22-05-2022 08:54 AM
سرايا - تقول الروائية التشيلية «إيزابيل الليندي» في وصف صعوبة السرد القصير: (إنني لا أحب كتابة القصص القصيرة، إنني أكرهها، أحب أن أقرأها، لكنني لا أحب كتابتها، فانا أفضل كثيرًا أن أكتب آلاف الصفحات من رواية طويلة علي أن أكتب قصة قصيرة، لأنه كلما ازدادت القصة قصرًا زادت صعوبة كتابتها)، وهذه الخاصية غمرت وأحكمت نطاق نصوص (ملامح لوجوه عدة) القصصية للناقدة والكاتبة الدكتورة (دلال عنبتاوي)، حيث السردية التي توافرت عليها القصص كالحكي مباشرة، وتيار الشعور، التذكر، التداعي الحر، والسرد والمنولوج الداخلي، والحوار، ومن ثم كانت موضوعات الواقع، اليومي منه والهامشي، وكذا موضوعات الحب بصوره المتعددة والوحدة والذات والمرأة والعالم الافتراضي والكتابة والموت وغيرها، من الموضوعات المقترحة من لدن القاصة والتي تعرض وتقدم على وفق تقنيات وطرائق لافتة للنظر، حيث تحضر المراوغة والمباغتة؛ بل والمفاجأة والدهشة الصاعقة أحياناً، تلك التي تحيلنا رأساً، إلى براعة الكاتبة وهي تقدم قصصها للقراء وما على هؤلاء سوى متابعة القراءة، بتركيز شديد ومحاولة كشف أسرار الخدعة/ الحكاية، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
جميع شخصيات المجموعة، تعاني من عدم الأمان، فهي شخصيات مأزومة، كأنها تهرب إلى الأمام، في مواجهة طريق مسدود بخسارات متعددة.وعكست عناوين القصص هذا الاتجاه الفجائعي حيث العناوين دالة، تشي بعوالم هذه المجموعة القصصية، وتحفز الفضول وتفتح شهية القراءة لديه: صدمة، وحدة، هروب، موت، فراغ، قسوة، غياب، خيبة، تجاهل، خيانة، خوف.. الخ.
فالكاتبة بنت بيئتها، ولها حس نافذ لقراءة الأشخاص والأماكن والمواقف بعمق، وجلُّ القضية الإنسانية لها حضور واضح في هذه المجموعة، ولقضية المرأة والعائلة والأولاد نصيب، وقضية الوحدة والعزلة والعلاقات في العالم الافتراضي، والأماكن والذكريات والحنين للماضي والغربة، كلها قضايا تمت مناقشتها من خلال القصص، ذلك أن شخصياتها في متناول يد القارئ وتحت بصره وسمعه أيضا!
تميزت المجموعة القصصية للدكتورة دلال عنبتاوي «ملامح لوجوه عدة»، بالتكثيف والإيجاز، فهي جائعة لفظا، إذا لا تتجاوز القصة صفحة واحدة، مما يجعلها قصصا بأنفاس قصيرة مقتضبة، بعيدا عن الكوليسترول القصصي، تكثيف تستمده من الرمزية والإيحاء والكناية الإحالية، ومن ثم إشباع معانيها التي تنطوي على أكثر من قراءة وتأويل.
وتستمر القاصة في إرسال شواظها القصصية الحارقة والموجعة، نقرأ في قصة «أخوة»: «لم يكن يعترف بعلاقة الأخوة التي تربط بيننا، كان يتهمني بأنني لا أحبه ولا أعتبره أخا لي، وكنت أتغاضى عن طيشه وبطشه أحيانا بشراء سكوته بتجاهله وعدم الاكتراث به، وكم قررت أن أتناسى وجوده ؛إلا أنه كان يتعمد لحظات المواجهة والانفجار بيننا ويصر عليها حين يجمعنا نقاش عابر أو اعتراض على تصرفاتي التي لا تعجبه، وليتخلص من تلك العلاقة طردني من البيت ودفع بي إلى الشارع، لأكمل مشوار حياتي بعيدة عنه»
حيث تأخذنا الكاتبة إلى دلالة العنوان «أخوة» وتصدمنا بالمضمون اللاهب وهي تحيل هذا المعنى المقدس والإنساني إلى مجرد هباء يتداعى عند أول اختلاف!، وعن قصد ووعي من قبل الأخ الذي يفرض نفسه بقوة الموروث والعادات، في قصصها تخترق القاصة المحظور، وتنزع القناع عن المكبوت والدفين والمتواري خلف العيون، عن النار الثاوية في الأعماق، والتي لا تقل لهيبا، و تجسدها الوجوه المتعددة. فنحن هذه الوجوه نعيش في العصر المعلّب، في هذا الزمن اليابس والوقت الضائع، في عصر الاستبداد والوجع البارد.