للسلطات العامة والراي العام بغية تحقيق هدف او مطلب يسعى له منفذها ، وبالتالي لابد من تحقيق الردع ضد الفعل المجرم بنص المادة سالفة الذكر.

ومع تقديري للجهود التي بذلت في هذا التشريع والشكر الخالص لكل من قام على صياغته، والشكر الموصول لمجلس النواب بالموافقة على هذا النص وغيره من النصوص والغايات النبيلة في مشروع القانون، إلا انه ثمة ملاحظات قانونية وددت إبداؤها حول عدم وضوح النص المتقدم وخاصة فكرة المكان المكان العام ، وماهو المعيار الذي فرق فيه بين الشخص الذي يحاول الانتحار في بيته وبين من يحاول الانتحار في مكان عام وكيف قدر المشرع هذا المعيار لدرجة ان المخاطب بالقاعدة القانونية يجد فيها غموضا وعدم يقين وهذا يتنافى فلسفة التشريعات العقابية والتي يجب أن وتوصف بشكل دقيق و اضح ودون لبس أو غموض او عدم تحديد حتى لا تدخل إلى حومة عدم الدستورية، وتشكل إهدار لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات التي نص عليها الدستور الأردني.

وحري بنا أن نعرض بعض النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة بهذا المبدأ ، ثم نتبع ذلك بالرأي وذلك كتالي : تنص المادة ( 8 / 1 ) من الدستور الأردني على أن " لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون." ، وتنص المادة ( 3) من قانون العقوبات الأردني لسنة 2017 على أن " لا جريمة إلا بنص ولا يقضى بأي عقوبة أو تدبير لم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمة ، وتعتبر الجريمة تامة اذا تمت أفعال تنفيذها دون النظر الى وقت حصول النتيجة " .

وفي الواقع ، أنه من خلال ما تقدم من استعراض لصياغة النص الوارد بمشروع القانون– وتجريمه لكل من يشرع في الإنتحار في مكان عام – نجد أن النص المجرم لفعل الشروع في الانتحار قد جاء من الاتساع ، غير محدد الحدود والمعالم ، حيث لا يكشف بنحو يقيني عن الصور التي تدخل في دائرة التجريم ، وتلك التي تخرج عنها ، بما يخل بمبدأ اليقين المطلوب توافره في صياغة النصوص العقابية . ويُفضي من ثم إلى مخالفة مشروع القانون لمبدأ شرعيــــــــة الجرائم والعقوبــــات المنصوص عليه بالمادة (8/1 ) من الدستور الأردني .

ولمزيد من التوضيح يكمن عدم الوضوح في النص المتقدم من خلال الغموض الذي يكتنف فكرة المكان العام وذلك لأن هذه الفكرة تطورت كثيرا و اصبح الفضاء بحكم المكان العام ومكانناً رحبا لجميع الأفعال المباحة وغير المباحة يمكن التعبير من خلاله، ومثال ذلك من يشرع في فعل الإنتحار وهو داخل بيته بل وغرفته و يثير الراي العام كما لو أن شخصا وهو في بيته بث فيديو مباشر على خلال مواقع التواصل الاجتماعي وهو يقوم بأحد أفعال الإنتحار التي نص عليها القانون وخلق فوضى وارباك للسلطات والراي العام بأنه يرغب بالانتحار كالفوضى التي قد يخلقها شخص يحاول الانتحار في مكان عام خارج البيت ، ولعل السؤال الأبرز هنا كيف قدر المشرع ان من يشرع في الانتحار في مكان عام وفشل في عملية الانتحار- لأي سبب كان - بأنه لا يرغب فعلا بقتل نفسه أو الانتحار، فقد يكون سبب خروج الشخص من منزله وشروعه في عمل الانتحار من الخارج مرده دوافع نفسية مثلا كالذي يراعي مشاعر اسرته بأن لا يقتل نفسه امامهم ويذهب للخارج ، وفي الغالب إن من يضحي بغريزة البقاء بهذه الطريقة وهي اقوى الغرائز البشرية لا يكون مميزا لما يفعل لوصوله الى درجة من اللاوعي والاكتئاب ، وعليه فإن المعيار الذي قدره المشرع الكريم بالتفريق بين من يحاول الانتحار داخل منزله وبين من يحاول الانتحار في مكان عام غير واضح وغير دقيق بل انه معياراً تحكميا يتنافى مع يقين النصوص العقابية ويدخل مشروع القانون في حومة عدم الدستورية.

ماهو مبدأ اليقين في النص العقابي الذي خالفة مشروع القانون ؟

وعن مبدأ اليقين المطلوب توافره في صياغة النصوص العقابية فتجدر الإشارة أن المحكمة الدستورية والقضاء المقارن من خلال بيان أن القوانين العقابية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً ، فإن الدستور قد وضع على تلك القوانين قيوده الصارمة وضوابطه الواضحة ، حتى لا يتخذها المشرع وسيلة للذهاب بجوهر الحرية . ومن أهم هذه الضوابط ضرورة أن تكون درجة اليقين التي تنظم أحكام القوانين العقابية في أعلى مستوياتها ، وأظهر في هذه القوانين من أية تشريعات أخرى . ويتعين بالتالي – ضماناً لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها ، وأن تكون جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها. كما أن غموض مضمون النص العقابي يؤدي إلى أن يُحال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة ، تعين بموجبها أركان كل جريمة ، وتقرر بها عقوبتها بما لا خفاء فيه أو لبس ، وهي قواعد لا ترخص فيها، وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه . ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها. ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين العقابية محددة بصورة يقينية ، لأنها تدعو المخاطبين بها على الامتثال لها لكي يدافعوا عن حقهم في الحياة ، ويدفعوا عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة .

ومن جانب آخر إن إعلاء الدستور الأردني من قدر الحرية الشخصية ومن مبدأ شرعية الجرائم مؤداه أن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية في شأن دستورية النصوص العقابية يتعين أن تضبطها مقاييس صارمة ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص في اتصالها المباشر بالحرية الشخصية ، مما يفرض على المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة ، سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان أن لا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية ، ولكي تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها ، فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة في ملاحقة المتهم ، كما لا يسوغ للمشرع أن يجعل من النصوص العقابية شباكاً أو شراكاً يلقيها ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها .

وما يؤكد ذلك الإجتهادات العديدة لمحكمة التمييز الأردنية وجميعها رسخت قاعدة قانونية مفادها أن مبدا شرعية الجرائم يستلزم في جميع الأحوال وجود النص الصريح الواضح الذي لا يحتمل التفسير حيث لا يجوز للقاضي الجزائي تنصيب نفسه مشرعاً ومن ذلك ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية في حكمها الآتي " أخطأت المحكمة في تبريرها إعتبار الوقائع المنسوبة للميز ضده غير مشمولة بأحكام قانون العفو العام من خلال قياس مسألة ورد بها نص بمسألة أخرى ورد بها نص آخر وهذا غير جائز لأن المحكمة إن فعلت ذلك تكون قد نصبت نفسها مشرعاً . (تمييز رقم 34272020).

ومن ذلك أيضا ما ذهبت إليه محكمة صلح جزاء الزرقاء في حكمها الآتي " وحيث أن من ضوابط تطبيق وتفسير النصوص الجزائية وفق الأصل العام حظر مسألة القياس في نصوص التجريم وإباحته لصالح المتهم وذلك لأن الأصل العام أن القضاء ليس مصدرا من مصادر قانون العقوبات بمعنى أنه لاي جوز للقاضي أن ينشئ جريمة أو عقوبة لم ينص عليها القانون ..........لقد تميز قانون العقوبات عن غير من القوانين الآخرى في وسائل تفسيره حيث أن التفسير فيه لايهدف إلى معرفة قصد المشرع وإنما يقصد تطبيق حكم النص أيضاً على حالات غير منصوص عليها صراحة لمجرد توافر قصد المشرع بشأنها ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم يستلزم في جميع الأحوال وجود النص الصريح الأمر الذي من شأنه لا يعني إستخلاص قصد المشرع في نصوص أخرى .

ختاماً

وترتيباً على ما سبق ومع إحترامي لراي اللجنة القانونية في مجلس النواب ورأي وموافقة مجلس النواب على توصيتها إلا أنني وجدت أن نص المادة (26) من مشروع القانون والتي أضافت حكما جديدا للشروع بشأن موضوع الإنتحار على نص المادة (339) من قانون العقوبات الأردني المعدل تشوبه حومة عدم الدستورية لتعارضها مع المادة (8 / 1 ) من الدستور ومبدأ اليقين، على النحو المفصل .

Tarawneh.mohannaD@yahoo.com
*مستشار تشريعي وبرلماني








طباعة
  • المشاهدات: 1722
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم